سنتعب إن حاولنا إحصاء الجوائز الأدبية التي توارت عن المشهد الجزائري. جوائز بعضها عمّر طويلاً، قبل أن يختفي فجأة، وبعضٌ آخر لم يعرف إلا دورة أو دورتين، وبعضٌ أخير أُعلِن عنه، لكنه لم ير النور لأسباب تتعلق بالتمويل أو بيأس المشرفين على الجائزة أو رحيلهم.
من هذه الجوائز، نذكر "جائزة مفدي زكريا المغاربية للشعر" التي أطلقتها "الجمعية الثقافية الجاحظية" مطلع التسعينيات، وكان يترأسها الروائي الطاهر وطار، و"جائزة الهاشمي سعيداني" للرواية التي بادر الروائي نفسه بإطلاقها سنتين قبل رحيله عام 2012، ولم تعرف إلا دورتين فاز فيهما سعيد الهاشمي وسمير قسيمي، و"جائزة محمد ديب" في القصة والرواية، التي كانت تشرف عليها المؤسسة التي تحمل اسمه في مدينة تلمسان، و"جائزة أبوليوس" لرواية الشباب التي توقفت إثر تنحية الكاتب أمين الزاوي عن إدارة "المكتبة الوطنية"، بعد دورة واحدة فازت فيها سارة حيدر، و"جائزة المكتبيين" التي كانت توزع في مناسبة "الصالون الدولي للكتاب".
من الجوائز التي ولدت كبيرة، ثم توقفت بعد دورتين فقط، "جائزة مالك حداد" للرواية، التي بادرت بها الكاتبة أحلام مستغانمي، وأوكلت مهمة الإشراف عليها إلى "جمعية الاختلاف" التي تحولت في ما بعد إلى دار نشر خاصة. وسبب توقف الجائزة، بحسب صاحبة "ذاكرة الجسد"، أنها لم تحظ بالدعم المالي اللائق من المؤسسات الرسمية.
أما الجوائز التي بقيت "على قيد الحياة"، فلا نحتاج إلى كل أصابع اليد الواحدة لعدّها، منها "جائزة علي معاشي" لإبداعات الشباب، وتوزع سنوياً في الثامن من حزيران/ يونيو، بمناسبة "اليوم الوطني للفنان"، بإشراف رئيس الجمهورية. استقطبت هذه الجائزة في بداياتها قطاعاً واسعاً من الشباب، ثم خلقت نفوراً منها بسبب المبالغ المالية الزهيدة المرصودة لها (5000 دولار للمرتبة الأولى)، والطريقة الغامضة في تحكيمها، وعدم امتلاكها أي استراتيجية للترويج للفائزين بها.
ويتساءل الشاعر حكيم شيخ عن "معنى أن ترتبط جائزة وطنية، باسم رئاسة الجمهورية، لكنها تمنح مبالغ أقل من تلك التي تمنحها جمعيات ونوادٍ أهلية في محافظات نائية"، قبل أن يضيف: "لماذا لا توكل مهمة تسيير الجائزة إلى فريق محترف يحسن تسويق صورتها وصورة الحاصلين عليها؟".
وتمنى، في تصريحه لـ "العربي الجديد"، ألا تقع الجائزة الكبرى في الرواية التي أعلنت عنها وزيرة الثقافة، في مناسبة افتتاح الدورة الأخيرة من "الصالون الدولي للكتاب"، نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في المطبّات نفسها.
في ظل هذا الواقع، بادر الشاعر الجزائري المغترب عياش يحياوي، خلال السنة الماضية، إلى إطلاق جائزة شعرية يموّلها بنفسه، وأوكل مهمة الإشراف عليها إلى "جمعية الكلمة للثقافة والإعلام" التي يترأسها الشاعر عبد العالي مزغيش.
هذه الخطوة، وإن استطاعت أن تستقطب 31 مشاركة في دورتها الثانية التي وزّعت جوائزها الثلاث مطلع الأسبوع الجاري (فاز بالمرتبة الأولى الشاعر علي مغازي)، إلا أن ميل لجنة تحكيمها، التي يترأسها الشاعر سليمان جوادي، إلى القصيدة العمودية، خلق استياءً كبيراً لدى الشعراء الحداثيين الذين رأوا في ذلك إقصاء جمالياً وتأخراً في الذائقة.
يقول لنا الشاعر رمزي نايلي إنه لا يطعن في قرارات اللجنة، لكنه لا يخفي اندهاشه من توافُق ميولاتها الشعرية مع طبيعة التجارب الفائزة في كلتا الدورتين: "من هذا المنطلق، أنصح المشرفين على الجائزة أن يخصصوها للشعر العمودي حصراً، حتى تكون الأمور واضحة منذ البداية، وليس ذلك عيباً".
من جهته، نفى الشاعر إبراهيم صديقي، عضو لجنة التحكيم، الانحياز إلى حساسية شعرية معينة، مؤكداً أن المعيار المعتمد هو جمالي بالدرجة الأولى، انطلاقاً من طبيعة التجارب المشاركة، ولاحظ صاحب "ممرات" عزوف الأقلام التي تكتب نصوصاً حداثية باقتدار، عن المشاركة في هذه الجائزة وغيرها، داعياً إياها إلى ترك هذا الخيار، من أجل خلق ما أسماها "حالة تنافُس صحية".
لاحظت "العربي الجديد" تخلّف الشركات الاقتصادية الكبرى في الجزائر، عن خلق جوائز أدبية خاصة بها، أو دعم الموجود منها، مثلما يحدث في بلدان كثيرة، خاصة أن القانون الجزائري يخصم المال الذي تخصصه للرعاية الثقافية من الضرائب المترتبة عليها.
وحول هذه المسألة، يقول القاص وعضو الإدارة المحلية، عبد الحميد إيزة، إن هذه الشركات ذات نزعة تجارية صرفة، وإضافة إلى ذلك، فهي لا تتلقى عروضاً من الفاعلين الثقافيين الذين لا يعرف قطاع واسع منهم سوى انتظار ما تقدّمه الوزارة الوصية، بخلاف الوعي المنتشر لدى الفاعلين الرياضيين.
ويتساءل صاحب مجموعة "هيستيريا" عن "معنى أن تحقق شركة هاتف نقّال مليار دولار أرباحاً، ولا تدعم ثقافة البلاد التي مكنتها من ذلك". ويضيف: "لا ألوم هذه الشركات التجارية، بقدر ما ألوم النخبة المثقفة على صمتها".
هذا الفقر الصارخ في الجوائز وثقافة التثمين، في بلد بات من أغنى الدول الأفريقية والعربية، أرغم الكتّاب الجزائريين على المراهنة على الجوائز العربية والفرنسية (بحسب اللغة التي يكتبون بها) التي باتت في السنوات الأخيرة لا تخلو من اسم جزائري، في الشعر والرواية والقصة والنقد والترجمة، كفوز الروائي أحمد طيباوي بـ"جائزة الطيب صالح" في السودان، ووصول الروائي كمال داود إلى القائمة القصيرة لجائزة "غونكور" في فرنسا.
نشير أخيراً إلى أن اختفاء "جائزة مفدي زكريا للشعر المغاربي"، مباشرة بعد رحيل مؤسسها الروائي الطاهر وطار، يؤكد أن الجوائز الأدبية في الجزائر مرتبطة بالمبادرات الشخصية، ولم ترق بعد إلى أن تصبح ثقافة عامة مكرسة.
اختفت الجائزة وبقيت الشهادات الممنوحة لأكثر من ستين شاعراً تحصّل عليها من الجزائر وتونس والمغرب، شاهدة على مبادرة وئدت، وتنتظر من يستعيدها ومثيلاتها من جديد، في بلد يلهث وراء أن يكون عاصمة للثقافات العربية والأفريقية والإسلامية، لكنه لا يسعى إلى أن تكون له جائزة أدبية محترمة.