عاد تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" إلى أسلوب الكمائن ضد قوات الجيش الجزائري، في محاولة منه لاستعادة زمام المبادرة وفك الحصار الذي تضربه قوات الجيش على مجموعات صغيرة تتبعه، وتنتشر خصوصاً في المنطقة الممتدة بين ولايات جيجل وسكيكدة وباتنة شرقي البلاد، والحد من نزيف حاد طاول صفوف التنظيم بسبب موجة استسلام عناصر تنظيم "القاعدة"، التي نجح الجيش في قطع التمويل عنها في الجبال شرقي وجنوبي الجزائر.
وللمرة الأولى منذ مارس/ آذار 2016 ينفذ تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" كميناً ضد قوات الجيش الجزائري، إذ وقعت وحدة من الجيش كانت بصدد العودة من مركز عسكري متقدم في منطقة بيسة الجبلية، في كمين على مشارف مدينة عزابة بولاية سكيكدة شرقي الجزائر. وباغتت المجموعة المسلحة الوحدة العسكرية بإطلاق نار كثيف، ما أدى إلى مقتل ثلاثة عسكريين في مكان الهجوم وإصابة نحو عن 17 آخرين، إصابة بعضهم خطرة.
وفيما لم تعترف قيادة الجيش بالهجوم الإرهابي وبحصيلة الخسائر البشرية في صفوف الجيش، أحكمت السلطات الجزائرية القبضة على وسائل الإعلام، إذ لم تتطرق القنوات والمواقع الإلكترونية إلى حصيلة الخسائر في صفوف الجيش. وأعلنت قيادة الجيش، في مقابل ذلك، قتل أربعة مسلحين من عناصر "القاعدة"، خلال عملية تمشيط مستمرة منذ مساء الإثنين الماضي. وقصفت طوافات كامل المنطقة عقب الكمين الإرهابي، بهدف إحكام السيطرة العسكرية على منطقة الكمين وملاحقة عناصر المجموعة المسلحة ومحاصرتها لمنعها من الخروج من المنطقة وإنهاء وجودها. وتُشير معلومات، حصل عليها "العربي الجديد"، من مصادر أمنية محلية، إلى أن الجيش يحاصر 17 إرهابياً، بينهم زعيم تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، عبد المالك درودكال، الذي اختفى عن المشهد منذ سنتين، وذلك بهدف الإجهاز عليه بعد 11 سنة من ملاحقته في الجبال.
وفسر مراقبون لتطورات الشأن الأمني في الجزائر تنفيذ "القاعدة" كميناً ضد الجيش، للمرة الأولى، بعد أكثر من سنتين من تخفّي مجموعات التنظيم وقياداته، ومنذ آخر كمين إرهابي نفذه "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" ضد الجيش في مارس/ آذار 2016، قتل خلاله 16عسكرياً، بعودة درودكال إلى النشاط الميداني، وإشرافه بنفسه على كمين الإثنين، ونقله لأكثر من 20 من عناصر التنظيم إلى منطقة تنفيذ الكمين ضد الجيش في عزابة بولاية سكيكدة شرقي الجزائر، بهدف تحويل أنظار الجيش إلى المنطقة ودفعه لفك الحصار عن المجموعات الأخرى الموجودة في مناطق البويرة وبومرداس قرب العاصمة الجزائرية، وباتنة وجيجل شرقي الجزائر، التي تكبّدت خسائر كبيرة بسبب الضربات المتلاحقة التي وجهها إليها الجيش، ومحاولة تحقيق عمل استعراضي يستهدف إظهار استمرار قدرة الإرهابيين على رد الضربة للجيش، على غرار الكمائن والهجمات التي كان ينفذها التنظيم قبل 2016 ويقوم بتصوير تفاصيلها وبثها على الصفحات الجهادية. غير أن درودكال قد يكون استدرج نفسه، بحسب المراقبين، إلى فخ عسكري قد يكون الأخير له في مواجهة الجيش، بعد رفضه المستمر إلقاء السلاح.
لكن دوافع التنظيم المسلح للعودة إلى أسلوب الكمائن مجدداً تستهدف أيضاً محاولة استرجاع عناصره للثقة ولزمام المبادرة، بعد فترة ظهر فيها أن عناصر المجموعات المسلحة تواجه فعلياً مصيرها المحتوم وتتجه إلى إلقاء السلاح، بفعل نزيف الاستسلام الذي تزايد منسوبه بشكل غير مسبوق منذ بداية السنة الحالية، بعد قطع الجيش سبل تموين المسلحين وتفكيك شبكات الإسناد، كان آخرها توقيف 30 عنصراً في هذه الشبكات. وكانت حصيلة رسمية، نشرتها وزارة الدفاع الجزائرية، في الثالث من يوليو/ تموز الماضي، قد كشفت أن قوات الجيش تمكنت من إبعاد 117 إرهابياً عن النشاط المسلح، بينهم 78 مسلحاً من التنظيم سلموا أنفسهم للجيش، أغلبهم في مناطق شرقي وجنوبي البلاد، (بينهم 15 مسلحاً في يوليو/ تموز وحده)، استجابة لصفقة عرضتها قيادة الجيش لصالح المسلحين تتضمن إلقاء السلاح مقابل الاستفادة من تدابير العفو التي يتضمنها قانون السلم والمصالحة، فضلاً عن نجاح الجيش في قتل 25 إرهابياً منذ بداية يناير/ كانون الثاني الماضي. ومع تراجع نشاط "القاعدة" والمجموعات الإرهابية في الجزائر، ونزيف استسلام عناصرها، يحاول التنظيم العودة إلى المشهد، لكن الجيش الجزائري الذي أطلق في أكتوبر/ تشرين الأول 2015 عملية اجتثاث الإرهاب، يرغب في إنهاء عام 2018 بأقل كلفة وبأكبر الخسائر في صفوف المجموعات المسلحة وإنهاء وجودها بشكل كامل.