مجددا، طرقت الجزائر أبواب الصيرفة الإسلامية، بإطلاق تمويلات إسلامية لأول مرة من طرف بنوك مملوكة للدولة، في إطار خطط حكومية لاستقطاب النقد المتداول في السوق الموازية.
ومطلع أغسطس/ آب الجاري أطلق البنك الوطني الجزائري (حكومي)، ثمانية منتجات للصيرفة الإسلامية لأول مرة من طرف مصرف مملوك للدولة، بعد تلقيه فتوى من أعلى هيئة مخولة في البلاد (المجلس الإسلامي الأعلى).
وحسب وزير المالية الجزائري أيمن بن عبد الرحمن، فإن بنوكا حكومية أخرى ستطلق منتجات للصيرفة الإسلامية فور حصولها على الفتوى الشرعية، بمدى مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية.
ترى الحكومة الجزائرية، أن تبني الصيرفة الإسلامية، سيمكن من استقطاب جزء هام من الأموال المتداولة في السوق الموازية وتمويل الاقتصاد، بعيدا عن القنوات الرسمية.
وتقدر قيمة السوق الموازية في الجزائر بأكثر من 40 مليار دولار، وفق بيانات رسمية، فيما يرى مراقبون الرقم يتجاوز 60 مليار دولار. وفشلت مساع حكومية منذ 2014، في تسويق منتجات الصيرفة الإسلامية، وبقيت محصورة في تعاملات محدودة.
في مارس/ آذار الماضي، رخص البنك المركزي الجزائري، بقيام البنوك العاملة في السوق المحلية، بالتسويق لثمانية منتجات مصرفية إسلامية جديدة، باعتبارها إحدى أدوات مواجهة تداعيات الصدمة النفطية.
ويتعلق الأمر بتسويق 8 منتجات مصرفية إسلامية هي: المرابحة، والمضاربة، والمشاركة، والإجارة، والسلم، والاستصناع، وحسابات الودائع، وودائع الاستثمار.
وتهدف صيغ التمويل الإسلامية (دون فوائد ربوية)، إلى المساهمة في تعبئة الادخار وخصوصا ضخ النقد المتداول خارج البنوك (السوق الموازية) ليصبح داخل السوق الرسمية.
واقتصرت الصيرفة الإسلامية في البنوك المعتمدة على الأجنبية منها، (خليجية) بالدرجة الأولى، على غرار فرع الجزائر لمجموعة "البركة" البحرينية، وفرع "بنك الخليج الجزائر" كويتي، وبنك السلام الإماراتي.
وتمثلت خدمات الصيرفة الإسلامية السابقة في تمويلات لشراء عقارات (أراض وعقارات) وسيارات ومواد استهلاكية (أثاث وتجهيزات)، فضلا عن تمويل مشاريع استثمارية صغيرة بمبالغ محدودة.
وتوجد في البلاد 30 مؤسسة بنكية، منها 7 عامة (حكومية)، وأكثر من 20 بنكا أجنبيا من دول الخليج على وجه الخصوص، وأخرى فرنسية، وواحد بريطاني وآخر إسباني.
في السياق، يرى الخبير وأستاذ الاقتصاد بجامعة عبد الرحمن ابن خلدون الحكومية بولاية تيارت (غرب)، عبد الرحمن عية، أن النسبة الأكبر من السيولة خارج النظام المصرفي، لأسباب غير دينية.
وحسب عبد الرحمن عية، فإن سبب بقاء السيولة النقدية خارج البنوك يعود بالأساس لعدم استعمال الصكوك (الشيكات) كوسيلة دفع آنية بين البنوك، وليس لأسباب دينية تتعلق بالفوائد الربوية.
وأشار المتحدث إلى أن النظام البنكي في الجزائر يجعل العملاء ينتظرون لثلاثة أيام لسحب أموالهم بواسطة الشيك (الصك)، ما يدفعهم لتفضيل الادخار المنزلي بدل المصارف.
وعلق بالقول: "هذا الأمر يدفع لانتعاش التعاملات غير الرسمية بمبالغ كبيرة وتتوسع الحركية الاقتصادية بعيدا عن الأطر البنكية".
ومن الأسباب غير الدينية لبقاء السيولة خارج البنوك، حسب عية، "نجد تأخر أنظمة الدفع ببطاقات الائتمان والدفع الإلكتروني عبر الإنترنت وباستعمال الهاتف الجوال".
وقال: "كلها أسباب تجعل من السيولة الوسيلة الوحيدة لتسوية التعاملات، وهو ما يجعلها خارج البنوك ونشهد شحا ونقصا واكتظاظا أمام البنوك خاصة في المناسبات".
ويعتقد عية أن إشكالية التعاملات الإسلامية في البنوك، قد لا تكون مطروحة لأنه يمكن لشخص أن يودع أمواله في البنوك في حساب جار (لا تقابله فائدة) بدل حساب للادخار تترتب عنه فوائد ربوية.
وأضاف: "إذن الإشكال الشرعي هو في حساب الادخار مقابل فائدة ربوية، وليس الحسابات الجارية التي لا تترتب عنها فوائد".
بخصوص منتجات الصيرفة الإسلامية التي عرضها البنك الوطني الجزائري الحكومي، أوضح عبد الرحمن عية أنها في الغالب ليست قروضا استثمارية ولكنها عمليات تمويل لشراء عقارات وسيارات.
"في هذه الحالة، لا جدوى اقتصادية للصيرفة الإسلامية دون إغفال مسألة هل يقتنع المتعاملون (الزبائن) بأنها مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية".
من جهته، أكد الخبير والمحلل الاقتصادي الجزائري محفوظ كاوبي، أن إطلاق الصيرفة الإسلامية في بنوك حكومية، هي محاولة لتحسين استقطاب الأموال والودائع اعتقادا أن العامل الديني هو أحد الحواجز التي تجعل من نسبة الودائع ضعيفة في الجزائر.
وأفاد "كاوبي" بأن الأسباب الدينية ليست وحدها التي جعلت نسبة الودائع في البنوك ضعيفة، "لأن المشكل أكبر من ذلك بكثير".
وشرح أن المشكلة يمكن تلخيصها في ازدواجية الأسعار ووجود سوق موازية به نسبة ربحية أعلى مما هو متداول في البنوك، سواء التجارية او التي تقدم منتجات إسلامية.
وتابع "انتشار البنوك الجزائرية متأخر بـ 50 بالمئة عما هو مطبق على الأقل في المنطقة المغاربية".
وأردف "تسيير البنوك ما زال يتم على أسس بيروقراطية إدارية ثقيلة بعيدة عن مقتضيات المردودية والنجاعة التجارية والاقتصادية".
وخلص إلى أن "الصيرفة الإسلامية ستحسن من المعروض من المنتجات، وتوفر حلولا مالية للمواطنين الذين لهم حواجز عقائدية لكن ذلك لن يحل بصفة كافية مشكلة ضعف الودائع".
(الأناضول)