الجامع الأزرق... ترميم بعد 400 عام للحفاظ على هيبته

31 مايو 2019
ما زال يحافظ على تألّقه (أوزان كوزيه/ فرانس برس)
+ الخط -
يخضع جامع السلطان أحمد الذي شُيّد قبل أكثر من 400 عام، والذي يُشتهر باسم "الجامع الأزرق"، لعملية ترميم كبرى بعدما تنبّهت السلطات التركية إلى ميل في مآذنه، وبالنسبة إلى مديرية الأوقاف الأولى في إسطنبول، فإنّ غضّ النظر عن ذلك الميل بالإضافة إلى التشققات قد يودي بأبرز جوامع تركيا وأشهرها.

وشرحت المتخصصة بالتاريخ الإسلامي، سمية يازجي، أنّ الترميم بدأ إسعافياً في شرفات المآذن الستّ قبل فكّ إحداها، غير أنّ قِدم الجامع تطلّب أعمال ترميم أخرى في الداخل والخارج، ومن المرجّح أن تتطلّب عملية الترميم فكّ مئذنتَين أخريَين، لافتة إلى احتمال استمرار أعمال الترميم ما بعد عام 2020، بحسب مخططات أوقاف إسطنبول".

تضيف يازجي لـ"العربي الجديد": "لن نقول إنّ ترميمه سوف يتطّلب ثمانية أعوام مثلما تطلّب بناؤه، وليس سبعة كما يقال. لكنّه لن ينتهي قبل خمسة أعوام، من تاريخ البدء به في يوليو/ تموز 2017، خصوصاً أنّ ساعات العمل جزئية لأنّه لم يغلق أبوابه قطّ". موضحة أنّ "المسجد افتتح رسمياً في عام 1617، أي بعد وفاة السلطان أحمد بعام واحد، وقد تكفّل بالتكاليف وإتمام البناء خليفته السلطان مصطفى الأول".

ثمّة من يدّعي أنّ مسجد السلطان أحمد هو الأضخم في العالم، الأمر الذي تصوّبه يازجي قائلة: "أظنّ أنّ هذا الكلام مبالغ فيه، لأنّ المسجد الحرام بمكّة المكرمة بالسعودية هو الأكبر في العالم ويتّسع لنحو مليونَي مصلّ، بعده يأتي المسجد النبوي بالمدينة المنوّرة، ثمّ مسجد الاستقلال بأندونيسيا، ومسجد الملك فيصل بباكستان، ومسجد رضا بإيران. وربما يأتي بعدها مسجد تشامليجا بتركيا الذي يتّسع لنحو 60 ألف مصل".

تضيف أنّ "جامع السلطان أحمد ربّما كان الأكبر في تركيا وربّما العالم عند بنائه. ولعلّ أهميته تكمن في أنّه يقع في جوار آيا صوفيا، وقد أتى بهذه الضخامة ليدلّ على عظمة فنّ العمارة في العهد العثماني. ومساجد السلاطين تكون عادة مع أربع مآذن، في حين أنّ الأخرى تأتي بمئذنة واحدة أو مئذنتَين، لكنّ جامع السلطان أحمد شُيّد مع ستّ مآذن و200 نافذة. وهو بالتالي الوحيد في تركيا بعدد مآذنه، لكنّ قبّته التي ترتفع 43 متراً بقيت أقصر من قبّة آيا صوفيا".



يُذكر أنّ جامع السلطان أحمد الذي يطلّ على مضيق البوسفور وبحر مرمرة، يحمل بصمات من الفنّ المعماري البيزنطي وكذلك العثماني. وهو يشتهر باسم "الجامع الأزرق" نسبة إلى اللون الأزرق الذي يغلب على الخزف فيه وكذلك الزجاج والإنارة، فجدرانه الداخلية تكتسي بأكثر من 20 ألف قطعة من السيراميك المنقوشة يدوياً باللون الأزرق.

يُحكى أنّ بناء جامع السلطان أحمد لم يأتِ برضى المفتي ورجال الدين في زمن أحمد الأول، لأنّه أمر ببنائه في فترة عصيبة مرّت بها الدولة العثمانية بسبب خسارتها في بعض الحروب، ولأنّ تمويله كان من خزينة الدولة وليس من غنائم الحروب مثلما جرت العادة بالنسبة إلى مساجد السلاطين. كذلك يُحكى أنّ ثمّة اعتراضاً سُجّل على عدد المآذن لأنّ بعدد مآذن المسجد الحرام نفسه، الأمر الذي دفع الخليفة أحمد الأول إلى إصدار أمر ببناء مئذنة سابعة للمسجد الحرام. لكنّ رواية أخرى تشير إلى أنّ عدد مآذن المسجد الحرام كان سبعة في الأساس، وقبل بناء جامع السلطان أحمد بنحو قرن.

في سياق متصل، زار كبار من زعماء العالم جامع السلطان أحمد في إسطنبول، منهم البابا بنديكتوس السادس عشر في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2006. يُقال إنّ بابا الفاتيكان توجّه في أثناء زيارته للمسجد صوب قبلة المسلمين وأدّى صلاة صامتة بعدما أغمض عينَيه لمدّة دقيقتَين. وقد صرّح بعد ذلك، وهو يقف إلى جانب مفتي إسطنبول وقتذاك، مصطفى جاغرجي، بأنّ "كل المؤمنين يستطيعون تحديد أنفسهم من خلال إيمانهم بإله واحد وشهادتهم بالأخوّة الحقيقية". يُذكر أنّ البابا بنديكتوس توقّع أن تكون تركيا "جسراً للصداقة والتعاون بين الشرق والغرب".







كذلك، زار الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما جامع السلطان أحمد في عام 2009، آتياً من براغ عاصمة جمهورية التشيك بعد مشاركته في قمّة جمعته مع قادة 27 دولة في الاتحاد الأوروبي، علماً أنّ أوباما حثّ في خلالها قادة دول الاتحاد الأوروبي على قبول انضمام تركيا إلى الاتحاد بعضوية كاملة. وفي اليوم الثاني والأخير من زيارته الرسمية لتركيا، التقى أوباما مجموعة من علماء الدين المسلمين ورجال دين مسيحيين ويهود، وقام بجولة على عدد من معالم إسطنبول السياحية والدينية من بينها متحف آيا صوفيا.