في حين ما زالت إيران تعاني من جرّاء تداعيات السيول والفيضانات التي ضربت 24 محافظة من أصل 31 في خلال المدّة الأخيرة، راحت أسراب من الجراد الصحراوي تجتاح ستّاً من محافظات جنوبي البلاد وسط إعلان حالة استنفار وتشكيل لجان في كلّ محافظة للتصدّي لها. والمحافظات الإيرانية الستّ هي خوزستان، وبوشهر، وفارس، وهرمزجان، وكرمان، وسيستان وبلوشستان.
قبل أيام، أعلن رئيس منظمة إدارة الأزمات في إيران، إسماعيل نجار، لوكالة "فارس" الإيرانية، أنّ 300 ألف هكتار من الأراضي الإيرانية تتعرّض اليوم لهجمات الجراد الصحراوي. وكانت السلطات الإيرانية قد أفادت بأنّ الأمطار الغزيرة التي شهدتها إيران أخيراً أوجدت بيئة خصبة للجراد الذي يبحث عن البيئات المماثلة للتكاثر، فهاجم بأسراب كبيرة المزارع والمحاصيل الزراعية. ولفتت السلطات إلى أنّ الجراد بدأ يدخل إلى إيران في 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، ليزداد عددها مع دخول أسراب جديدة. وهو يمثّل اليوم تهديداً حقيقياً للأراضي الإيرانية، لدرجة أنّ رئيس منظمة حماية البيئة، مساعد الرئيس الإيراني، عيسى كلانتري، أكّد أنّه "لم يسبق أن هاجم جراد البلاد بهذه الشدّة في خلال الأعوام الخمسين الماضية". يُذكر أنّ إيران سبق وتعرّضت في خلال القرون الماضية إلى هجوم جراد مرّات عدّة، وقد أدّى الأمر أحياناً إلى مجاعات في البلاد بعدما دمّرت المحاصيل الزراعية في محافظات كثيرة، ولعلّ آخر تلك الهجمات سُجّلت ما بين عام 1962 وعام 1964.
واليوم، المحافظات الإيرانية التي يهدّدها الجراد تنتج نحو 20 في المائة من محاصيل البلاد الزراعية، وتقع فيها 21 في المائة من المراعي الإيرانية، الأمر الذي سوف يمثّل تهديداً كبيراً لأمن إيران الغذائي، خصوصاً مع الخسائر الفادحة التي ألحقتها السيول والفيضانات بأكثر من مليون هكتار من الأراضي الزراعية بالإضافة إلى المشكلات الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الأميركية على البلاد.
وأوضح نجار أنّه في إطار عمليات مكافحة الجراد الخطير، رُشّت السموم على 60 ألف هكتار من أصل 300 ألف هكتار يجتاحها الجراد. من جهته، أكّد المدير العالم لدائرة مكافحة الآفات في مصلحة حماية النباتات، سعيد معين، في تصريح لوكالة "فارس" الإيرانية، في وقت سابق من الشهر الجاري، على ضرورة التصدي للجراد على نطاق 150 إلى 200 ألف هكتار من أراضي المحافظات الستّ، قائلاً إنّه "خطير جداً وهو يلتهم أيّ نبات في طريقه ويقضي عليه". ورداً على سؤال حول سبب عدم مهاجمة الجراد للمحاصيل الزراعية في خلال الشهرين الماضيَين بعد دخوله إلى البلاد، قال معين إنّه "انشغل في تلك المدّة بالتكاثر في المنطقة". أضاف أنّ "مكافحته منذ اللحظة الأولى لدخوله إلى البلاد حالت دون التسبّب في خسائر حتى اللحظة".
وفي وقت حذّرت فيه السلطات الإيرانية المعنية من موجات أخرى من أسراب الجراد في المقبل من الأيام مع اقتراب حلول فصل الصيف، رفعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) تحذيرها من خطورة الوضع الناجم عن هجوم الجراد في إيران درجة واحدة، من الأصفر إلى البرتقالي. وفي السياق، أعربت مصلحة حماية النباتات في إيران عن قلقها من اجتياح أسراب جديدة من الجراد للأراضي الإيرانية في المقبل من الأيام، لافتة إلى أنّها "سوف تكون ما بين خمسة و10 أضعاف ما دخل حتى الآن". وشرحت المصلحة أنّ "الأسراب الجديدة سوف تدخل البلاد على شكل مجموعات يصل عدد كلّ منها إلى 50 مليون جرادة".
وأكّد نجار أنّ الجراد الصحراوي الذي يجتاح الأراضي الإيرانية يحلّق على مسافات طويلة جداً تصل إلى أربعة آلاف كيلومتر، لدرجة أنّه قد يعبر المحيطات كذلك. أضاف أنّه انطلق من شمال أفريقيا ووصل إلى الأراضي الإيرانية بعد عبوره السعودية. أمّا مدير مصلحة حماية النباتات التابعة لمنظمة الجهاد الزراعي في محافظة هرمزجان، حميد دولتي، فشرح أنّ "هذا الجراد يملك القدرة على التحليق لمسافات تراوح ما بين 200 و250 كيلومتراً في اليوم. وفي حال كانت الرياح في اتجاه حركته، في إمكانه التحليق ما بين 500 و1000 كيلومتر".
في سياق متصل، وفي حين رأى نجار أنّ السعودية لم تكافح الجراد، إذ إنّه لم يهاجم أراضيها الزراعية، فإنّ مسؤولين إيرانيين آخرين يتّهمونها بتسهيل دخول ذلك الجراد إلى الأراضي الإيرانية من خلال امتناعها عن مكافحته. وفي هذا الإطار، قال معين إنّ الرياض "تعاملت بمكر مع موضوع مكافحة الجراد وعدم إظهار جديّة في مكافحتها"، مؤكداً أنّها "كانت تعلم جيداً أنّ ذلك الجراد هو في طريقه إلى إيران". كذلك، أعلن رئيس مصلحة حماية النباتات، محمود درغاهي، أنّ "فاو" سوف ترسل مبعوثاً لها إلى إيران للبحث في إمكانية وجود تعمّد محتمل في هجوم الجراد على الأراضي الإيرانية.
من جهة أخرى، انتقد معين عدم توفّر التمويل اللازم لمواجهة أسراب الجراد، قائلاً إنّ "لجنة الأزمات كانت قد أقرّت تخصيص 12 مليار تومان (839 ألف دولار أميركي) لكنّه تمّ تقليصه إلى 10 مليارات تومان (699 ألف دولار)". وشدّد على "ضرورة تخصيص التمويل لعملية مكافحة الجراد الصحراوي الذي يُعَد من أخطر أنواع الجراد في العالم"، محذّراً من أنّ "أيّ قصور في ذلك يمثّل تهديداً لأمننا الغذائي، خصوصاً أنّ البلاد مقبلة على موسم حصاد المحاصيل الأساسية مثل القمح".
وكشفت وكالة "تسنيم" الدولية للأنباء في هذا المجال، أنّ وزير الجهاد الزراعي، محمود حجتي، وجّه في وقت سابق من الشهر الجاري رسالة ثانية إلى السلطات المعنيّة لتوفير التمويل اللازم للتصدّي للجراد. أمّا منظمة حماية النباتات الإيرانية فقد أعلنت عن "تسليم المحافظات الإيرانية الستّ سبعة مليارات تومان (489 ألف دولار) بالإضافة إلى معدات لمكافحة الجراد"، لافتة إلى أنّها تقدمت بطلب آخر للحصول على 10 مليارات تومان (699 ألف دولار) إضافية.