لا تترسخ ثقافة زيارة الطبيب للاطمئنان لدى الجزائريين. موانع عديدة تحول بينهم وبين ذلك أبرزها الأوضاع المعيشية الصعبة وغياب الخطط الوطنية الشاملة. وهو ما دفع عدداً من الأطباء إلى إطلاق حملة توعية.
كثير من المواطنين في الجزائر يعتبرون الفحص الطبي الدوري أمراً غير مهم أو مضيعة للوقت، بينما يصر البعض على اعتبار زيارة طبيب مختص أكثر من ضرورة. في كلّ الأحوال يعتبر الفحص الدوري ثقافة غائبة عن أبناء البلاد.
يقول الأستاذ في اللغة العربية سليم لعراجي لـ"العربي الجديد" إنّ المواطن الجزائري لا يقصد طبيباً عاماً أو طبيباً مختصاً إلا في حال الألم، أو الشعور بمشكلة صحية ما، أما الفحص الطبي الدوري فيعتبر ضرباً من ضروب الخيال، مع تسارع الحياة اليومية وضغوطها.
يبدو سؤال من قبيل "هل تذهب إلى الطبيب لإجراء فحص عادي لمراقبة ضغط الدم أو السكري أو النبض أو غير ذلك"؟ محيراً لكثيرين. يجيب السائق في إحدى حافلات النقل العام نور الدين لـ"العربي الجديد": "دعني أولاً أهتم بتأمين رغيف العيش. الذهاب إلى الطبيب ليس روتينياً في أجندتي الشهرية أو حتى السنوية، بل عند الطوارئ فقط. نحن نلهث يومياً خلف القوت، أما الطبيب فنذهب إليه عند الضرورة القصوى". يلفت إلى أنّ كلّ شيء في الجزائر لا يمكن أن يؤمن لك اعتناق ثقافة زيارات الاطمئنان الدورية، فحتى "إن أردت فعلها ليست الظروف مهيأة لذلك".
مثل نور الدين كثيرون. هم حانقون من الوضع الاجتماعي والصحي في الجزائر، ويلفت سائق آخر إلى أنّ "المرضى لا يجدون أطباء للعلاج، ولا يجدون سريراً في المستشفيات، فهل سنبحث نحن الأصحاء عن فحص عادي"؟ يندد السائق بما يعانيه المواطن الجزائري في المستشفيات، ويطالب بضرورة تحسين الخدمات الطبية في الأحياء "حتى نسعى إلى فحص دوري عادي من أجل السلامة والوقاية فقط".
الفحص الدوري هو أكثر من ضرورة بحسب الطبيبة المتخصصة الدكتورة آمال لبيب. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ هذا الفحص ينقذ من مختلف الأمراض المستعصية والمتخفية التي لا يراها البعض إلا عندما تتصاعد الحمى أو تصيب الشخص آلام حادة في البطن أو الرأس. تضيف أنّها تفكر في تأسيس جمعية رفقة زملاء لها من الأطباء في مستشفى "مصطفى باشا الجامعي" وهو أكبر مستشفى في الجزائر، من أجل التوعية بضرورة إجراء الفحص الطبي الدوري، وفي خطوة مقبلة الذهاب إلى الأسر في الأحياء وإجراء فحوص دورية مجانية في القرى والمدن الداخلية، وتعميمها في مختلف أراضي البلاد.
هذه الفكرة يشترك فيها 157 طبيباً عاماً ومتخصصاً في الجزائر العاصمة وبجاية وقسنطينة والبليدة في انتظار التحاق آخرين من بقية الولايات. تؤكد لبيب أنّ انطلاقة العمل هي حجر الزاوية حتى يتمكن المعنيون من تعميم التجربة وتفعيلها في الميدان، وإخراجها من الظلمة إلى النور، ومن مجرد فكرة على الورق إلى التنفيذ على أرض الواقع.
مثل هذه الخطوة، خصوصاً تجاه سكان المدن الداخلية والأحياء الفقيرة، يراها البعض صائبة وضرورية للتوعية بالأمراض في فصل الصيف، فهي بمثابة ضرب عصفورين بحجر واحد، فالعلاجات لبعض الأمراض مكلفة جداً، بحسب الدكتور الهادي بن خالد المتخصص في أمراض الكلى. يذكر لـ"العربي الجديد" أن مشكلة عويصة تشهدها الأسر التي تترك أبناءها يسبحون في برك مياه فاسدة أو راكدة وغير نقية، مشدداً على ضرورة توعية العائلات بالذهاب إلى الأطباء.
"الوقاية خير من العلاج" شعار رفعه كثيرون في وجه المرض، وهو ما يؤمن به الآلاف في قطاع الصحة ممن وجهوا دعوات إلى وزارة الصحة الجزائرية لوضع مخطط وطني للصحة العامة وقوانين تحتّم إجراء فحوص دورية وتشدد الرقابة على العائلات من خلال بطاقة تعريفية بصحة المواطن تضمّ كل فحوصه الدورية والأمراض التي يعاني منها في خزان معلومات. هذا المقترح يحاول كثير من المتخصصين في الصحة العامة والأطباء والكوادر ومنظمات المجتمع المدني الوصول إلى إقراره، خصوصاً أنّ بعض الأمراض انتشرت في الجزائر بسبب نقص التوعية، وبسبب "عدم اتساع ثقافة الفحوص الدورية للوقاية".
في انتظار تطبيق مثل هذا المقترح، يندفع الأطباء للمشاركة في حملات توعية للمواطنين بضرورة إجراء فحوص دورية بحسب الدكتور عادل عيادي. يقول إنّ الفكرة سبق لوزارة الصحة الجزائرية أن رخّصت لها قبل عامين في ما سمّي يومها بـ"طبيب في البيت". يعتبرها بمثابة خطوة إيجابية إذ تهدف إلى تجنيد عدد من الأطباء من أجل زيارة بيوت المواطنين في المناطق النائية والعائلات التي يتعذر عليها التوجه إلى مراكز العلاج وفحصهم دورياً. لكنّ الخطوة لم تتوسع كثيراً وفي النهاية كان مصيرها الفشل، لتعود اليوم في صيغ جديدة تمنح المواطن البسيط التوعية اللازمة والثقافة المطلوبة لزيارة الطبيب وتفادي المشاكل الصحية في المستقبل.