سجلت أسعار اللحوم المجمدة المستوردة في الجزائر قفزات متتالية، مع اقتراب تاريخ بداية منع استيرادها المقرر مطلع شهر مارس/آذار القادم، زيادات أربكت المواطن الجزائري الذي جعل منها ملاذا لسنوات طويلة لتعويض اللحوم الطازجة التي تبقى أسعارها خارج طاقة جيوب السواد الأكبر من الجزائريين.
ومنذ صدور قائمة المواد الممنوعة من الاستيراد مطلع يناير/كانون الثاني، وورود اللحوم المجمدة فيها، حدث جدل وسط الشارع الجزائري بين مرحب ومتذمرٍ ، لكون هذه السلعة بديلا بالنسبة للعديد من العائلات ذات القدرة الشرائية المتوسطة والضعيفة بالنظر لسعرها المنخفض مقارنة باللحوم الطازجة.
في سوق "الحراش" في قلب العاصمة الجزائرية، قال جزار وبائع لحوم مجمدة، محمد قيدوم، لـ "العربي الجديد" إن "أسعار اللحوم المجمدة ارتفعت من 600 دينار (5.26 دولارات) للكيلوغرام الواحد من لحم البقر إلى 1000 دينار (8.71 دولارات)، ومن 800 دينار (7 دولارات) للحم الخروف إلى 1200 دينار (10.52 دولارات) ".
وأرجع البائع الجزائري هذه الزيادة في حديث مع "العربي الجديد" إلى "القرار الذي اتخذته الحكومة بمنع استيراد اللحوم المجمدة، حيث قل العرض مؤخرا بسبب تغيير المستوردين لنشاطهم نحو سلع أخرى غير ممنوعة من الاستيراد".
وأضاف قيدوم: " اللحوم المجمدة تشكل ثلثي مبيعات الجزائريين بسبب سعرها مقارنة مع اللحوم الطازجة، والآن لا أدري ماذا أفعل وقد جددت إيجار المحل لسنتين".
وإذا كان تذمر المستوردين جاء تخوفا من انهيار نشاطهم التجاري، فإن الشارع الجزائري يحمل مخاوف حول غياب هذا العنصر الغذائي عن مائدته، خاصة أن أسعار اللحوم الطازجة ارتفعت قرابة 25 % هي الأخرى، حيث أصبح سعر لحم الخروف 1700 دينار (14.09 دولاراً) و1400 دينار للحم البقر (12.2 دولاراً).
يقول موظف في شركة خاصة، يوسف بن حابل، إنه تعود على شراء اللحم المجمد لانخفاض سعره، "والآن قلصت الكميات المعتاد أن أشتريها، فسعر المجمد لا يبعد كثيرا عن سعر اللحوم الطازجة".
وتساءل المواطن الجزائري في حديثه لـ "العربي الجديد": كيف سيكون حال "الزوالية" (الطبقة الهشة باللهجة الجزائرية) في الشهور القادمة كل شيء ارتفع سعره، وكيف ستكون الأسعار خلال شهر رمضان الذي بات على الأبواب، فالعائلات الجزائرية تعودت على الطبخ باللحوم المجمدة خاصة في شهر الصيام، الحكومة تفضل أن تدفع فاتورة فشلها في تسيير الأزمة الاقتصادية من جيوب المواطنين.
وينطبق المثل الشعبي "مصائب قوم عند قوم فوائد" على أصحاب المذابح وتجار اللحوم الطازجة الذين استبشروا خيرا من هذه الوضعية، التي يرونها "عودة إلى الحالة الطبيعية"، بعد سنوات من تدفق اللحوم البرازيلية والهندية على الجزائر.
وإلى ذلك قال رئيس جمعية التجار والحرفيين الجزائريين الطاهر بولنوار إن "الجمعية بالرغم من أنها تساند قرار منع استيراد ما ينتج محليا بما في ذلك اللحوم، إلا أنها ومن باب الحرص على حماية القدرة الشرائية للمواطن اقترحت على وزارة التجارة، العمل على منع استيراد اللحوم المجمدة تدريجيا بتقليص الكميات على عدة مرات وذلك لتفادي حدوث "صدمة في السوق".
وأضاف بلنوار في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "قرار المنع يجب أن يصاحبه قرارات أخرى جريئة، منها دفع الإنتاج المحلي للحوم والقضاء على المضاربة التي تعود أصلا إلى انتشار المذابح العشوائية، فلا يمكن أن تكون أسعار اللحوم خارج قدرة المواطن الشرائية في وقت تحوز فيه الجزائر ثروة حيوانية كبيرة، على غرار 25 مليون رأس من الغنم، ومليوني رأس من البقر، و350 ألف رأس من الجمال، و5 ملايين رأس من المعز".
من جانبها طالبت جمعية حماية المستهلك الحكومة بتأجيل منع استيراد اللحوم، إلى حين توفير البديل والقضاء على المضاربة، وذلك حماية لجيوب المواطنين الجزائريين المنهكة بغلاء المعيشة.
ومن جانبه، قال رئيس جمعية حماية وإرشاد المستهلك، مصطفى زبدي، إن" التوقيت غير مناسب لإعلان منع استيراد اللحوم المجمدة وذلك لعدة أسباب، منها اقتراب شهر رمضان الكريم، وثانيا حماية لما تبقى من قدرة شرائية للمواطن "، وأضاف زبدي لـ "العربي الجديد": كنا نود لو أشركت الحكومة جمعيات المستهلك والتجار للتشاور والخروج بقرارات تساعد الجميع.
يذكر أن الحكومة الجزائرية كانت قد وضعت قائمة بأكثر من ألف منتج ممنوع من الاستيراد إلى إشعار لاحق، في مقدمتها اللحوم المجمدة والخضر والفواكه ما عدا الموز، بالإضافة إلى مواد البناء والسيارات، وحتى الدواء لم يسلم من "كماشة الحكومة الجزائرية"، وذلك لكبح الواردات التي بلغت 47 مليار دولار السنة الماضية، بهدف مواجهة الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها البلاد في ظل تراجع إيرادات النفط، المصدر الرئيسي للدخل في البلاد.
وأقرّ رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى في مؤتمر صحافي يوم 20 يناير/كانون الثاني الماضي بأن الجزائر تعاني من أزمة مالية خانقة نتيجة تدهور أسعار النفط ونقص الموارد المالية.