أبلغت الجزائر والأمم المتحدة، مصرَ، رفضهما أيَّ تدخلٍ عسكري بري على نطاق واسع في ليبيا، سواء كان أجنبياً أو بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المستفيد من غطاءٍ جوي مصري منذ يوم الجمعة، إثر مجزرة المنيا المصرية. وخلال تلك الفترة قامت الطائرات المصرية بقصف مواقع في درنة (شرق) وفي الجنوب، تلاها تقدم لقوات حفتر، الذي لوّح بـ"اقتحام وشيك" للعاصمة طرابلس ومدن أخرى. وجاءت تحذيرات الجزائر والأمم المتحدة، بالتزامن مع ورود تقارير استخباراتية عن وجود خطة عسكرية، يجري تنسيقها بين مصر وحفتر وأطراف دولية أخرى، لدعم عملٍ عسكري بري في العاصمة طرابلس ومدنٍ أخرى. وتسارعت الاتصالات السياسية والدبلوماسية على محور الجزائر وتونس والأمم المتحدة ومصر لتطويق الوضع المتفجر في ليبيا، بعد عودة المواجهات العسكرية، وانفجار الوضع في طرابلس.
في هذا السياق، ذكر مصدر دبلوماسي جزائري، لـ"العربي الجديد"، أن "اجتماعاً عُقد مساء الثلاثاء ـ الأربعاء في تونس، بين موفد خاص من وزير الخارجية الجزائري، يرجّح أن يكون سفير الجزائر السابق في ليبيا، والحالي لدى تونس عبد القادر حجار، مع المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر. وذلك لمناقشة التطورات الخطيرة التي تشهدها ليبيا، وإمكانية الحد من تداعياتها الخطيرة على الوضع الأمني والعسكري فيها، خصوصاً بعد القصف المصري".
وإذا كانت الجزائر قد غضّت النظر عن الضربات الجوية المصرية في ليبيا، على اعتبار أنها "استهدفت نقاطاً محددة لتجمّع مجموعات مسلحة"، فإن المصدر أكد أن "بلاده أبلغت كوبلر اعتراضها ومخاوفها الجدية على تقارير غير معلنة، تتحدث عن وجود خطة عسكرية تتعلق بتدخل عسكري بري في ليبيا". وأضاف أن "هذا العمل من شأنه أن ينسف بشكل كامل الجهود التي تقوم بها الجزائر والأمم المتحدة لتطويق الأزمة الليبية، ودفع مختلف الأطراف إلى الجلوس لطاولة المباحثات".
ورأى المصدر أن "محاولة تطوير الموقف المصري المدعوم من دول أخرى، باتجاه تدخل عسكري مباشر في ليبيا، يمكن اعتباره موجّهاً ضد المجهود الجزائري، ويتناقض كلياً مع التوافقات السياسية التي انتهى إليها اجتماع دول الجوار الليبي، الذي عُقد في الجزائر الشهر الماضي بمشاركة الجزائر وتونس ومصر وتشاد والنيجر والسودان. وانتهى الاجتماع إلى التأكيد على "الحلّ السياسي في ليبيا، ورفض أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي والحل العسكري للأزمة، وحثّ الهيئات الليبية المخوّلة إلى مباشرة حوار لإدخال التعديلات المقررة على الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات المغربية (ديسمبر/كانون الأول 2015)".
وكشفت مصادر مطلّعة لـ"العربي الجديد" عن أنه "حصلت اتصالات بين الحكومة الجزائرية وقيادات ليبية عدة، لتقدير موقفها إزاء التطورات الحاصلة في الداخل الليبي، قبل اجتماع مرتقب يوم الإثنين المقبل، بهدف تهدئة الوضع في العاصمة طرابلس وضبط النفس، والتفكير في محددات تصور إقليمي لإعادة بعث مسار الحوار الليبي ـ الليبي".
ومن المفترض أن يجمع لقاء 5 يونيو/حزيران الحالي، حسبما أعلن عنه يوم الأحد الماضي المتحدث باسم وزارة الخارجية الجزائرية عبد العزيز بن علي الشريف، وزراء خارجية الجزائر عبد القادر مساهل، ومصر سامح شكري، وتونس خميس الجيهناوي، بهدف "إعداد تقييم للوضع في ليبيا على ضوء التطورات الأخيرة على الصعيدين السياسي والأمني".
وأوضح بن علي الشريف أن "الوزراء الثلاثة سيعدّون تقييماً للجهود التي يبذلها الليبيون أنفسهم ودول الجوار وأعضاء المجتمع الدولي الآخرون، وكذلك الجهود المبذولة في إطار هذا التشاور الثلاثي الرامي إلى مرافقة الأطراف الليبية على درب التسوية النهائية للأزمة".
اعتراضات الجزائر على التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، بدأت منذ عام 2011، بسبب خشيتها من أن يؤدي هذا التدخل إلى مزيد من التوتر الأمني في المنطقة، بما يستهدف أمنها على الحدود. وفي هذا السياق، أصدرت قيادة أركان الجيش الجزائري تعليمات إلى القيادات العسكرية الميدانية في منطقة اليزي والدبداب، والمناطق الحدودية الجزائرية المتاخمة للحدود الليبية. وذلك لرفع مستوى الحذر واليقظة، بغية مواجهة أية تطورات ذات صلة بتفجر الوضع في عدد من المدن الليبية خلال الأيام الأخيرة. كما أعلنت القيادة العسكرية الجزائرية دعم القوات المرابطة على الحدود بأكثر من 35 ألف عسكري، فضلاً عن نشر تجهيزات عسكرية ثقيلة.