الجزائر: فيتو يمنع توسيع هيئة الحوار

07 اغسطس 2019
صدٌّ سياسي وشعبي لهيئة الحوار بالجزائر(رياض كرامضي/فرانس برس)
+ الخط -
أبلغ مسؤولون في رئاسة الدولة الجزائرية، "هيئة الحوار الوطني"، اعتراض السلطة على قرارها ضمّ شخصيات جديدة إلى صفوفها، تخوفاً من "انفلات القرار وتصادم الإرادات" داخلها، ما يزيد من تعقيد مهمة هذه الهيئة، التي تواصل شرائح سياسية ومدنية واسعة في البلاد رفض التعامل معها.

وقال مصدر حكومي مسؤول، في حديث مع "العربي الجديد" إن "وسيط الرئاسة أبلغ الهيئة رغبة السلطة في حفاظ الأولى على فريقها الحالي، وأن تعمل من خلاله على إدارة الحوار، ما دامت المناقشات ترتبط بموضوع واحد فقط هو تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات وتحديد موعد وترتيبات الانتخابات الرئاسية المقبلة. وفيما  تحدث المصدر نفسه عن "إبداء الهيئة تفهماً لهذه التحفظات"، أشار إلى أن للأخيرة "الحرية في الاستعانة بمن تشاء كمستشارين تسترشد بهم"، بدون أن يوضح ما إذا كان مصدر القرار الذي اتخذ قيادة أركان الجيش، التي تراقب التطورات السياسية أم الرئاسة التي تولى وسيط منها إبلاغ الهيئة بالمحظورات الجديدة.

وجاء القرار عقب إعلان "هيئة الحوار الوطني" دعوتها 23 شخصية وطنية للانضمام إليها، بعد تعثرٍ كبير في بداية عملها واستقالة عضوين من أعضائها الستة الذين عيّنهم رئيس الدولة عبد القادر بن صالح منذ حوالي أسبوعين. ودفع رد الرئاسة الهيئة الى مراجعة قرار ضمّ شخصيات إضافية إليها، معلنة الأحد الماضي أن الذين سيوافقون على العمل معها سينضوون ضمن لجنة استشارية تتألف بحسب بيانها من "الحكماء والشخصيات والخبراء" وذلك لتستعين بهم في أداء مهماتها.
وضمن هذا الإطار، قررت الهيئة الشروع الفوري في تنظيم جولات الحوار مع كل الفاعلين في المجتمع السياسي والمدني والشخصيات الوطنية، مؤكدة استعدادها لتلقي المقترحات السياسية من القوى والفعاليات المختلفة.

وبالرغم من أن أغلبية الشخصيات التي دعتها الهيئة رفضت الانضمام إليها، إلا أن مراقبين يعتقدون أن اعتراض السلطة على توسيع الفريق، مؤشر على تخوفها من تشتت ملفات الحوار وخروجها عما هو محدد له في ما يتعلق بالترتيب للانتخابات. كما أن إقدام الهيئة على تشكيل لجنة حكماء عوضاً عن توسيع عدد الأعضاء يؤكد حالة الارتباك التي تعيشها.

وفي هذا الإطار، وصف الناشط يحيى جعفري، متحدثاً باسم منتدى "الحراك الشعبي أصيل"، لـ"العربي الجديد"، الوضع بـ"وجود حالة ارتباك واضحة نتيجة التهرب من الحل الحقيقي الذي يجب الذهاب إليه، عبر حوار جدي، وليس عبر هيئة دون التطلعات، ودون شخصيات وازنة وذات ثقل وامتداد وقبول عام، وغير محددة المهام ومن دون غطاء قانوني، ولا تمثل ألوان الطيف السياسي كافة، ولا تقدم ضمانات، مع إقصاء واضح وبارز لغالبية مكونات  الشعب عنها". وتحدث عن "إطلاق خطاب الجيش الأخير رصاصة الرحمة عليها"، في إشارة إلى خطاب قائد الجيش أحمد قايد صالح، قبل نحو أسبوع، والذي رفض خلاله التجاوب مع إجراءات التهدئة التي طالبت بها الهيئة. وأكد جعفري أن الهيئة "تشتغل الآن خارج التكليف، ومن دون غطاء"، مستبعداً "تفاعل أغلب فعاليات الحراك معها، سواء السياسية أو المدنية".

وبالفعل، أعلنت أطراف جزائرية عدة عدم رغبتها بالتعاون مع الهيئة. وأكدت "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"، كبرى المرجعيات الدينية في البلاد، رفضها الانضمام إليها، مشيرة إلى أنها "لا تزال تنتظر الأجواء الملائمة والمطلوبة، من ذلك حماية الحراك الشعبي ورفع التضييق عنه، والاستجابة لمطالبه المشروعة". واعتبرت أن الخروج من الأزمة "مرهون بتوفير الأجواء المساعدة على إنجاح الحوار".

وفي السياق، رأت "المنظمة الوطنية للمجاهدين" (قدماء محاربي "ثورة التحرير")، وهي كبرى المرجعيات التاريخية التي يقودها رئيس البرلمان الأسبق كريم يونس (رئيس الهيئة)، أن الأخيرة لن تنجح في مهماتها كونها معينةً من جهة السلطة.

بدورها، أعلنت "جبهة العدالة والتنمية" رفضها التعاون مع هيئة كريم يونس، واصفةً عملها بأنه "مسعى تظهر فيه إرادة الالتفاف على المطالب الشعبية". وبذلك تنضم الجبهة الى حزب "جيل جديد" الذي كان أعلن قبل أيام عدم استعداده للتعاون والحوار مع الهيئة.

وتعقد مواقف هذه المنظمات المرجعية في الجزائر من مهمة "هيئة الحوار الوطني"، وتؤكد وجود ملامح صدٍّ سياسي ومدني كبيرٍ لها، خاصة بعد إعلان أحزاب سياسية رفضها التعاون والحور معها.
 
وتبيّن هذه الاعتراضات على عمل الهيئة أن الأخيرة ستجد نفسها مضطرة للحوار مع فعاليات أخرى غير تمثيلية، وهو ما لا يساعد في النهاية على صياغة ترتيبات للانتخابات الرئاسية المقبلة، إلا إذا كانت ستقرر في نهاية المطاف أن تتحاور مع من حضر، وإذا كانت السلطة تعتبر أن الهيئة مجرد قناة، الهدف منها تمرير مشروع قانون إنشاء الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات، كانت الحكومة قد أعدت صيغته الأولى، وسبق تسريب أجزاء منه قبل فترة.    
المساهمون