04 نوفمبر 2024
الجامعة العربية الحاضرة الغائبة
الحاضر الغائب، هذا هو الوصف الأمثل لحالة جامعة الدول العربية، وموقفها من الأزمة الخليجية الراهنة. وقد انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صورة ساخرة للافتة شارع شهير في القاهرة باسم "جامعة الدول العربية"، مضافاً للاسم "ما عدا قطر"، في سخريةٍ لاذعة من موقف الجامعة السلبي تجاه الأزمة.
ومنذ نشأتها، لم تكن الجامعة على مستوى تطلعات شعوبها، خصوصاً في الأعوام الأخيرة، فجاءت مواقفها من ثورات الربيع العربي وما أفسدها من ثوراتٍ مضادّة أو حروبٍ أهلية، تجسد بامتياز مواقف الحكومات وحساباتها، وقدرة كل منها على الحشد والاستقطاب خارج الجامعة وداخلها.
في الأزمة الخليجية الحالية، تستمر جامعة الدول العربية في لعب دور الأصم الأبكم، الذي يرى كل شيء، ويعي ما يجري، لكنه لا يفعل شيئاً بالمرة، كأنه ليس معنياً، أو كأن ما يراه بعينيه حلم غير واقعي، سرعان ما سينتهي، وتعود الأمور إلى نصابها.
على مدى شهر، توارت جامعة الدول العربية عن الأحداث المتلاحقة، واكتفى أمينها العام، أحمد أبو الغيط، فور نشوب الأزمة، بتصريح باهت أعرب فيه عن أمله "بأن يتم تجاوز الأزمة القطرية الخليجية قريباً"، وكأنه يتحدّث باسم منظمة في أقصى الكرة الأرضية، وليست جامعة الدول العربية. وبعد ثلاثين يوماً، كشف أبو الغيط سراً خطيراً، أن الجامعة تحاول إيجاد حل للأزمة مع قطر "من خلال تبنيها للوساطة الكويتية"، وأن الجامعة ستتدخل إذا طُلب منها ذلك. لكن، يجب هنا تذكّر أن الجامعة تحرّكت بسرعة في مطلع الثورة الليبية، واستدعت القوى الدولية لمواجهة معمر القذافي، كما بادرت إلى تدخلٍ غير مسبوق في بدايات الثورة السورية، لكنها سرعان ما انسحبت ورفعت أيديها، تاركة الشعبين الليبي والسوري لصراعات القوى الداخلية والخارجية. وسواء في التدخل ثم في الانسحاب، امتلكت دولٌ عربيةٌ زمام المبادرة وتوجيه دفة القرار، وسط توافقٍ وقبول من بقية الدول الأعضاء. أما في الأزمة الحالية، فلا طرف يملك المبادأة، أو يضمن مواقف مواتية من بقية الدول.
أمام الانتقادات والتساؤلات بشأن غياب الجامعة قولاً وفعلاً، كان أبو الغيط صريحاً عندما خرج أخيراً الأربعاء الماضي، ليُقر بحرج موقف جامعة الدول العربية، وأن الدول المقاطعة لقطر "تتفهم" موقف الجامعة، الذي هو في حقيقته "لا موقف". لكن ما لم يقله أن جانباً من الحرج وحساسية الموقف يتعلق به شخصياً، فقد كانت الدوحة أكثر الدول العربية تحفظاً لترشحه للمنصب قبل عام. وقبل اندلاع تلك الأزمة بشهور، كان أبو الغيط في زيارة لقطر، امتدح فيها الدوحة وأثنى على دعمها الجامعة، فيما بدا وقتها محاولةً منه لترميم العلاقة مع قطر التي تحفظت على اختياره للمنصب. لكن من الظلم للرجل وللجامعة، تقييم مواقف الجامعة وفعاليتها من خلال شخص أمينها العام أو توجهاته السياسية، فهو ليس إلا "موظفاً"، أقرب إلى سكرتير تنفيذي للدول الأعضاء في المنظمة، وليس رئيساً لها أو صاحب قرار.
يعبر "لا موقف" جامعة الدول العربية عن عجز مؤسسي ووظيفي فيها، ويعكس رفض أغلبية الدول الأعضاء تحرّكات الدول الأربع. وإذا كانت خشية أبو الغيط من التدخل في الأزمة مُبرّرة شخصياً، فهي مفهومة مؤسسياً. فمعظم الدول العربية لا تُقر الدول الأربع على إجراءاتها بحق قطر، ويدرك أبو الغيط ذلك. كما تعيه جيداً الدول الأربع المقاطعة لقطر. لذا امتنعت عن نقل الأزمة إلى أروقة الجامعة. بينما قامت بمحاولات لحشد موقف دولي، بل وتأليب مجلس الأمن ضد الدوحة. ولو ضمنت دول المقاطعة حداً أدنى من الاستجابة داخل الجامعة، لما تردّدت في حصار قطر، وفرض عقوباتٍ ضدها داخل الجامعة. ولن تتوقف محاولات الدول الأربع لحشد موقف عربي داخل الجامعة، بل ستستمر في محاولاتها في الأشهر المقبلة، وستبحث عن حجج جديدة للاستقواء بها أمام بقية الدول العربية، قبل انعقاد القمة العربية التالية.
ومنذ نشأتها، لم تكن الجامعة على مستوى تطلعات شعوبها، خصوصاً في الأعوام الأخيرة، فجاءت مواقفها من ثورات الربيع العربي وما أفسدها من ثوراتٍ مضادّة أو حروبٍ أهلية، تجسد بامتياز مواقف الحكومات وحساباتها، وقدرة كل منها على الحشد والاستقطاب خارج الجامعة وداخلها.
في الأزمة الخليجية الحالية، تستمر جامعة الدول العربية في لعب دور الأصم الأبكم، الذي يرى كل شيء، ويعي ما يجري، لكنه لا يفعل شيئاً بالمرة، كأنه ليس معنياً، أو كأن ما يراه بعينيه حلم غير واقعي، سرعان ما سينتهي، وتعود الأمور إلى نصابها.
على مدى شهر، توارت جامعة الدول العربية عن الأحداث المتلاحقة، واكتفى أمينها العام، أحمد أبو الغيط، فور نشوب الأزمة، بتصريح باهت أعرب فيه عن أمله "بأن يتم تجاوز الأزمة القطرية الخليجية قريباً"، وكأنه يتحدّث باسم منظمة في أقصى الكرة الأرضية، وليست جامعة الدول العربية. وبعد ثلاثين يوماً، كشف أبو الغيط سراً خطيراً، أن الجامعة تحاول إيجاد حل للأزمة مع قطر "من خلال تبنيها للوساطة الكويتية"، وأن الجامعة ستتدخل إذا طُلب منها ذلك. لكن، يجب هنا تذكّر أن الجامعة تحرّكت بسرعة في مطلع الثورة الليبية، واستدعت القوى الدولية لمواجهة معمر القذافي، كما بادرت إلى تدخلٍ غير مسبوق في بدايات الثورة السورية، لكنها سرعان ما انسحبت ورفعت أيديها، تاركة الشعبين الليبي والسوري لصراعات القوى الداخلية والخارجية. وسواء في التدخل ثم في الانسحاب، امتلكت دولٌ عربيةٌ زمام المبادرة وتوجيه دفة القرار، وسط توافقٍ وقبول من بقية الدول الأعضاء. أما في الأزمة الحالية، فلا طرف يملك المبادأة، أو يضمن مواقف مواتية من بقية الدول.
أمام الانتقادات والتساؤلات بشأن غياب الجامعة قولاً وفعلاً، كان أبو الغيط صريحاً عندما خرج أخيراً الأربعاء الماضي، ليُقر بحرج موقف جامعة الدول العربية، وأن الدول المقاطعة لقطر "تتفهم" موقف الجامعة، الذي هو في حقيقته "لا موقف". لكن ما لم يقله أن جانباً من الحرج وحساسية الموقف يتعلق به شخصياً، فقد كانت الدوحة أكثر الدول العربية تحفظاً لترشحه للمنصب قبل عام. وقبل اندلاع تلك الأزمة بشهور، كان أبو الغيط في زيارة لقطر، امتدح فيها الدوحة وأثنى على دعمها الجامعة، فيما بدا وقتها محاولةً منه لترميم العلاقة مع قطر التي تحفظت على اختياره للمنصب. لكن من الظلم للرجل وللجامعة، تقييم مواقف الجامعة وفعاليتها من خلال شخص أمينها العام أو توجهاته السياسية، فهو ليس إلا "موظفاً"، أقرب إلى سكرتير تنفيذي للدول الأعضاء في المنظمة، وليس رئيساً لها أو صاحب قرار.
يعبر "لا موقف" جامعة الدول العربية عن عجز مؤسسي ووظيفي فيها، ويعكس رفض أغلبية الدول الأعضاء تحرّكات الدول الأربع. وإذا كانت خشية أبو الغيط من التدخل في الأزمة مُبرّرة شخصياً، فهي مفهومة مؤسسياً. فمعظم الدول العربية لا تُقر الدول الأربع على إجراءاتها بحق قطر، ويدرك أبو الغيط ذلك. كما تعيه جيداً الدول الأربع المقاطعة لقطر. لذا امتنعت عن نقل الأزمة إلى أروقة الجامعة. بينما قامت بمحاولات لحشد موقف دولي، بل وتأليب مجلس الأمن ضد الدوحة. ولو ضمنت دول المقاطعة حداً أدنى من الاستجابة داخل الجامعة، لما تردّدت في حصار قطر، وفرض عقوباتٍ ضدها داخل الجامعة. ولن تتوقف محاولات الدول الأربع لحشد موقف عربي داخل الجامعة، بل ستستمر في محاولاتها في الأشهر المقبلة، وستبحث عن حجج جديدة للاستقواء بها أمام بقية الدول العربية، قبل انعقاد القمة العربية التالية.