الجزائر... عام واحد لا يكفي

26 فبراير 2020
كسر الجزائريون حاجز الخوف (العربي الجديد)
+ الخط -
عام واحد لا يكفي لتحقيق مطالب السقف العالي للحراك الشعبي في الجزائر. منهجياً يتوجّب وضع خط فارق بين المنجزات والمكاسب التي حققها الحراك خلال عام، وبمعنى أدق تحققت له بصفة آلية، إذ لم تكن غايات في حد ذاتها، وبين لائحة المطالب والعناوين السياسية التي تحقق جزء يسير منها، ولم يتحقق الجزء الآخر وهو الأكثر أهمية بالنسبة للجزائريين منذ 22 فبراير/ شباط 2019.

في سلّة المنجزات التي تحققت خلال عام من الثورة الشعبية، ثمة كسر لحاجز الخوف وافتكاك حق التظاهر وإنجاز مصالحة بين الجزائري والفعل السياسي ومع الشارع كفضاء للتعبير المطلبي، واستدعاء قيم ثورة نوفمبر/ تشرين الثاني 1954 والاحتفاء برموزها وبالعلامات المضيئة في التاريخ الوطني، وتثبيت السلمية كقيمة نضالية، وتعرية النخب السياسية والإعلامية التي كانت تعيش على الريع، وتجاوز الفوارق الأيديولوجية بين المكوّنات المدنية والسياسية والتقائها حول المسألة الديمقراطية.

في جهة المطالب، تحقق شيء قليل مقارنة مع سقفها، إنقاذ الجزائر من مغامرة الولاية الخامسة، وبصورة ظرفية مكافحة الفساد وإحالة رموز نظام عبد العزيز بوتفليقة إلى المحاكم والسجون. لكن المطالب الأساسية المتصلة بإعادة تأسيس النظام الديمقراطي ووضع الأسس الدستورية لذلك بشكل توافقي، واستقلالية العدالة، وتحرير الإعلام، واستبعاد مؤسسات الظل من الهيمنة، وصناعة القرار، وحق التنظّم، وإنهاء الاعتقالات السياسية، لم تتحقق بعد، ولم تكن لتتحقق في ظرف عام مهما كان المجهود السياسي الذي بذل.

عام واحد لم يكن ولن يكون كافياً لإنشاء الديمقراطية بكل أبعادها وبالصورة النموذجية التي يطلبها الحراك، ليس لعجز الحراك عن طرح مدونة سلوك سياسي أو أرضية إصلاح ومشروع بديل، وليس لأن النظام نجح في فرض خطته للإصلاح السياسي، ولكن لأن طبيعة البناء الديمقراطي والانتقال من حالة شمولية إلى حالة انتقال ديمقراطي، تتطلب في كل الحالات زمناً ديمقراطياً كافياً، تتسارع فيه وتيرة الإصلاح السياسي بحسب قدرة الحركة الثورية على الضغط، وتمكنها من امتلاك أدوات المشاركة والتدخّل في صياغة محددات المرحلة الجديدة.

عام واحد لم يكن كافياً لتحقيق الكثير من المطالب الشعبية، صحيح، لكن عشر سنوات أخرى أو أكثر قد لا تكون كافية أيضاً لذلك، إذا لم تغادر مكونات الحراك الشعبي محطة "الانطلاقة الثورية" التي كانت لها استحقاقاتها، والانتقال إلى منتظم سياسي ومدني يستفيد وبأدوات إبداعية مختلفة من تراكم ما أنجز لتحويل طاقات الثورة من زمن الشارع إلى الزمن المؤسس، من دون أن نغفل عن حقيقة أن النظام ما زال صلباً، وعن المقاومة التي تبديها مجموعات ريعية داخل النظام ضد أي تغيير سياسي.

انتهى عام الشجاعة وبدأ عام الخوف، في عام الشجاعة كسر الجزائريون فزاعة تعود إلى الزمن الدراماتيكي في التسعينيات، ويبدأ الآن عام الخوف الحذر من سرقة الثورة وإهدار فرصة تاريخية لتحقيق انتقال ديمقراطي. ستكون هذه السنة الأصعب بالنسبة للحراك الشعبي والأكثر دقة وحسماً في مصير الأجيال ومستقبل البلد السياسي، لكون النظام الذي استعاد النسق المؤسساتي، يسبق الجميع بخطوة ويخوض منفرداً مرحلة صياغة المحددات الجديدة للحكم.
المساهمون