وانطلقت قوافل مكاتب الاقتراع المتنقلة، وعددها 35 مكتباً، إلى مناطق تمركز السكان البدو الرحل في مختلف البلديات في العمق الجزائري، تحت إشراف أعضاء في الهيئة المستقلة للانتخابات وبحضور ممثلي المترشحين الخمسة، ووسط مرافقة وتعزيزات أمنية مشددة.
ويلزم القانون الانتخابي في الجزائر السلطات بالسماح للسكان البدو الرحل ببدء التصويت خلال 72 ساعة قبل موعد الاقتراع العام، بسبب المناطق المتباعدة للسكان البدو الرحل، والذين تنتقل إليهم مكاتب التصويت، لتعذر انتقالهم هم إليها، خاصة في منطقة الصحراء والعمق الجنوبي.
وتحرص السلطات الجزائرية منذ عقود، ولو رمزياً، على أن تشمل كل عمليات التصويت في أية انتخابات بلدية ونيابية ورئاسية، البدو الرحل الذين يفضلون العيش بالتنقل بحثاً عن الماء والكلأ لمواشيهم، حتى وإن كانت أعدادهم تتناقص بشكل كبير مقارنة مع السنوات الماضية.
ونقلت الإذاعة الرسمية عن مقدم الطريقة الكنتية (طريقة صوفية)، سيد أعمر الشيخ الكنتي، دعواته لسكان الجنوب وقرب الحدود الجزائرية والبدو الرحل للمشاركة في العملية الانتخابية، مؤكداً أنّ "عدداً من السكان البدو الرحل الذين يقيمون على الطرف الثاني من الحدود مع مالي والنيجر عادوا للجزائر قادمين من دول الجوار لأداء واجبهم الانتخابي".
ولا تعلن السلطات في الجزائر عن أعداد الناخبين من البدو الرحل، ولا إجمالي عددهم، لكن تقريراً سابقاً كان قد كشف أن مجموعهم يقارب 600 ألف جزائري يجوبون العديد من المناطق، لأجل الماء والكلأ وتربية المواشي، وينتقلون أيضاً إلى الطرف الثاني من الحدود مع كل من تونس ومالي والنيجر والتشاد وموريتانيا حسب الظروف المناخية واحتياجاتهم، ويعيشون في ظروف صعبة، ويعاني أطفالهم من التسرب المدرسي.
في الأثناء، يستمر تصويت الجالية الجزائرية في الخارج، والذي بدأ منذ السبت الماضي، وسط توتر مستمر قرب مقار القنصليات الجزائرية ومكاتب التصويت التي خصصت للجالية، بين مجموعات من الناشطين والجالية الرافضة للانتخابات، وبين الراغبين في التصويت، بلغت حد المشادات الكلامية والعراك الجسدي.
وأعلنت الهيئة العليا للانتخابات أن نسب المشاركة الأولية للجالية تبدو مقبولة. وقال المتحدث باسم الهيئة علي ذراع، في مؤتمر صحافي، أمس الأحد، إن "نسبة المشاركة مقبولة حتى الآن، وتستمر حتى الخميس برغم بعض الضغوط وأعمال العنف التي عرفتها بعض المكاتب"، مشيراً إلى أن هذه النسب "في ارتفاع من حين لآخر".
من جهة ثانية، لفت ذراع إلى أن "سلطات البلدان المعنية التي فتحت فيها مكاتب انتخابية للجالية عمدت إلى تعزيز الأمن حول مكاتب الاقتراع للمحافظة على سلامة وأمن المواطنين على ترابها"، على خلفية المشاكل المحتملة بين الرافضين للانتخابات والداعمين لها.
وتضم قائمة الجزائريين المقيمين في الخارج والمسجلين في لائحة الناخبين 941 ألف ناخب موزعين على 60 مركزاً و395 مكتبا للتصويت، وخصصت لهم 114 عضواً في اللجان الانتخابية للدوائر الانتخابية.
الجبهة الإسلامية تحذّر
إلى ذلك، دعت قيادات من "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، المحظورة في الجزائر، الناخبين إلى دعم أحد المرشحين الملتزم بما وصفته بـ"المرجعية الوطنية النوفمبرية"، في انتخابات الرئاسة، محذرةً من التصويت لصالح المرشح الرئاسي وزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي، بسبب تحالفه مع ما تصفه قيادة الجبهة "بأزلام العصابة".
وأصدر عضو القيادة التاريخية لـ"جبهة الإنقاذ"، الشيخ علي جدي، بياناً دعا فيه "الوطنيّين الأحرار لتحويل كلّ الوعاء الانتخابي لصالح المرشّح الملتزم صراحة بالمرجعيّة النوفمبريّة والأبعد عن تأثير العصابة وابتزازها والأقرب إلى الأوساط الشعبية الأصيلة وابن الجزائر العميقة المحافظة".
ورفض تسمية أي من المرشحين الذي يقصد دعمه، برغم أنه ألمح إلى أحد المرشحين، لكنه حرص على التحذير من أن تستغل تيارات سياسية موالية للنظام السابق تشتت أصوات التيار الوطني لصالح مرشحها ميهوبي.
واعتبر الشيخ جدي، الذي كان قد شارك في عدد من اجتماعات قوى المعارضة، أخيراً، أن "أزلام النظام السابق، وبعد فشلهم في وقف المسار الانتخابي، يتجمعون الآن حول المرشح ميهوبي".
وأضاف أن "الشعب هو وحده الذي سيختار رئيسه في انتخابات حرّة ديمقراطيّة نزيهة، وبعد أن ظهرت بوادر على أنّ رهان بقايا العصابة لم يعد على خيار وقف المسار الانتخابي، بقدر ما أصبح على انتهاز فرصة تفرّق الوعاء الانتخابيّ لأنصار المشروع الوطني، لمباغتتهم بتحويل كلّ الوعاء الانتخابيّ الذي تتحكّم فيه العصابة وأسيادها لصالح مرشّحهم ميهوبي الذي أجمعوا كيدهم على جعله يفوز بكرسيّ الرئاسة من الدور الأوّل".
وأبد القيادي السابق في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" تحولاً لافتاً في الموقف من الجيش والمؤسسة العسكرية التي كانت قيادة الإنقاذ تحملها مسؤولية الانقلاب في يناير/كانون الثاني 1992، ووقف المسار الانتخابي وإدخال البلاد في دوامة العنف؛ مؤكداً أن "إرادة الشعب التقت بقوّة الجيش واستعادت اللحمة بينهما، ما منح قيادة الجيش الشرعية لإقالة بيضاء للرئيس المخزي وحررت إرادتها وأطلقت يدها في القبض على رؤوس عصابة الفساد والعمالة المستحوذة على الدولة والمجتمع والثروة، بعد أن أفشلت محاولتها أخذ السلطة بالتآمر على الدولة والجيش".
وعلى الرغم من موقف علي جدي المؤيد للمسار الانتخابي، فإن الرجل الثاني في القيادة التاريخية لـ"جبهة الإنقاذ"، المحظورة من النشاط السياسي منذ مارس/آذار 1992، علي بلحاج، ما زال مصراً على موقفه الرافض للانتخابات والداعم لموقف الحراك الشعبي الرافض لها أيضاً.