الجزائر تستنجد بالضرائب لدعم ميزانيتها

22 يوليو 2016
التوسع في الضرائب يهدد بزيادة الأسعار (Getty)
+ الخط -
قررت الحكومة الجزائرية سلّ سيف "التحصيل الضريبي" في وجه المستثمرين والتجار، لمواجهة تراجع عائدات الخزينة العمومية، بفعل انهيار أسعار النفط في البورصات العالمية، ما ترتب عنه سقوط حر لعائدات الجباية النفطية التي تفرضها الحكومة الجزائرية على عمليات تصدير الذهب الأسود.
ومن المنتظر أن يحمل قانون المالية لسنة 2017 (الموازنة العامة) تدابير جديدة لتحسين التحصيل الضريبي، من خلال وضع جدول زمني جديد لسداد المتأخرات الضريبية ومسح عقوبة التأخر في التسديد، حسب ما كشف عنه مؤخرا وزير المالية، بابا عمي حاجي.
وتأتي تحركات الحكومة الجزائرية كخطوة لإعادة الاعتبار لعملية التحصيل الضريبي التي لا تزيد عن 13% سنوياً من إجمالي المستحقات الضريبية، حسب الأرقام الرسمية الصادرة عن مصالح الضرائب في الجزائر.
وكانت الجزائر قد حققت سنة 2015 أعلى نسبة تحصيل ضريبي لها منذ الاستقلال (54 سنة)، حيث نجحت إدارة الضرائب في تحقيق قفزة في معدل التحصيل بلغت 20% مقارنة مع سنة 2014، بقيمة 3050 مليار دينار (27.72 مليار دولار)، ما جعل الضرائب العادية تتغلب على الضرائب النفطية، التي ظلت لعقود طويلة تهيمن على موارد الميزانية العامة للبلاد.
ويرى مراقبون أن هذه الأرقام تعد بمثابة الشجرة التي يُراد بها إخفاء غابة "التهرب الضريبي" الذي عجزت وزارة المالية من خلال مصالحها عن كبح تفشيه. ففي سنة 2011 على سبيل المثال، بلغت قيمة الضرائب غير المحصلة 8 آلاف مليار دينار، أي ما يعادل 100 مليار دولار، بقيمة الصرف الرسمي آنذاك، حسب تقرير رسمي صادر عن مجلس المحاسبة.
كما أظهرت دراسة قامت بها مصالح الضرائب الجزائرية السنة الماضية، أن ثلث المحافظات الجزائرية، المُقدر عددها بـ48، هو من يحصل ضرائب فوق 70%، فيما تبقى المحافظات الأخرى عاجزة عن توسيع حجم الوعاء الضريبي المحصل، حيث سجلت محافظة الجزائر العاصمة عجزا في تحصيل الضرائب بلغ 60%، و90% في محافظة وهران، في غرب البلاد.

ويرجع المستشار في الشؤون الاقتصادية إبراهيم نواورية، عجز الحكومة عن رفع المعدل السنوي للتحصيل الضريبي إلى عدة عوامل، منها "ما يتعلق بالجانب البشري ونقص التأهيل، وغياب المعلومات الاقتصادية والمالية المتعلقة بالمتعاملين الاقتصاديين".
ويضيف نفس المتحدث لـ"العربي الجديد": "من النادر أن تجد بلدية في الجزائر قادرة على معرفة وتدقيق عدد المؤسسات الناشطة داخل الدولة، فسجلات الضرائب ليست مؤرّخة".
وعليه، وفي ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها الجزائر، يرى المستشار في الشؤون الاقتصادية، أنه حان الوقت لإحداث إصلاحات ضريبية جذرية في البلاد، "إذ لا يعقل أن تُحصل 99% من العائدات الضريبية من 12 محافظة فقط، من أصل 48 محافظة، وبالتالي نحن الآن أمام ظلم اجتماعي، لأن التحصيل الضريبي لا يمس إلا رواتب العمال المُصرح بهم من خلال اقتطاع الضريبة عن الدخل العام، وأمام إخلال بنظام تكافئ الفرص أمام المتعاملين الاقتصاديين".
ومن جانبه يقول الخبير الاقتصادي والقاضي السابق في مجلس المحاسبة الجزائري، عبد الرحمان مبتول: "إن الخزينة العمومية تخسر مليارات الدولارات سنويا من جراء التهرب الضريبي الذي أَضحى معضلة ترجع أسبابه إلى نقص الوضوح في التسيير، وغياب آليات الرقابة، كون أغلب الميسرين في الشركات ليسوا على مستوى عالٍ في المحاسبة، وتوظيفهم تم عن طريق الواسطة". وأكد مبتول لـ"العربي الجديد" التي سألته حول هامش التحرك الذي تملكه الحكومة الجزائرية، بالقول "الحكومة مجبرة وليست مخيرة على فرض منطقها لإصلاح الوضع الذي لا يتطلب خطابات جوفاء ولغة الخشب".


كما يضيف عبد الرحمان مبتول، أن قرار "إشهار سيف التحصيل الضريبي لا يكون بقرار سياسي بقدر ما يكون بقرارات تقنية وإدارية، وحتى عقابية ردعية".
إلا أن الحكومة الجزائرية، وفي سعيها لتوسيع الوعاء الضريبي وتشديد إجراءات التحصيل الضريبي من أجل إنعاش موارد الخزينة العمومية، تجد نفسها أمام المعادلة الصعبة، وهي التي تضعها بين مطرقة تنويع مداخيل الخزينة العمومية من خلال جمع أموال الضرائب والجباية وسندان إحداث بعض الليونة تشجيعا للاستثمار، فكثير من الضرائب تقتل الاستثمار الذي يولد الضرائب، حسب القاعدة المعروفة.
وفي السياق، يرى مدير مكتب الدراسات المالية "ترايدينغ وورد"، كمال صابي، "أن الحكومة مجبرة اليوم على دمج الاقتصادي الموازي الذي يعادل حجم الاقتصاد الرسمي، بدل التوجه نحو إرهاق المؤسسات بتوسيع الوعاء الضريبي وتشديد التحصيل الضريبي الذي سيؤدي إلى انكماش نسبة النمو في البلاد".

من جانبها، تؤكد النائبة البرلمانية فوزية سحنون، أن الحكومة الجزائرية مجبرة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد، على تشجيع الاستثمار من خلال تطبيق القوانين بحذافيرها، حتى تكون هناك عدالة اقتصادية، "إذ لا يُعقل أن نشجع الاستثمار من خلال التضييق المالي على بعض المؤسسات ونترك مؤسسات أخرى بدون مسؤولية ضريبية".
وأمام هذه الصورة الغامضة للمنظومة الجبائية والضريبية في الجزائر، تعالت الكثير من الأصوات المطالبة بضرورة طي صفحة التهرب الضريبي وفتح صفحة جديدة تكون بمثابة انطلاقة جديدة تُنتج تحصيلا ضريبيا مبنيا على أساس الشفافية في التعامل.
وفي هذا الشأن، يدعو الخبير الاقتصادي لمين مزرب، إلى ضرورة "إعطاء المستثمرين والتجار فرصة جبائية وضريبية". ويضيف نفس المتحدث لـ"العربي الجديد"، أنه يجب على الحكومة الحالية، وحتى الحكومات القادمة، أن تتبنى "فكرة الجنات الضريبية، وأن تتبنى فكرة العفو الجبائي، وكذا فكرة المنظومة الجبائية البسيطة عوض المنظومة المعقدة الحالية، مع خلق منطقة التبادل الحر داخل البلاد".
وتابع مزراب قائلا: "يجب أن نقول لأنفسنا نحن أخطأنا ولا يجب أن نواصل هكذا، لا يعقل أن نفرض ضريبة على الأرباح تٌقدر بـ24% هي الأعلى بين الدول في المنطقة وتُنفر المستثمر من دفع الضرائب وتجبره على الالتفاف على القانون، كما تُنفر الأجنبي من دخول الجزائر".
ويُجمع المتابعون للشأن الجزائري أن الحكومة الجزائرية صارت في الوقت بدل الضائع من أجل خلق الحل السحري الذي يخرج البلاد من عنق الزجاجة، بعد تراجع مداخيل البلاد من بيع النفط والتي تُشكل 96% من عائدات البلاد بحوالى 70%، ما أدى إلى تآكل احتياطي البلاد من العملة الصعبة إلى 139 مليارا، بعد أن كان عند 145 مليار دولار نهاية سنة 2015، فيما تتوقع الحكومة الجزائرية أن يستقر الاحتياطي عند 100 مليار دولار نهاية 2016.

المساهمون