الجزائر: أزمة النقل تفرض "حظر التجوّل" ليلًا

02 اغسطس 2017
(الجزائر العاصمة ليلًا، الصورة: نورفوتو)
+ الخط -
إذا كنت لا تملك سيارة في إحدى المدن الجزائرية بما فيها عاصمة البلاد، فلا تفكّر في البقاء إلى وقت متأخّر من الليل في مكان بعيد عن إقامتك لحضور حفل أو تظاهرة ثقافية أو السهر مع الأصدقاء أو لأيّ سبب آخر، لأنك ستكون مهدّدًا بقضاء ليلتك في الشارع.


خدمات رديئة
إنه واقع تفرضه "أزمة النقل" في الجزائر، بسبب الخدمات السيّئة التي تقدمها شبكة المواصلات، فالحافلات الخاصّة تثير استياء المواطنين بسبب الاكتظاظ الكبير في عدد الركاب، والانتظار لوقت طويل في محطاتها، بينما تعمل سيارات الأجرة بمنطق "الوجهة التي تناسب السائق فقط" وتجعل الزبون يخضع لقرار أصحابها، في حين تبقى وسائل النقل العمومية محدودة، مثل حافلات مؤسّسة النقل الحضري وشبه الحضري التي تعمل في خطوط معينة دون أخرى، أو المترو الموجود بالعاصمة والذي يشتغل على خط واحد فقط به 10 محطات ليس إلا، أما الترامواي أو "قطار المدينة" فإن نشاطه يقتصر على بعض المدن الكبرى في البلاد، مثله مثل المصاعد الهوائية.


أزمة حادة في الصيف
تبلغ هذه الأزمة ذروتها في فصل الصيف مع انطلاق موسم الاصطياف والمهرجانات والحفلات الفنية الساهرة التي تبرمج ليلًا في مختلف المدن، ولا يتعلّق الأمر هنا بالمهرجانات المعروفة مثل مهرجان "تيمقاد" الذي تحتضنه سنويًا مدينة باتنة، ولكن أيضًا بالحفلات الغنائية والعروض المسرحية التي تقدّم في الهواء الطلق، في ولايات مثل قسنطينة وبجاية، وتظاهرات ألعاب السيرك التي تنظمها مدينة سكيكدة، جيجل، قالمة وغيرها من المدن الساحلية.

في وقت كان يفترض أن ترافق هذه التظاهرات والمهرجانات الصيفية حركة مرورية تساهم في تنشيط السياحة الداخلية وإنجاح هذه الفعاليات، يتوقّف دوام أغلب وسائل النقل عند الساعة السابعة والنصف مساءً، مع غروب الشمس، بينما يستمرّ عمل المترو الموجود في العاصمة فقط دون سواها من المدن، إلى غاية الساعة 11 ليلًا، إلى جانب الترامواي حيث لا تزيد مسافة النقل لكل واحد منهما عن 25 كيلومتر فقط. ولعل الاستثناء الوحيد في العمل ليلًا، كان في شهر رمضان عندما برمج المترو وبعض الحافلات العمومية رحلات إلى غاية الساعة الواحدة صباحًا.


لا وسائل نقل ليلًا
يظهر أن محافظة وسائل النقل على مواقيت العمل نفسها في فصل الصيف مثل باقي الفصول أمرٌ غير منطقي، ولا يتماشى مع حاجة المواطنين والحركة الليلية التي يفرضها الموسم، مما يتسبّب في حرمان العائلات والشباب، خاصة الذين يقطنون في المناطق المجاورة للمدن الوسطى والذين يبعدون عنها بأكثر من 10 كيلومترات، من التنقل ليلًا إلى الشواطئ وحضور الحفلات والمهرجانات، التي تبرمج في أغلب الأحيان بعد الساعة التاسعة ليلًا، أي بعد ما يقارب ساعتين من توقف وسائل النقل وتستمرّ إلى ما بعد الواحدة صباحًا، وهذا ما يجعل جمهورها من سكان البنايات القريبة ممن يمكنهم التنقل إلى المكان مشيًا على الأقدام أو من يملكون سياراتهم الخاصّة. وفي هذا السياق يجيب أكرم، 26 سنة عن سؤال موقع "جيل" بخصوص حضوره للتظاهرات الليلية: "لهذه الحفلات جمهورها، أنا أسكن على بعد 20 كيلومتر من هنا".

وإذا كانت سيارات الأجرة تبدو الحل الوحيد أمام الراغبين في التنقل ليلًا، وسط المدينة طبعًا، غير أنها في الحقيقة ليست كذلك، لأنه سيكون عليهم الانتظار لساعات بلا فائدة، لأن أصحابها يرفضون الذهاب للأماكن المزدحمة مثل الشواطئ والساحات التي تنظّم فيها الحفلات.

ففي الجزائر لن يكون بإمكانك توقيف سيارة أجرة والركوب مباشرة داخلها، ثم تطلب من السائق أن يأخذك إلى العنوان الذي تريد أو أن يسألك السائق "إلى أين أوصلك؟"، وإنما سيكون عليك أن تسأل السائق من نافذة السيارة قبل الركوب إذا كان بإمكانه أن يوصلك إلى وجهة معينة، وهو يقرّر بعدها أن يوافق أو لا، وفي العادة يجيبك "المكان مزدحم، لا أذهب إليه"، أو يطلب منك مبلغًا جزافيًا يفوق ما يسجّله عداد سيارة الأجرة بأضعاف، وأنت طبعًا إن اعترضت، ستقف تنتظر لساعات تسمع الكلام نفسه من سائقي سيارات الأجرة. هنا، يقول حسام (21 سنة) في حديث إلى "جيل": "أتذكّر أني قطعت مسافة 10 كيلومترات مشيًا على الأقدام ليلًا، بعدما سئمت من الانتظار".


تحضير برنامج للخروج
في ظل هذا الوضع، يجد المواطنون أنفسهم مجبرين على وضع برنامج كامل من أجل الخروج ليلًا، فالذين لا يملكون سيارة ويرغبون في حضور حفل فني أو اصطحاب أطفالهم لمشاهدة عروض السيرك والألعاب الليلية أو الذهاب للبحر، يقومون بتأجير سائق لليلة واحدة يتولى مهمّة إيصالهم ثم إعادتهم إلى مقر إقامتهم بمبالغ جزافية.

تقول يمينة، أم لطفلين في حديث إلى "جيل": "يفصلنا عن الشاطئ ستة كيلومترات فقط، ولكن عندما نرغب بالخروج ليلًا، نؤجّر سيارة جارنا أو يأتي هو لتوصيلنا". ويكون هذا البرنامج مختلفا بالنسبة للشباب، الذين يفضّلون عدم تأجير سائق وتوفير مبلغ مالي، والذهاب مبكرًا وحضور الحفلات الفنيّة التي يحييها أحد المشاهير، وعادة ما تنظّم هذه الحفلات بالفنادق القريبة من شواطئ البحر أو قاعات الحفلات أو في الساحات العامة للمدن الساحلية، ثم يلجؤون بعد نهايتها في وقت متأخّر إلى المبيت على شاطئ البحر، وفي الصباح يأخذون أوّل وسيلة نقل للعودة إلى البيت.

ومن بين الذين عاشوا هذه التجربة والتقى بهم موقع "جيل" أحمد، بلال، وأمين، ثلاثة شبان قطعوا مسافة 30 كيلومتر قادمين من بلدية الباردة إلى وسط مدينة عنابة (شرق الجزائر) حيث حضروا حفلًا فنيًا، ناموا بعدها على رمال الشاطئ ثم غادروا صباحًا. لهذا سيكون على من يرغب في الاستمتاع بعطلته في الجزائر و/أو قضاء موسم الصيف تنزّهًا في الليل أن يملك سيارة خاصّة.

المساهمون