الجزائر: خلافات حزبية تسبق معركة انتخابات 2017

13 أكتوبر 2016
تتركز الخلافات داخل جبهة التحرير الوطني (فرانس برس)
+ الخط -
تعمل الأحزاب السياسية في الجزائر على التحضير، منذ الآن، للانتخابات البرلمانية المقبلة المتوقعة منتصف عام 2017، والتي أعلن رئيس ديوان الرئاسة الجزائرية أحمد أويحيى أنها قد تجري في إبريل/نيسان المقبل، نظراً لما تكتسيه من أهمية على أكثر من صعيد. وتأتي الانتخابات المرتقبة في ظل تغيرات سياسية واقتصادية لا سيما مع بروز تداعيات الأزمة النفطية الخانقة على الاقتصاد الجزائري وانعكاسها سلباً على الأوضاع المعيشية للجزائريين، فضلاً عن إظهارها حجم إخفاق الحكومات المتعاقبة في الإنعاش الاقتصادي.

كما في كل استحقاق انتخابي، تدور رحى التطاحن السياسي داخل حزب جبهة التحرير الوطني، أكبر أحزاب السلطة والحائز على الأغلبية في البرلمان الحالي. وانطلق الصراع بين كوادر الحزب بشكل مبكر للتسابق على التموقع في صدارة القوائم المرشحة.
في أكثر من ولاية جزائرية برزت في الفترة الأخيرة صراعات عنيفة وحرب بيانات بين كوادر "الجبهة"، مع عودة بعض القيادات السابقة وأبرزها عبد الرحمن بلعياط، للمطالبة بتنحية القيادة الحالية للحزب بقيادة الأمين العام عمار سعداني. وكانت القيادة الحالية للحزب قد تسلمت عملها بعد انتخابات 2012. وأجرت هذه القيادة، عقب وصولها، عملية تطهير للموالين للقيادة السابقة، ما أدى إلى بروز شرخ داخل الحزب الذي يراهن في كل استحقاق انتخابي على دعم السلطة والإدارة المشرفة على الانتخابات. ويضاف إلى ذلك تغلغل رجال الأعمال في الحزب، على الرغم من تصريح الأمين العام للحزب عمار سعداني، قبل أيام، عن عزمه "قطع الطريق أمام أصحاب الشكارة (أصحاب المال) في الانتخابات التشريعية المقبلة".



من جهته، يرصد الحزب الثاني للسلطة، التجمع الوطني الديمقراطي، ما يدور داخل صفوف غريمه السياسي حزب جبهة التحرير الوطني، ويحاول الاستفادة من هذا الوضع لصالحه وتكرار سيناريو انتخابات 1997، عندما فاز التجمع الوطني الديمقراطي بالانتخابات البرلمانية.

وأطلق الأمين العام للحزب، أحمد أويحيى، والذي يشغل منصب رئيس ديوان الرئاسة، في آخر تجمع سياسي عقده قبل أيام في منطقة بجاية شرقي الجزائر، حملة تحسيسية (توعية) لكوادر الحزب، وطالبهم "بزرع الأمل تحسباً للاستحقاقات الانتخابية المقبلة". ولفت إلى أن "الحزب على الطريق الصحيح، ويحتاج إلى توحيد الصفوف". كما تطرق إلى ضرورة إعادة هيكلة الحزب محلياً.
ودعا أويحيى مناضلي وكوادر الحزب إلى تكثيف العمل بمناسبة الاستحقاقات المقبلة في ظل هاجس انتقال عدد من كوادره إلى حزب تجمع أمل الجزائر (المعروف اختصاراً بـ"تاج")، بقيادة وزير النقل السابق عمار غول المنشق عن إخوان الجزائر منذ عام 2012.
أما حزب الحركة الشعبية الجزائرية بقيادة وزير التجارة السابق عمارة بن يونس، فلم يتأخر في الإعلان عن بدء استعداداته للانتخابات المقبلة عبر تنظيم سلسلة لقاءات ميدانية مع كوادر الحزب ومؤيديه.
كذلك كان لافتاً إعلان حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" المعارض، نيّته المشاركة في الانتخابات التشريعية، بعد أن كان قد قاطع الانتخابات الماضية. ولاقى قرار الحزب بالمشاركة ترحيباً من أويحيى، الذي اعتبره قراراً ايجابياً.
وبقدر ما تبحث أحزاب السلطة عن رهانات تثبيت الحال، بقدر ما تسعى قوى المعارضة إلى تثبيت خطاب التغيير، لكنها تنقسم إزاء آلية الانتخابات. وتراهن أحزاب محافظة على الاستمرار في المشاركة في الانتخابات، لكسب منبر برلماني للمعارضة وتوسيع هامش تواجدها في المشهد السياسي. في المقابل تتوجه بعض الأحزاب المنضوية في كتلة التغيير والانتقال الديمقراطي، على غرار حزب جيل جديد بقيادة جيلالي سفيان، إلى خيار مقاطعة الانتخابات، بسبب رفض السلطة توفير شروط النزاهة وإنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات.
ويؤيد هذا الموقف ناشطون مستقلون في حركة "بركات" الرافضة للولاية الرئاسية الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وقد أعلن القيادي السابق في الحركة، سمير بلعربي، العضو في كتلة التغيير، التمسك بالأرضية السياسية التي أعلنتها كتلة المعارضة في يونيو/حزيران 2014 والمتضمنة المطالبة بهيئة مستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات.
كما أعلن عن الدعوة "لمقاطعة هذه الانتخابات التي لن تخرج عن سابقاتها في التزوير". كما اعتبر أن "أي مشاركة في الانتخابات تعطيها مصداقية"، وهو موقف يأتي على خلاف رؤية أحزاب أخرى تتوجه للمشاركة في الانتخابات.
وفي السياق، أطلقت حركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية، منذ انعقاد الجامعة الصيفية في شهر أغسطس/آب الماضي، استعدادات محلية ومركزية للانتخابات البرلمانية المقبلة. وخصصت ورشة خاصة لكوادرها في هذه الجامعة لمناقشة سبل ووسائل تطوير العمل الدعائي والاتصالي في الاستحقاقات. وجاء ذلك على الرغم من أن المؤسسات الرسمية للحركة، ممثلة في مجلس الشورى، لم تبت حتى الآن في مسألة المشاركة في الانتخابات البرلمانية من عدمها.
وكان لافتاً توجّه الرئاسة الجزائرية لتعيين الوزير الأسبق ورجل القانون عبد الوهاب دربال، على رأس الهيئة المستقلة العليا لمراقبة الانتخابات. ويُعدّ دربال من كوادر الحركة الإسلامية في الجزائر، ومن قيادات حركة النهضة. وبحسب بيان لرئاسة الجمهورية، فإن "ديوان الرئاسة أطلع الأحزاب السياسية المعتمدة، على عزم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تعيين عبد الوهاب دربال، على رأس الهيئة المستقلة العليا لمراقبة الانتخابات، وطلب منهم إبداء رأيهم بهذا الخصوص، قبل نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي". ورأى مراقبون أن اقتراح بوتفليقة اسم عبد الوهاب دربال كرئيس للجنة المستقلة للانتخابات، فخ سياسي لأحزاب المعارضة، خصوصاً الإسلامية التي تربطها بدربال علاقات مشتركة، ما يضعها في موقف محرج.
ومع كل استحقاق انتخابي في الجزائر تبرز ظاهرة "التجول السياسي" بين الأحزاب السياسية في الجزائر. وعند كل استحقاق يبدأ المناضلون في بعض الأحزاب، ممن يستشعرون مسبقاً عدم قدرتهم على التموقع الجيد في القوائم الانتخابية، في الانتقال إلى أحزاب أخرى. ونظراً لأن بعض الأحزاب السياسية غير مهيأة على الصعيد التنظيمي والإيديولوجي، فإن هذا الأمر يتيح اختراقها بسهولة بأدوات كثيرة يكون المال والنفوذ أحياناً جزءاً منها. وقد تكرر هذا الأمر خلال جميع الاستحقاقات الانتخابية السابقة، وهو ما ساهم بشكل كبير في تشويه صورة العمل السياسي والحزبي في الجزائر. وقد طاولت هذه الظاهرة أحزاباً كبيرة على غرار حزب جبهة التحرير الوطني، الحائز على الأغلبية في الاستحقاقات الثلاثة الأخيرة منذ 2002.

ويرى الناشط السياسي، رضوان عطا الله، أن "هذه الظاهرة السياسية السلبية تعود عشية كل محطة انتخابية". ويلفت إلى أنه "يوجد فئة من السياسيين يغيرون جلدهم ويبدلون خطاباتهم وينقلبون على كتاباتهم من دون مراعاة الجمهور". ويعتبر أن "بعض السياسيين يساهمون من حيث لا يدرون في تكريس تلك الصورة الشعبية النمطية لدى عامة الناس وحتى في أوساط النخبة، وهو ما يصفه المواطن بالنفاق السياسي في الوسط الحزبي والسياسي".
ووفقاً لعطا الله فإن هذه "الظاهرة أساءت كثيراً إلى العمل السياسي في الجزائر"، موضحاً أن "المواطن البسيط ارتسمت عنده صورة معينة عن السياسي والأحزاب بسبب العبث بمصداقية الفعل وبالفاعل السياسي بعينه".
وبقدر ما تبدي الأحزاب السياسية حالة من الاستعداد التكتيكي واللوجيستي، فان الكارتل المالي في الجزائر ومجموعات رجال الأعمال التي بدأت منذ فترة تبسط يدها على المشهد السياسي، يحضران للدخول بقوة في عمق المشهد السياسي عبر الالتحاق بأحزاب السلطة الحاكمة، لا سيما حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي. وتعمل هذه المجموعات على استغلال نفوذها المالي في كسب مواقع داخل البرلمان. ويتيح هذا الأمر لها حماية استثماراها والاستفادة من امتيازات وترسيخ علاقتها بدوائر صناعة القرار. يذكر أن تجارب سابقة أتاحت الفرصة لرجال الأعمال للوصول إلى مواقع متقدمة في قيادة أحزاب السلطة، على غرار النائبين محمد جميعي وبهاء الدين طليبة اللذين نجحا بفضل الأموال في الوصول إلى عضوية قيادة جبهة التحرير الوطني. ويضاف إليهما النائب بوجمعة طورشي الذي نجح في الوصول إلى عضوية قيادة حزب التجمع الوطني الديمقراطي.