ووجّه نادي القضاة الأحرار ضربةً قاصمة لبن صالح بعد إعلانه رفض القضاة الإشراف على الانتخابات، ومقاطعتهم الكاملة لمسار الانتخابات الرئاسية. وأصدر النادي بياناً جاء فيه أنه "على الرغم من رفض الحراك الشعبي لاستمرار بن صالح في السلطة، باعتباره واحداً من وجوه النظام السياسي القديم، إلا أنه أعلن عن تنظيم انتخابات رئاسية"، معلناً رفض القضاة الإشراف على مراقبة الانتخابات الرئاسية.
وينصّ قانون الانتخابات في الجزائر على تعيين قاضٍ على رأس كل لجنة محلية وولائية لمراقبة الانتخابات. وقالت القاضية السابقة، زبيدة عسول، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، خلال تجمع نظّمه القضاة والمحامون أمام مقر وزارة العدل في العاصمة الجزائرية، أمس، إنه "من غير المقبول أخلاقياً وسياسياً الذهاب إلى مسار انتخابي في ظلّ الظروف الحالية". وأبدت اعتقادها بأنه "من التعقّل ألا نذهب إلى المسار الانتخابي، بل الذهاب إلى مسار انتقالي مثلما يطالب الشعب. من غير المقبول حصول تغيير جذري وحقيقي بنفس الإدارة والمنظومة والوجوه التي زوّرت الانتخابات سابقاً".
وأعلنت قوى سياسية عدة رفضها التعامل مع بن صالح وحكومة نور الدين بدوي. وقال رئيس حزب طلائع الحريات، علي بن فليس، في حديثٍ صحافي، إنه "من الواضح أنه لم يتم العمل قط بالمادتين السابعة والثامنة من الدستور، اللتين تنصّان على السيادة الشعبية وسلطة الشعب. وانحصر الأمر فقط في المادة 102 كحل وحيد وحصري لمعضلة شغور المؤسسة الرئاسية". وأبدى اعتقاده بأن "هذا الأمر ليس كافياً، وليس ممكناً أن نقبل بمحاولة فرض واقع سياسي يؤدي إلى رئاسة بن صالح للدولة وبدوي لرئاسة الحكومة، على الرغم من الرفض الشعبي والسياسي".
بدورها، اعتبرت حركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد، أنها "غير معنية بأية خيارات سياسية، وبسياسة الأمر الواقع والقرارات الأحادية والفوقية، التي أصبحت لا تجدي نفعاً، والتي أوصلت البلد إلى حالة الإفلاس الذي نهض الشعب لإنهائه". وأكّدت الحركة، في بيان أمس السبت، انحيازها إلى "المطالب الشعبية التي وصلت إلى حدّ الإجماع الوطني، وإلى الرفض الشعبي الشامل للإجراءات الفوقية على الجزائريين، وتجاوز المادتين السابعة والثامنة من الدستور، من خلال المسيرات الأضخم منذ يوم 22 فبراير/ شباط الماضي".
من جهته، أعلن الأمين العام لحركة النهضة، يزيد بن عائشة، رفض الحركة التعامل مع بن صالح، داعياً في لقاء مع كوادر الحركة إلى "اختيار شخصية وطنية لتسيير المرحلة المقبلة وإجراء حوار مع ممثلي الحراك الشعبي والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، لتحديد روزنامة هذه المرحلة، فضلاً عن تشكيل حكومة كفاءات تتولّى تسيير شؤون الدولة وإنشاء لجنة وطنية مستقلة للتنظيم والإشراف على الانتخابات الرئاسية، إلى جانب تعديل قانون الانتخابات على أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية في غضون ستة أشهر".
كذلك اعتبر رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي، نور الدين بحبوح، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هناك إجماعاً من قبل القوى السياسية المعارضة على رفض التعامل مع حكومة بدوي وبن صالح، لأنهما جزء من النظام الذي قاد البلاد إلى الكارثة، ولا يمكن أن يكونا جزءاً من المرحلة المقبلة".
ويعيش بن صالح عزلة سياسية، بفعل رفض القضاة والمحامين والأحزاب السياسية والنقابات المستقلة التعامل معه أو الاستجابة لدعوته بإجراء مشاورات سياسية حول إنشاء هيئة مستقلة عليا لتنظيم الانتخابات، تشرف على الانتخابات الرئاسية. كما تعيش حكومة نور الدين بدوي هي الأخرى على وقع "حظر تجول" وحصار شعبي، بسبب ملاحقة المتظاهرين والناشطين للوزراء لدى زياراتهم الميدانية في قطاعاتهم الحكومية. وقد تعرّض خمسة وزراء حتى الآن لملاحقة ومحاولات لطردهم من الشارع، وسُجّل في هذا الصدد حدوث تظاهرات شعبية في مدينة بشار جنوب غربي الجزائر، رفضاً لزيارة وفد حكومي يضم وزراء الداخلية والموارد المائية والسكن، ومطالبتهم بمغادرة الولاية. ورُفعت ضدهم شعارات مناوئة للحكومة. وتجمّع المتظاهرون قرب مطار بشار وسط المدينة، للتعبير عن رفضهم زيارة الوفد الوزاري، ورفعوا شعارات "ارحل"، هاتفين "لا بدوي لا بن صالح حتى واحد ما هو صالح"، و"الشعب لا يريد العصابة"، و"يا للعار يا للعار خونة في بشار" و"جزائر حرة ديمقراطية".
وقال أحد المتظاهرين "نرفض أن يزورنا وزراء في حكومة غير شرعية"، مضيفاً أنه "من المعيب أن تستقبل مدينتنا وزير الداخلية، وهو المسؤول السياسي عن جهاز الشرطة الذي أطلق القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين في العاصمة يوم الجمعة". ووجدت الشرطة وقوات مكافحة الشغب صعوبات كبيرة في إبعاد المتظاهرين عن محيط المطار، وانتقل المتظاهرون بعد ذلك إلى وسط المدينة للتجمّع رفضاً لزيارة الوفد الحكومي إلى ولاية بشار، الذي كان بصدد تفقد وتدشين عدد من المشاريع الخدمية في بلدات الولاية.
وسبق أن اعترض ناشطون ومتظاهرون، يوم الأربعاء الماضي، وزير النقل والأشغال العمومية مصطفى كورابة، عندما كان بزيارة تفقدية إلى ورشة حفر نفق يربط بين محطتي مترو عين النعجة وبراقي، في الضاحية الجنوبية للعاصمة الجزائرية. واضطر الوزير إلى إلغاء زيارته التفقدية بسبب تجمّع العشرات من المحتجين أمام مدخل ورشة الأشغال، تعبيراً عن موقفهم الرافض لوجوده.
كما تعرّض وزير الشؤون الدينية يوسف بلمهدي لمضايقات من قبل إمام مساند للحراك الشعبي، عندما كان يلقي كلمة في لقاء له مع الأئمة. وتعرض حاكم العاصمة الجزائرية عبد القادر زوخ ومدير شركة سوناطراك النفطية ولد قدور، لهتافات تتهمهما باللصوصية والتورط في الفساد، خلال نشاط مشترك.
ويعقّد رفض القوى السياسية والنقابات والهيئات التمثيلية لخطوات المتعلقة بالذهاب مباشرة إلى الانتخابات الرئاسية، من دون حوار سياسي ومجتمعي، ومن دون توافقات على المرحلة المقبلة، من مهمة بن صالح في تنفيذ الحل الانتخابي، على الرغم من حصوله على دعم الجيش في ذلك. كما يعقّد الأمر من مهمة حكومة بدوي التي تواجه رفضاً سياسياً وشعبياً، خصوصاً أن الموقف الشعبي في مسيرات الجمعة الثامنة كان واضحاً، مع تجديد الجزائريين رفضهم أي حل أو خطوات سياسي قبل رحيل رموز النظام الحالي. وهو موقف يعتقد مراقبون أنه كافٍ لدفع قيادة الجيش لتغيير موقفها الداعم لبن صالح ولحكومة بدوي والاستجابة لمطالب الشعب، بعد مواقف وصفها المحلل محمد أرزقي فراد بـ"المقلقة"، مضيفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "ما يثير القلق في موقف قائد الأركان أحمد قايد صالح هو وجود عدد من مؤشرات دالة على إدارة ظهره ثانية لطموحات الشعب في التغيير، كإصراره على بقاء رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز وبن صالح وبدوي، لتسيير فترة الإعداد للانتخابات الرئاسية، وأغلق منافذ العاصمة الجمعة الماضية أمام تدفق المتظاهرين. كما ضيّق مسار التظاهر، من أجل التقليل من الضغط الجماهيري على النظام".