أكد قائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح، اليوم الأربعاء، تمسكه ودعمه لتولي عبد القادر بن صالح رئاسة الدولة وتنظيم انتخابات رئاسية في غضون 90 يوماً، مثلما ينص عليه الدستور، ما يعني رفض المواقف الشعبية والسياسية المناوئة لهذا المسار، كما كشف عن توقيف ناشطين في منظمات أجنبية كانت "تستهدف الإضرار بالداخل"، وحذر مما اعتبرها "تهديدات أجنبية موجهة لزعزعة استقرار الجزائر".
وقال قايد صالح، في خطاب ألقاه أمام القيادات العسكرية في منطقة وهران غربي الجزائر، إن الجيش مصرّ على تطبيق مخرجات الدستور ورفض الفراغ الدستوري ومقترح إنشاء هيئة رئاسية، موضحاً "مع انطلاق هذه المرحلة الجديدة واستمرار المسيرات، سجلنا للأسف، ظهور محاولات لبعض الأطراف الأجنبية، انطلاقاً من خلفياتها التاريخية مع بلادنا، لدفع بعض الأشخاص إلى واجهة المشهد الحالي وفرضهم كممثلين عن الشعب، تحسبا لقيادة المرحلة الانتقالية، وتنفيذ مخططاتهم الرامية إلى ضرب استقرار البلاد وزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، من خلال رفع شعارات تعجيزية ترمي إلى الدفع بالبلاد إلى الفراغ الدستوري وهدم مؤسسات الدولة، بل كان هدفهم الوصول إلى إعلان الحالة الاستثنائية".
وأكد المسؤول العسكري أن الجيش رفض هذا التوجه السياسي "بشدة منذ بداية الأحداث، فمن غير المعقول تسيير المرحلة الانتقالية دون وجود مؤسسات تنظم وتشرف على هذه العملية، لما يترتب على هذا الوضع من عواقب وخيمة من شأنها هدم ما تحقق، منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، من إنجازات ومكاسب تبقى مفخرة للأجيال".
وكان قائد الجيش يشير بوضوح إلى رفض مقترح إنشاء هيئة رئاسية، تتكون من شخصيات تحظى بالتوافق الشعبي والسياسي تدير مرحلة انتقالية.
ويتوجس الجيش من أن هذا المقترح قد يؤدي إلى إطالة عمر المرحلة الانتقالية ودفع الجيش إلى تحمل أعباء سياسية وأمنية إضافية، بالإضافة إلى التخوف من عدم حصول توافق بين القوى السياسية حول المرحلة والشخصيات التوافقية، فضلاً عن أن هذا نفسه مقترح صادر عن شخصيات وصفها بيان سابق للجيش صدر في 30 مارس بـ"المشبوهة والقوى غير دستورية"، في إشارة إلى شقيق الرئيس المستقيل السعيد بوتفليقة، والقائد السابق للمخابرات الفريق محمد مدين، الذي اجتمع بهذا الشأن مع الرئيس السابق ليامين زروال والسعيد بوتفليقة.
إحباط مخططات أجنبية وتوقيف عملاء
وكشف قايد صالح عن إحباط مخططات وصفها بـ"الخبيثة" لمنظمات أجنبية غير حكومية لها عملاء في الداخل، كانت مكلفة بتوجيه المسيرات الشعبية واختراقها، "ولإحباط محاولات تسلل هذه الأطراف المشبوهة، بذلنا في الجيش كل ما بوسعنا، من أجل حماية هذه الهبة الشعبية
الكبرى من استغلالها من قبل المتربصين بها في الداخل والخارج، مثل بعض العناصر التابعة لبعض المنظمات غير الحكومية التي تم ضبطها متلبسة، وهي مكلفة بمهام اختراق المسيرات السلمية وتوجيهها، بالتواطؤ والتنسيق مع عملائها في الداخل، هذه الأطراف التي تعمل بشتى الوسائل لانحراف هذه المسيرات عن أهدافها الأساسية، وركوب موجتها لتحقيق مخططاتها الخبيثة، التي ترمي إلى المساس بمناخ الأمن والسكينة الذي تنعم به بلادنا".
ورد قايد صالح على انتقادات توجه للمواقف الأخيرة للجيش، وتتهمه بالتخلي عن مطالب الشعب، وذكر بما اعتبره "حرص الجيش منذ بداية المسيرات السلمية على الوقوف في صف الشعب والانحياز إلى جانبه، والتأكيد على ضرورة تلبية مطالبه المشروعة، بشكل يضمن الحفاظ على سير شؤون الدولة في إطار الشرعية الدستورية، وعلى ضرورة إيجاد حل لهذه الأزمة في أقرب الآجال"، مشيرا إلى أن مواقف الجيش حسمت الموقف السياسي وأنهت حكم الرئيس عبد العزيز بوتفيلقة، ودفعته إلى الاستقالة في الثاني إبريل/ نيسان الجاري.
وقال "مع تطور الأحداث واتجاهها نحو التأزم، دعا الجيش إلى ضرورة إيجاد حل للخروج من الأزمة حالاً وقدم اقتراح تفعيل المادة 102 من الدستور، لكن وأمام عدم الاستجابة لمقترحاته والاستمرار في التماطل، تقدم باقتراح، يوم 30 مارس، بتفعيل المواد 7 و8 و102 من الدستور".
وكشف قائد الجيش الجزائري للمرة الأولى أن الجيش هو الذي دفع بوتفليقة إلى الاستقالة الفورية، وقال "كانت آخر محطة هو اجتماع 2 إبريل، حين اتخذت القيادة العليا للجيش الموقف التاريخي الصارم، وأصرت على تلبية المطلب الشعبي الملح وتطبيق أحكام المادة 102 من الدستور فورا، وكان للشعب ما أراد حين قدم رئيس الجمهورية استقالته مساء اليوم نفسه، والدخول بالتالي في مرحلة انتقالية".
ويعني ذلك تمسك قائد الجيش بـ"الاستحقاقات الدستورية" التي تتضمنها مخرجات المادة 102 من الدستور ومخرجاتها، التي انتهت إلى تولي عبد القادر بن صالح رئاسة الدولة، واستمرار حكومة نور الدين بدوي برغم الاعتراض الشعبي والرفض السياسي لهما.
ودعا قائد أركان الجيش الجزائريين والقوى السياسية والمدنية إلى "تفهم طبيعة المرحلة السياسية والتحلي بالرصانة السياسية". وقال "تتطلب هذه المرحلة التاريخية والمفصلية الحاسمة، بل، تفرض على كافة أبناء الشعب الجزائري المخلص والوفي والمتحضر، تضافر جهود كافة الوطنيين باتباع نهج الحكمة والرصانة وبعد النظر، الذي يراعي بالدرجة الأولى
وأساسا المصلحة العليا للوطن، والأخذ بعين الاعتبار أن تسيير المرحلة الانتقالية يتطلب أن يتولى رئيس مجلس الأمة لمدة ثلاثة أشهر، بصلاحيات محدودة، إلى حين انتخاب رئيس الـجمهورية الجديد".
مرافقة انتقالية
وفيما تعهد الفريق قايد صالح بـ"مرافقة الجيش" لسير المرحلة الانتقالية المخصصة لتحضير الانتخابات الرئاسية وضمان شفافيتها، طالب في المقابل قوى الحراك الشعبي والمعارضة بمراجعة مطالبها التي وصفها بـ"التعجيزية". وقال إنه "يتعين على الجميع فهم وإدراك كافة جوانب وحيثيات الأزمة، خلال الفترة المقبلة، لا سيما في شقها الاقتصادي والاجتماعي، التي ستتأزم أكثر إذا ما استمرت هذه المواقف المتعنتة والمطالب التعجيزية، مما سينعكس سلبا على مناصب العمل والقدرة الشرائية للمواطن، خاصة في ظل وضع إقليمي ودولي متوتر وغير مستقر، بالإضافة إلى ضرورة التحلي بالصبر والوعي والفطنة، من أجل تحقيق المطالب الشعبية والخروج ببلادنا إلى بر الأمان وإرساء موجبات دولة القانون والمؤسسات".
ونفى المتحدث ذاته وجود أية طموحات سياسية له، ردا على تقارير ذكرت إمكانية أن يقدم على لعب دور سياسي مركزي في المرحلة المقبلة. وشدد "التزمت شخصيا بدعم الشعب في هذه المرحلة المهمة، والوقوف إلى جانبه، رغم ظهور بعض الأصوات الناعقة في الداخل والخارج، ممن يزعجهم التلاحم القوي بين الشعب وجيشه، وسيثبت التاريخ صدق أقوالنا ومساعينا، وأنه لا طموح لنا سوى خدمة بلادنا والسهر على أمنها واستقرارها، وستخيب كل آمالهم ومناوراتهم الرامية إلى المساس بسمعة ومصداقية الجيش الوطني الشعبي، الذي سيظل، رغم كيد الكائدين وحقد الحاقدين، سندا قويا لشعبه في المحن والأزمات".
ويؤشر خطاب صالح إلى وجود تباين واضح بين موقف الجيش المتمسك بالاستحقاق الدستوري، وبين المطالب السياسية للحراك الشعبي والناشطين والقوى السياسية المعارضة، ومن شأن ذلك أن يغير من الموقف الشعبي إزاء الجيش.