مع الإعلان عن ترشح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة للولاية الخامسة احتدم السجال مجدّدا حول الحصيلة الاقتصادية لأربع ولايات له خلال العشرين سنة الماضية، وسط انتقادات المعارضين ودفاع الموالين عن السياسات المتعلقة بملفات الأوضاع المعيشية والفساد وتنمية القطاعات المختلفة.
وأعلن حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم بالجزائر، أمس، أن بوتفليقة، سيكون مرشحه لانتخابات الرئاسة المقبلة، ومن المقرر أن تنتهي الولاية الرئاسية الرابعة له في فبراير/شباط المقبل.
وفي الوقت الذي يدافع فيه الحزب الحاكم عما سمّاه إنجازات اقتصادية تمت في عهد بوتفليقة، وجه المعارضون سيلاً من الانتقادات إلى الأداء الحكومي الذي وصفوه بالمترهل والذي أدى إلى تفاقم الأزمات المعيشية ونزيف الاحتياطي وتأزم الأوضاع المالية للبلاد وتصاعد الفساد، رغم الدخل الضخم الذي حازت عليه البلاد من النفط خلال العقدين الماضيين.
تريليون دولار
"أين ذهبت ألف مليار دولار"؟... هو عنوان أخر فصول الصدام بين الحكومة الجزائرية والمعارضة، حيث تبقى قضية صرف تريليون دولار منذ 1999 إلى 2019، حسب بيانات رسمية، لبعث الاقتصاد وتشييد البنية التحتية من أكبر علامات الاستفهام التي بقيت عالقة دون إجابة من طرف الحكومة الحالية التي تعهدت بتقديم الحصيلة قبل نهاية ولاية الرئيس الحالية.
تبرر الأحزاب المؤيدة لبوتفليقة فاتورة الألف مليار دولار بإقامة عدة مشاريع كبرى ودعم قطاع الصناعة والزراعة، بالإضافة إلى بناء الطرقات والمساكن، وهو ما تراه المعارضة أمرا مبالغا فيه.
وإلى ذلك، قال الأمين العام لحزب جبهة التحرير الحاكم جمال ولد عباس إن "كل دولار صرف منذ 1999 إلى يومنا جرد وأحصي، ومن يتحدث عن تبذير ألف مليار دولار فهو يريد تضليل الرأي العام، فإنجازات الرئيس بوتفليقة لا ينكرها إلا جاحد".
وكشف ولد عباس في رد على سؤالٍ لـ "العربي الجديد" أن "الحزب أنهى وضع حصيلة الرئيس الاقتصادية وكيف أنفق ميزانية المخططات الخماسية الأربعة الماضية؟ وسنرفع الحصيلة إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليها ونشرها قبل نهاية السنة".
وتبقى قضية "التريليون دولار" قضية تحرج محيط بوتفليقة العاجز عن تقديم إجابات وافية، ما يعطي المعارضة فرصة للهجوم من أرضية صلبة، حسب المراقبين الاقتصاديين.
وقال الخبير الاقتصادي فرحات علي إن "الحكومة اقترفت خطأ كبيرا لأنها لم توضح للمواطن أين ذهبت الألف مليار دولار، منذ السنوات الأولى لتنفيذ البرامج الخماسية للتنمية وتركت المعارضة تصول وتجول".
وأضاف الخبير الجزائري في حديث لـ"العربي الجديد" أن "قرابة نصف المبلغ المثار الجدل حوله بين الحكومة والمعارضة وجه نحو الميزانية العمومية لتسيير شؤون الدولة، أي لأجور العمال والإنفاق الاجتماعي والدعم أي أكل وشرب وطاقة، المشكل يكمن في النصف الثاني أي 500 مليار دولار المتبقية، الحكومة تقول إنها وجهتها لإقامة 37 مشروعا منها الطريق السيار شرق-غرب ومشاريع السكن والمستشفيات والمدارس ودعم قطاعي الصناعة والزراعة.
وهنا يمكن أن نلاحظ أن الطريق السيار كانت ميزانيته 15 مليار دولار في حين كانت الدراسات تشير إلى أنها لن تتعدى 4 مليارات دولار وليس من المعقول أن يغطي نصف تريليون دولار هذا المشروع ودعم القطاعات الباقية، لأن الزراعة لا تساهم إلا في 4% في الناتج الداخلي الخام والصناعة في 3% منذ وصول بوتفليقة إلى الحكم".
خسائر الفساد
رغم الجهود الحكومية للحد منه واصل الفساد في الجزائر التهامه لجزء كبير من إيرادات في ظل غياب الهيئات المختصة التي تجمّد نشاطها لأسباب غير معروفة.
وشابت الفترة الأخيرة من الولايات الأربع لحكم بوتفليقة، العديد من قضايا الفساد التي طغت على الحياة العامة في البلاد، وزادت من انتشارها زيادة عائدات النفط ومعها فاتورة الواردات.
ولعل أكبر القضايا التي شغلت الرأي العام كانت تلك المتعلقة بالطريق السيار "شرق- غرب" التي أهدر فيها 11 مليار دولار، وقضية شركة "سوناطراك" النفطية (250 مليون دولار رشوة)، بالإضافة إلى قضية رجل الأعمال عبد المؤمن الخليفة التي كلفت خزينة الحكومة 5 مليارات دولار، والتي تورطت فيها أسماء مقربة من محيط بوتفليقة، ونجحت في الإفلات من العقاب، بعدما أغلق القضاء الجزائري هذه القضايا مكتفيا بمعاقبة أسماء غير وازنة.
واللافت أن هذه القضايا وغيرها من قضايا الفساد التي طُرحت أمام القضاء بين سنوات 2012 و2015، لم تبلّغ عنها الهيئات الرسمية المخوّلة بمحاربة الفساد، لكن كانت تناقش بسبب تطرق القضاء الدولي في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا إليها، أو بسبب الضغوط الإعلامية من صحف وقنوات محلية مستقلة تعجّ بفضائح الفساد في الجزائر، من دون تحرك أي من الجهات والهيئات التي أنشئت لمكافحة الفساد.
وإذ يصعب وضع رقم دقيق يمثل حجم الفساد المالي والإداري الذي عاشته البلاد في العقدين الأخيرين، إلا أن التقديرات تشير إلى أن حجم الرشاوى والعمولات والخسائر كبير جداً ويفاقم من الأزمة المالية الحادة التي تعاني منها البلاد وأدت إلى استنزاف الاحتياطي النقدي.
وحسب رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد (مستقلة)، جيلالي حجاج، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن "حجم العمولات التي تم دفعها في مختلف الصفقات يقدر بـ60 مليار دولار، تورط فيها مقربون من بوتفليقة والنظام السياسي بصفة عامة بمستويات مختلفة".
وأضاف جيلالي أن "البحبوحة المالية التي عاشتها الجزائر في سنوات حكم بوتفليقة الأولى بفعل ارتفاع أسعار النفط كانت العامل الأساسي لانتشار الفساد، حيث كثرت قضايا إهدار المال العام". وتابع: "يكفي فقط أن نذكر أنه منذ وصول بوتفليقة لسدة الحكم سنة 1999 أنفقت السلطة قرابة ألف مليار دولار لبعث الاقتصاد والبنية التحتية، لكن ما حصل أن هذه الفاتورة كانت سببا في تفشي الفساد".
اقتصاد هش
إذا كان شيء يحدث الإجماع في حصيلة بوتفليقة بين الجزائريين، فهو فشله في فك ارتباط الاقتصاد بعائدات النفط التي تمثل 96% من إجمالي إيرادات البلاد، وإقامة اقتصاد قوي منتج للثروة، رغم استهلاك الرئيس الجزائري مبالغ ضخمة مستفيدا من انتعاش عائدات النفط في سنوات حكمه التي بلغ فيها سعر برميل النفط أكثر من 120 دولارا قبل أن يتراجع منذ منتصف عام 2014.
ولعل أبرز معيار لتقييم تجربة بوتفليقة الهادفة إلى إقامة اقتصاد منتج غير ريعي أو عدمها، هو الأزمة النفطية وما تبعها من توابع ارتدادية هزت أركان الاقتصاد الجزائري منذ 2014، حيث هوت عائدات النفط وتهاوى معها الدينار الذي فقد قرابة 35% من قيمته في أربع سنوات، قابله ارتفاع فاتورة الواردات ما أدى إلى تفاقم العجز في الخزينة العمومية إلى 30 مليار دولار سنويا.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي والمستشار لدى الحكومة الجزائرية (2014-2017) عبد الرحمان مبتول أن "العشرين سنة الماضية حولت الجزائر من دولة تستورد نصف ما تحتاجه وتأكله إلى دولة تستورد معظم ما تحتاجه، فبمجرد مقارنة فواتير الاستيراد نجد أن الفاتورة ارتفعت من 20 مليار دولار سنة 1999 إلى 64 مليار دولار سنة 2015، كما أن الأزمة النفطية كشفت هشاشة الاقتصاد الجزائري الذي بات مصيره مرتبطا أكثر من أي وقت مضى ببرميل النفط".
وقال مبتول في حديثه لـ"العربي الجديد" إن "الاقتصاد الجزائري، أنهكه الفساد وتبذير المال العام وغياب سياسة اقتصادية واضحة المعالم، فهناك دول نهضت باقتصادها بنصف أو حتى ثلث ميزانيات الجزائر خلال نفس الفترة للأسف ونحن لم نستفد من عائدات النفط الضخمة".