خرج الصراع الحاد بين رئيس الحكومة الجزائرية الجديد، عبد المجيد تبون، والكارتل المالي، إلى العلن، ووصل الطرفان إلى نقطة القطيعة في ظل مشهد ضبابي مليء بالشكوك حول المستقبل السياسي للبلاد، وفي أفق انتخابات رئاسية مرتقبة في ربيع 2019. وقد أعلن رئيس الحكومة الحرب على الكارتل المالي الذي رد بعنف سياسي، وأعلن عن التحالف مع "اتحاد العمال" ضد الحكومة. كل ذلك يحصل في ظل غياب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن المشهد.
منذ أول خطاب ألقاه أمام البرلمان، كان واضحاً أن رئيس الحكومة الجزائرية الجديد يتجه إلى قلب الطاولة على الكارتل المالي، وفضّ تحالفه مع الحكومة السابقة. ففي منتصف يونيو/حزيران الماضي، أعلن تبون عن عزمه محاربة المال السياسي، بعد هيمنته وتمدده في البرلمان والحياة السياسية الجزائرية. وهذا الخطاب ترجم لاحقاً بتصريحات، تبون، حول ما يوصف في الجزائر بمصانع الاحتيال الصناعي لتركيب السيارات، وتوعد بالتحقيق فيها.
تصرف رئيس الحكومة كان إعلاناً رسمياً للقطيعة بين الطرفين، وبدايةً لحرب مصالح وتوجهات بين الحكومة والكارتل المالي في الجزائر. ومنظمات الكارتل النافذ في المشهد السياسي تكتلت سريعاً للتصدي لمواقف رئيس الحكومة الجزائرية. وبدأت حملة ضد قراراته التي تمس مصالح رجال المال والأعمال. وأصدرت سبع منظمات تمثل رجال الأعمال، بعدما استدرجت إلى صفها أيضاً نقابة "اتحاد العمال" الموالية للحكومة (نقابة صورية وغير تمثلية)، بياناً شديد اللهجة، انتقدت فيه قرارات تبون. وعبّرت عن قلقها بشأن المعاملة التي تعرض لها رئيس "منتدى رؤساء المؤسسات"، واعتبرت أن سلوكه من شأنه أن ينسف التوافقات السابقة الموقعة بين الحكومة و"اتحاد العمال" و"منتدى رجال الأعمال". وأكدت أن "تصرف الوزير الأول يلحق الضرر بروح ورسالة العقد الوطني للنمو الاقتصادي والاجتماعي في حين نحن نعيش مرحلة أساسية لتكريس ثقافة الحوار الاجتماعي بين الحكومة وشركائها الاجتماعيين". وجاء في البيان أن "التعقل والحكمة يرغماننا، في الوقت الحالي، على عدم الإضرار بالإجماع الوطني الذي تطلب الكثير من المجهود لتحقيقه، ونبقى على اقتناع بأن الحوار هو السبيل الوحيد لتحقيق وديمومة السلم والاستقرار الاجتماعي".
ويبرز في السياق تساؤل عن حجم التداعيات التي ستترتب عن الصراع بين الحكومة والكارتل المالي الذي قد يقدم على تعطيل الحركة الاقتصادية أو إفشال خطط النمو الحكومية في عدد من القطاعات الحيوية التي أمسك بها القطاع الخاص، مع أنه لا يمثل في المجمل سوى واحد في المائة من حجم النشاط الاقتصادي في الجزائر. غير أن المحلل السياسي، أحسن خلاص، يستبعد أن يذهب الصراع إلى أبعد حد، باعتبار أن السلطة الحاكمة، الممثلة بالرئيس بوتفليقة، لن تسمح بذلك. وقال إن "ما يسمى بالكارتل صنعته السلطة نفسها التي صنعت تبون وغيره"، مرجحاً أن تتم تسوية الأزمة "لأن منظومة الحكم لا تأكل أبناءها"، وفق تعبيره.
لكن قراءات سياسية وضعت الصراع الجديد بين الحكومة والكارتل المالي في سياق بدء مبكر لصراع الأجنحة داخل السلطة، على بعد 18 شهراً من الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويمثل الجناح الأول رئيس الحكومة، تبون، الذي يرغب في الاستعانة بجدار سياسي عبر دعوته إلى مؤتمر حوار تشارك فيه كل القوى السياسية والمدنية، والتي كانت لها مواقف مناوئة ومحذرة من تمدد الكارتل المالي في المؤسسة السياسية. ويمثل الجناح الثاني رئيس الديوان الرئاسي، أحمد أويحيى، المدعوم من "منتدى رؤساء المؤسسات" ونقابة "اتحاد العمال".
ويعتقد الناشط السياسي، عبد السلام عليلي، أن "تَدَافُع الأجنحة في هرم السلطة هو من سرّع بروزَ هذا الصراع، وملامح الطلاق أو الحرب التي يتحدث عنها رئيس الحكومة، تبون، باتت واضحة لكل الأطراف، إذ أصبح كل طرف يحاول بناء تحالف ليضغط ويضمن له امتيازات وموقعاً جيداً في المرحلة المقبلة". ويضيف أن "جناح رئيس الحكومة يريد إنهاء مرحلة ضغط رجال المال والأعمال على الحكومة ومحاولتهم التمدد السياسي وإفراغ الخزينة وتهديد الأمن الاقتصادي للبلاد، والجناح الثاني المشكل من مدير ديوان الرئاسة، يحاول تشكيل لوبٍ ليبرالي لحسم الصراع المعلن"، وفق قوله.
ويقول الكاتب في صحيفة "الخبر" الجزائرية، حميد ياسين، إن "أي تفسير للصراع بين رئيس منتدى رؤساء المؤسسات ورجال الأعمال، علي حداد، المدعوم من الأمين العام لنقابة اتحاد العمال، سيدي السعيد، ورئيس الحكومة الجديد، عبد المجيد تبون، يبتعد عن ربط هذا الصراع بشغور الرئاسة، هو تضليل ودجل سياسي"، على حد وصفه. ويصر حميد على أن هناك علاقة بين غياب بوتفليقة، وبين هذا الصراع، لا سيما أنه جاء في ظرف قصير بعد تعيين تبون كرئيس للحكومة. ويضيف أنه "لو أن الرئيس حاضر في المشهد، لما كان أقدم أي طرف من أطراف الصراع على إخراجه إلى العلن".
في المحصلة، من شأن المسار الذي سيتخذه الصراع بين رئيس الحكومة والكارتل المالي، في الأيام المقبلة، أن يظهر ما إذا كان تصرّف تبون نابعاً من خياره الخاص، أم أنه يعكس رغبة بوتفليقة بتقليص حجم تأثير ونفوذ رجال المال واستعادة هيبة الدولة على الصعيد السياسي والشعبي.