الجزائر: حركة مجتمع السلم تتجه لرفض المشاركة في الحكومة

12 مايو 2017
أكد مقري أن القرار يتخذه مجلس شورى الحركة (Getty)
+ الخط -
تشهد الساحة الجزائرية حراكاً حول ملف تشكيل الحكومة، مع الكشف عن تلقي قيادة حركة "مجتمع السلم"، التي تمثّل تيار الإخوان في الجزائر، عرضاً من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة للمشاركة في الحكومة المقرر تشكيلها في غضون أسبوعين، مباشرة بعد إعلان المجلس الدستوري عن النتائج النهائية للانتخابات التي جرت في الرابع من الشهر الحالي، وحلّت فيها "مجتمع السلم" ثالثة بـ33 مقعداً.
وفجّر إعلان رئيس "مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري، عن لقاء جمعه قبل يومين مع رئيس الحكومة عبد المالك سلال، بتكليف من قِبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لتقديم عرض لـ"إخوان الجزائر" للمشاركة في الحكومة مع الحزبين الفائزين في الانتخابات البرلمانية، "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، جدلاً كبيراً في الساحة السياسية والإعلامية حول احتمالات مشاركة الإسلاميين في الحكومة، والعودة إلى مسار ما قبل يونيو/حزيران 2012. وقال مقري في تصريح مكتوب: "لقد التقيت بالوزير الأول عبد المالك سلال بعدما تم الاتصال بنا بواسطة شخصية أخرى قبل يومين لأتأكد من صدقية طلب دخولنا الحكومة، فتأكد ذلك منه شخصياً، كما أكد أن هذا هو طلب رئيس الجمهورية، فقلت له من جهتي إن هذا القرار يتخذه مجلس الشورى الوطني الذي سينعقد بعد قرار المجلس الدستوري بشأن الطعون".
وبغض النظر عن أن تصريح مقري يكشف بوضوح قرار بوتفليقة الإبقاء على عبد المالك سلال رئيسا للحكومة، وتكليفه بإجراء مشاورات مع الأحزاب الثلاثة الأولى في الانتخابات الأخيرة، فإن العرض الرئاسي وضع "إخوان" الجزائر في ورطة سياسية ومحنة داخلية إزاء إمكانية العودة إلى خيار المشاركة في الحكومة، وهم الذين كانوا يشاركون في الحكومة منذ عام 1995، قبل أن تقرر الحركة فك ارتباطها بالتحالف الرئاسي الذي كان يجمعها مع حزبي "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، والانسحاب من الحكومة وعدم المشاركة فيها في أعقاب الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو/أيار 2012، بسبب ما اعتبرته الحركة حينها "مهزلة انتخابية وتزويراً فاضحاً للانتخابات".
الورطة السياسية بالنسبة للإسلاميين بشأن المشاركة في الحكومة، تتمثّل في التداخل الحاصل بين العرض الرئاسي الذي يعيد لحركة "مجتمع السلم" ثقلها السياسي، كون عرض بوتفليقة اعترافا وإقرارا بالقوة السياسية للحركة، وبين محاولته في الوقت نفسه دفع الحركة إلى تحمّل جزء من تبعات ونتائج الخيارات الحكومية في السنوات الخمس الأخيرة، والتي أدت إلى حالة إفلاس سياسي وأزمة اقتصادية خانقة نتيجة تراجع مداخيل النفط وتوتر اجتماعي بسبب سياسات التقشف.
لكن مواقف قيادات بارزة في الحركة، تؤكد أن التوجّه الغالب داخل مجلس الشورى المركزي الذي سينعقد نهاية الشهر الحالي، يذهب باتجاه الإبقاء على حالة القطيعة مع السلطة وعدم المشاركة في الحكومة، وهو ما عبّر عنه المتحدث الرسمي باسم حركة "مجتمع السلم" عبد الله بن عجمية، الذي أعلن في حديث لـ"العربي الجديد" أن الحركة لن تشارك في الحكومة. وقال بن عجمية: "لن ندخل الحكومة، لكون هذا الخيار فَصَل فيه المؤتمر الخامس للحركة ولا مجال للتراجع عنه، كما أننا قلنا وفي العديد من المناسبات وعلى مدى أربع سنوات إننا لن نعود للحكومة بالشكل السابق". وأشار إلى أن الحركة التي كانت قد طرحت عشية الانتخابات الأخيرة فكرة تشكيل حكومة توافق وطني في حال تم إنجاز انتخابات نزيهة "كانت على استعداد كبير لأن تضحي لصالح البلد بالمشاركة في الحكومة، إن كان لنا فيها رأي في الرؤية السياسية والتنمية الاقتصادية"، مضيفاً: "لكن النظام السياسي من خلال الانتخابات الأخيرة أظهر عدم رغبته في التغيير وأنه ماضٍ بالبلد إلى المجهول، وعليه لن تكون الحركة شاهد زور أبداً"، في إشارة منه إلى ما يصفه "إخوان" الجزائر بـ"التزوير الفاضح الذي أضرنا وحرمنا من مقاعد كثيرة، ولذلك نحن مستمرون في المقاومة السياسية من خلال موقعنا الطبيعي وهو المعارضة العلمية والراشدة والعاقلة صاحبة الرؤية والحل والبديل".


من جهته، رد القيادي البارز في "مجتمع السلم" ناصر الدين حمدادوش على حالة الجدل السياسي والإعلامي الكبيرة التي خلّفها لقاء مقري وسلال قائلاً: "بعد أن كثر الحديث عن المشاركة في الحكومة المقبلة، يتوجب التوضيح أن الحركة ليست بصدد التهافت على المشاركة"، موضحاً أن "هناك معايير وضعها المؤتمر الخامس للحركة الذي عُقد نهاية عام 2012 لتحديد موقعنا السياسي في الحكومة أو المعارضة، ومنها نتائج الانتخابات ونزاهتها، وقد أثبتت مجريات إشراف السلطة على العملية الانتخابية أنها غير جادّة في احترام الإرادة الشعبية وتوفير شروط التوافق السياسي على المرحلة المقبلة".
وأشار في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن الحركة غير معنية بحسابات السلطة قبيل الانتخابات الرئاسية التي ستجري في ربيع عام 2019، مضيفاً: "الحكومة المقبلة ستكون على خلفية ودوافع الطموحات الرئاسية، وليس على أساس خدمة الشعب وتحقيق التنمية وتجاوز الأزمة والنهوض بالوطن، وأية حكومة ستُشكّل الآن قد لا تعمّر طويلاً، فهي تُطبخ على وقع الرئاسيات المقبلة أو رئاسيات مسبقة".
وفي ما يشبه إعلاناً بعدم المشاركة في الحكومة، قال حمدادوش: "الظاهر أنه لا تزال هناك أزمة ثقةٍ متبادلة بين الحركة والسلطة، حتى يتم الإصرار علينا بالمشاركة فيها، وليس من الحكمة ولا من الواقعية السياسية أن نجرح مشاعر المناضلين والرأي العام الساخط على هذه الانتخابات بالحديث عنها".
وبغض النظر عن الورطة السياسية التي حملها العرض الرئاسي للإسلاميين الغاضبين من نتائج الانتخابات، فإن صراعاً داخلياً بدأ في البروز والتجدد بين تيار الممانعة الذي يقوده الرئيس الحالي للحركة عبد الرزاق مقري، والرئيس السابق أبو جرة سلطاني، والذي شغل مناصب وزارية سابقاً، ويدافع عن خيار التعاون مع السلطة والدخول في الحكومة تحت مبرر خدمة الصالح العام. لكن التيار الأقوى داخل الحركة يتمترس وراء قرارات مؤتمر 2012، الذي أقر بعدم المشاركة في السلطة إلا بتغيير قواعد المشاركة وتحويل الحركة من مجرد شريك في قطاعات وزارية حكومية إلى شريك رئيس في صناعة القرار والخيارات. وهو ما عبّر عنه مقري، قائلاً: "نحن في موقع جيد للقيام بدور المعارضة بكل أريحية لخدمة بلدنا، ونحن القوة المعارضة الأولى في البلد وسنتعامل بكل مسؤولية مع هذه القوة".
وتوقع مراقبون أن يشتد الصراع بين التيارين خلال الفترة المقبلة وداخل مجلس الشورى المركزي بهذا الشأن، ورجّحوا إمكانية لجوء بوتفليقة إلى استدعاء فردي لقيادات من الإسلاميين لإدماجهم في الحكومة، بما يحقق لها حالة فسيفساء سياسية، بالشكل نفسه الذي لجأ إليه عام 2012، بعد إعلان الإسلاميين عدم المشاركة في الحكومة، حين استدعى القيادي في "مجتمع السلم" مصطفى بن بادة وعيّنه وزيرا للتجارة، كما عيّن الخبير المقرب من الحركة بشير مصيطفى وزيراً مكلفاً بالتخطيط والاستشراف لفترة قصيرة.