الجزائر ... حين يتبخر النفط ويمطر بالخوف

13 سبتمبر 2017
تفكر الحكومة في ضخ النفط وبيعه لشراء الغذاء والدواء(Getty)
+ الخط -

لا يتعلم التلاميذ والطلبة في الجزائر كيف يتبخر النفط ويتحول إلى غيمة من الفساد، تمطر على رجال السلطة وزبائنها والعسكر وشركائها الأجانب بالخير العميم، ولا كيف يتبخر النفط ويتحول إلى سحب تمطر على عموم الشعب الفاقة والخوف من المستقبل. فالسلطة لا تريد أن تبوح بسرها للعموم، وهي وحدها التي تعلم كيف يتبخر النفط وكيف يمطر خيراً هنا وفاقة هناك. كل ما يتعلمه الطلبة في مسارهم الدراسي، كيف يتبخر الماء في الهواء ويتحول إلى سُحب أو بَرَد.

نعم... يتبخر النفط في الجزائر كما لا يتبخر في أي منطقة أخرى من العالم. يتبخر في حسابات مصرفية في البنوك الأجنبية، والشواهد كثيرة على قضايا الفساد ذات البعد الدولي في الجزائر التي تتصدر الدول الأكثر فساداً والأقل شفافية في الإنفاق العام، وفي صفقات النفط والمحاكم تشهد في قضايا شركة سوناطراك 1 و2، وعمولات ورشاوى في مشروع الطريق الذي يربط الشرق بالغرب. وتشهد المحاكم في مشاريع صناعية مفلسة، ويشهد رئيس الحكومة المقال، عبد المجيد تبون، أن 700 مليون دولار تبخرت فيها. وكل ذلك جزء يسير من متحف الفساد الذي أنجز في الجزائر.

خلال عقود كان النفط يتبخر في الجزائر، وخلال الـ15 سنة الماضية استوردت الجزائر بأكثر من 500 مليار دولار، الغذاء والدواء والسيارات وكل شيء. الجزائر التي مساحتها 2.2 مليون كيلومتر مربع استوردت هذا الشهر أكثر من نصف مليون طن من القمح من فرنسا التي لا تتجاوز مساحتها مساحة بعض الولايات الجزائرية. استوردت الحليب من هولندا، والخبز الفرنسي وطعام القطط والكلاب، واستوردت الحجارة أيضاً من الصين. لم يبق شيء لم يستورده البلد النفطي الغارق في تناقضات لا حصر لها. خلال أربع عهدات من حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كان النفط يتبخر، برغم أجراس الخطر التي كان يدقها خبراء الاقتصاد والمال، وكل التقارير الرزينة من التقلبات الطارئة. صرفت البلاد أكثر من 600 مليار دولار في برامج طائشة للإنعاش الاقتصادي، أخفق مجملها في تحقيق منجز اقتصادي واحد يقي البلاد شر التقلبات الاقتصادية والمالية. وخلال كل هذه الفترة التي توفر فيها فائض من عائدات النفط بلغت 200 مليار دولار، لم يتم استثمار هذا الفائض، وظلت سرّة الاقتصاد مربوطة بآبار النفط، وفاهه مرتبط بأسواق القمح والحليب. لم تحدث المعجزة الاقتصادية التي وعد بها الجزائريون في العام 1999، لأنه بالأصل لم يكن هناك مشروع اقتصادي واضح. في نهاية المطاف تيقن الجزائريون أن السلطة الحاكمة لم تكن تملك مشروعاً اقتصادياً، ولم تكن تفكر سوى في الحلول السهلة، في ضخ النفط وبيعه لشراء الغذاء والدواء، أو في طبع مزيد من الأوراق النقدية كمهرب من المأزق. وحين تقرر الحكومة الآن طبع مزيد من الأوراق النقدية فهي لا تفتح للجزائريين أبواب النعيم... إنها تفتح أبواب الجحيم.

المساهمون