الجزائر... البحث عن رأس الخيط إلى "جند الخلافة"

19 سبتمبر 2014
التحذيرات الأمنية تتعاظم في الجزائر(كنزو تريبويولارد/فرانس برس)
+ الخط -
بدأت قوات الأمن الجزائرية تحريّاتها للتأكد من صدقية البيان المنسوب إلى منشقين عن تنظيم "القاعدة"، يزعمون فيه تأسيس تنظيم جديد تحت مسمى "جند الخلافة في الجزائر"، متصل بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

وذكر مصدر أمني رفيع، لـ"العربي الجديد"، أن "مصالح الأمن أخذت على محمل الجدّ إعلان التنظيم الجديد بروزه إلى الوجود، لكنها تحاول الامساك بخيوط أولى تقود إلى فهم طبيعة التنظيم، وهوية الصف الأول من قادته، خصوصاً أن القادة البارزين في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، المعروفين لدى مصالح الأمن، تم القضاء عليهم في وقت سابق أو استسلم عدد منهم للسلطات".

وكان منشقون عن "قاعدة" المغرب الإسلامي، قد أصدروا بياناً أعلنوا فيه تأسيس التنظيم "بعد اجتماع مجلس شورى منطقة الوسط وسرايا كانت تتبع القاعدة، وتم الاتفاق فيه على الانسحاب من القاعدة، وتأسيس جند الخلافة في أرض الجزائر، بقيادة خالد أبي سليمان"، واسمه الحقيقي قوري عبد المالك، ويبلغ من العمر 50 عاماً.

وعزا المنشقون عن "القاعدة" قرارهم الخروج من التنظيم الأم إلى "انحراف التنظيم عن الجادة" وأعلنوا "براءتهم من منهج القاعدة".

كذلك أعلن تنظيم "جند الخلافة في أرض الجزائر" تجديد البيعة لما يصفه التنظيم بـ"خليفة المسلمين" أبي بكر البغدادي، وخاطبوه "لقد صار لك سهام في الجزائر فارم بها"، ويشير ذلك إلى استعداد عناصر التنظيم للانخراط في أجندة "داعش"، وتنفيذ عمليات في الجزائر.

ويشكك الكاتب والناشط السياسي الجزائري، فاروق طيفور، في ظروف وملابسات وجود هذا التنظيم، ويعتبر أنه يدخل في سياق الضغط والاستدراج الغربي ضد "الدول التي ترفض الانصياع للقرار الغربي الأميركي بخصوص محاربة الارهاب، وهي حرب إقليمية جديدة في المنطقة، تهدد المصالح المحلية والعابرة، وتختار تلك الدولة، قصراً، التحالف مع الغرب لمحاربة الوهم الذي صار وحشاً".

ويضيف طيفور أن "إعلان بعض المنشقين عن القاعدة في الجزائر تأسيسهم تنظيم جند الخلافة، ورفعهم راية داعش يطرح أكثر من سؤال حول من يستطيع أن يؤكد أو ينفي حقيقة هذا الانضمام، وهل يوجد شيء يسمى تنظيم داعش في الجزائر؟".

لكن الخبير في الشؤون الأمنية، أحسن خلاص، يعتقد أن "بروز التنظيم الجديد المتصل بداعش يأتي ضمن مناخ الحشد الإعلامي، وتعبئة الرأي العام الدولي واستعداد الولايات المتحدة والغرب لمواجهته، ما سيعطيه صدى أكبر، ويثبت وجود التنظيم ككل، فهو يتغذى من خارجه أكثر من تطوير تنظيمه الذاتي أو أي شكل من أشكال توسيعه".

ويقول خلاص إنه "من الطبيعي لأي تنظيم أن يتطور أيديولوجياً، ويستقطب الاهتمام إذا ما وجد من يناقضه ويجهر بذلك". ويشير في هذا السياق إلى التطور التنظيمي للكيانات المسلّحة في الجزائر، وبالطريقة نفسها التي تلت الإعلان عن تأسيس تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في ديسمبر/كانون الأول 2007، بعد الانشقاق عن "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، وتأسيس هذه الأخيرة بعد الانشقاق عن الجماعة الإسلامية المسلحة.

ويتوقع خلاص أن تسهم العقيدة الجديدة لـ"داعش" والتنظيمات المتصلة به والحشد الإعلامي الجاري له من زيادة استقطاب وتجنيد الشباب، ويعتبر أنّ "تنظيم القاعدة كان صنيعة إعلامية قبل أن يكون قوة فعلية قادرة على الإضرار بالغرب، لذلك فإن التنظيم الجديد في الجزائر مرشح ليعرف توظيفاً جديداً للطاقات الجهادية الكامنة في كل مكان، وسيكون منطقة استقطاب من دون شك من منطلق أن من تحاربه الولايات المتحدة لا بد أن يكون على حق".

وليست المخاوف بالقدر نفسه في الجزائر من التنظيم المسلح الجديد "جند الخلافة"، وخصوصاً أن الجزائر تبدو أكثر الدول التي حسمت أوضاع "الإرهاب" والمجموعات المسلحة. ويعتقد الأستاذ في العلوم السياسية في جامعة الجزائر، بومدين معمش، أن "موقف الجزائر من الإرهاب أمر محسوم سياسيّاً وعسكريّاً، لكن من الخطورة بمكان انجرار الجزائر إلى حروب بالوكالة تكلفتها باهظة على المنطقة والجزائر تحديداً".

ويضيف أن "هذا الإعلان حمّال أوجه، فقد يكون صادراً عن الجهة الأصلية وهي داعش على ما يحيط بها من أسرار والتباسات، والهدف منه توسيع نطاق المعركة جغرافياً وإدخال ديمغرافيا صعبة ومعقدة وهي ديمغرافيا المغرب العربي وما يتصل بها من تعقيدات الساحل".

ويلفت معمش إلى أن "هذا الإعلان يوسع نطاق التحالف ويدخل الجزائر كلاعب وكطرف، يملك القدرات العسكرية والتمويلية ويصبح انخراط الجزائر في هذا الاتجاه مبرراً وفرضته التداعيات".

ولا يزال الغموض يحيط بـ"جند الخلافة في الجزائر"، وحتى الآن لم يمر التنظيم إلى الفعل الميداني الذي يبرز وجوده، لكن المحاذير الأمنية هذه المرة تبدو مرتفعة قياساً بالصور والمشاهد والتقارير التي تكشف طبيعة نشاط تنظيم "داعش".

كما أن الجزائر، التي سبق لها أن عانت من الأعمال العنفية لأكثر من عقد في تسعينيات القرن الماضي، لا ترغب في أن تستفيد الكيانات المسلحة من أية جرعة أو انبعاث جديد، قد يعقّد الوضع الداخلي، المتخم بتداعيات الوضع الاقليمي المتوتر أصلاً في تونس وليبيا ومالي.