أعلن الشارع الجزائري قراره برفض منح أي وقت إضافي للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ورموز نظامه في السلطة، مع خروج مئات الآلاف إلى الشوارع في رابع جمعة من الحراك الشعبي المستمر في الجزائر منذ 22 فبراير/ شباط الماضي، مسقطين مناورة النظام الذي سعى لإسكات الشارع عبر إعلان تأجيل الانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة جديدة برئاسة نور الدين بدوي والدعوة لحوار مع المعارضة. تزامن ذلك مع تلقي النظام ضربات جديدة، بانضمام عمال حقول النفط والغاز للحراك الشعبي، فيما فشلت محاولاته لدفع شخصيات إلى الواجهة لتتولى حلحلة الأزمة والحوار مع الحراك والمعارضة، في وقت تستعد فيه المعارضة لعقد اجتماع حاسم، الإثنين، يُنتظر أن تعلن فيه عن خطة انتقالية محددة موازية للخطة التي طرحها بوتفليقة.
واستهدف الحراك، الجمعة، ثلاثة وجوه سياسية دفع بها النظام إلى الواجهة لتتولى حلحلة الأزمة والحوار مع الحراك الشعبي والاتصال بالمعارضة والشخصيات المستقلة، وهي المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي، ووزير الخارجية رمطان لعمامرة، ورئيس الحكومة المكلف نور الدين بدوي. ورفع المتظاهرون صوراً للإبراهيمي عليها شعارات رافضة لقيامه بأي دور سياسي، وكُتبت على لافتة تحمل صورته "لا يمكن بناء سفينة جديدة بجسم قديم".
وسعت السلطات الجزائرية إلى تسويق شخصية الإبراهيمي، وكان الأخير على غير العادة ضيفاً على ثلاث قنوات تلفزيونية محلية، وأجرى اتصالات لإقناع عدد من كوادر الحراك بالحوار معه، لكن كوادر وناشطين في الحراك الشعبي رفضوا لقاء الإبراهيمي لغياب أي صفة سياسية ورسمية للحوار معه. وقال الناشط سمير بلعربي، لـ"العربي الجديد"، إنه "يتعين أولاً أن يكشف الإبراهيمي عن هويته الرسمية، وماهية المهمة التي كلف بها، وما هي الضمانات والسلطات والصلاحيات التي يتمتع بها، لكي نعرف كناشطين مع من نتكلم وتحت أي سقف"، مضيفاً "تقديرنا للموقف أن الحوار يجب أن يتم في وضوح ومع وجوه جادة. لسنا في حالة أزمة دولية كي يأتي الإبراهيمي ليحل المشكل". وتابع: "أعتقد أنه يتعين على بوتفليقة أن يفهم أنه غير مسموح له أن يقرر مصيرنا ومصير الجيل المقبل، نحن قادرون على صناعة مستقبلنا بأنفسنا ولسنا بحاجة إلى وصاية من أحد".
ورفض كوادر الحراك وقادة أحزاب المعارضة دعوة الحوار التي وجهها، الأربعاء، نائب رئيس الحكومة، وزير الشؤون الخارجية، رمطان لعمامرة، بل إن الحراك طالب بإقالة فورية لرئيس الحكومة المكلف نور الدين بدوي، ورفض التعامل معه. واعتبر المتظاهرون تولي بدوي رئاسة الحكومة محاولة من النظام للالتفاف على المطالب الشعبية بتغيير النظام، واستبق ناشطو الحراك والمعارضة إعلان بدوي عن حكومته خلال اليومين المقبلين، بإعلان رفضه. وقالت مصادر مسؤولة لـ"العربي الجديد"، إن هناك توقعات بإعلان بدوي اعتذاره عن تشكيل الحكومة، بسبب المواقف الرافضة لتوليه المنصب، وحدة الانتقادات التي وجهت إليه في أعقاب المؤتمر الصحافي الذي عقده الخميس الماضي، وأخفق في إقناع الرأي العام والمعارضة بأي أفكار وتصورات لحل الأزمة. وفي السياق، نقلت وكالة "رويترز" عن وزير سابق على صلة بالمقربين من بوتفليقة، لم تسمه، أن الرئيس قد لا يصمد نظراً لتزايد الضغوط عليه من كافة الطبقات الاجتماعية في الجزائر. وقال الوزير إن اللعبة انتهت وإن بوتفليقة لا يملك خياراً سوى التنحي الآن.
وطالب القيادي في الحراك الشعبي عبد الوكيل بلام، بتشكيل حكومة سياسية توافقية، لكون البلد في أزمة سياسية "تستدعي تشكيل حكومة تتولى حل الأزمة السياسية، وليس ترقية موظفين إداريين إلى وزراء"، مضيفاً أن "الحراك الشعبي يرفض مطلقاً أن يكون بدوي رئيساً للحكومة، ومن المهم ألا يعلن عن تشكيل الحكومة، فله إرث سياسي مقيت كوزير للداخلية في تزوير الانتخابات وقمع التظاهرات والاعتداء على الأطباء والطلبة والمعلمين والصحافيين ومصابي الجيش، ويجب أن تتولى شخصية توافقية الحكومة". واعتبر أن "السلطة ليس لها أي تصور حول ندوة الوفاق الوطني التي طرحتها"، متسائلاً "كيف يمكن أن تطرح السلطة فكرة من دون أن تملك أي تصور عن كيفية عقدها والمشاركين فيها؟ هذا يؤكد أن هناك حالة من الارتباك لدى السلطة". وفي هذا السياق، تُطرح في الأوساط المعارضة والحراك الشعبي بعض الأسماء التي تحظى بالتوافق المشترك، والتي يمكن أن تتولى حكومة توافقية تدير وتشرف على مرحلة انتقالية، بينها رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، ووزير الاتصال الأسبق عبد العزيز رحابي.
وفي ضربة جديدة للسلطة الحاكمة في الجزائر، بعد تلك التي تلقتها من قبل القضاة، دخل عمال حقول النفط والغاز على خط الحراك الشعبي، وأعلنوا التوقف عن العمل حتى تحقيق عدد من المطالب. وأعلن عمال حقل ضخ الغاز في منطقة حاسي الرمل، جنوبي الجزائر، وعدد من حقول النفط في منطقة حاسي مسعود، الإضراب وعدم الالتحاق بأعمالهم، في سياق موقف يدعم مطالب الحراك الشعبي. ويعد هذا الموقف تحولاً مركزياً في الحراك بسبب حساسية قطاع المحروقات في الجزائر، واعتماد مكونات الدولة على عائدات النفط، لتصبح السلطة محرجة تجاه التزاماتها الدولية، في ظل غياب أي عائدات فعلية من الخدمات.