الجامعات المغربية الخاصّة: أطبّاء للبيع

04 نوفمبر 2016
(مشهد من إحدى الجامعات المغربية، تصوير: توماس كوهلر)
+ الخط -

يدخل المغرب أخيرًا عصر الجامعات الخاصّة بعد تمنّع طويل، وإجراءاتٍ تمهيدية متدرّجة، تُوّجت بمصادقة مجلس الحكومة في آخر لحظة، على مرسومٍ يخفّف من شروط التّرخيص لجامعات خاصّة. الأمر الذي يفتح المجال أمام الاعتراف بمعادلة شهادات مؤسّسات التعليم العالي الخاصّة، التي بدأت تفقد بريقها بعد تعثّر معادلة شهاداتها بالشهادات المحصّل عليها من جامعات عمومية.

وكانت الشروط التي ترخّص للمؤسسات التعليمية بحمل تسمية "جامعة خاصة"، تقفُ عثرة أمام الاعتراف بالشهادات المحصّل عليها من مؤسّسات التّعليم العالي الخاصّة؛ بسبب أنّها كانت تفتح المجال للحاصلين عليها للعمل في مؤسّسات خاصة فقط، بينما كان باب الوظائف العمومية مغلقًا أمام حاملي شهاداتها. قبل هذا، كانت كلّ مؤسّسات التّعليم العالي الخاصة تحمل مسمّى "معهد" أو "مدرسة عليا"، باستثناءات قليلة.

ويطرح الاعتراف بمؤسسات التّعليم العالي الخاصّة كجامعات، مسألة معادلة شهادات هذه الجامعات بشهادات الجامعات الرّسمية، وإمكانية قبول خرّيجيها في الوظيفة العمومية، وكذلك مدى قدرة هذه الجامعات على الرّفع من مستوى طلبة الجامعات الرّسمية بخلق جوّ من المنافسة، وإمكانية إغراقها لسوق الشّغل بشهادات تمّ عرضها للبيع، من دون أن يرافقها تكوين حقيقي.

اعتماد نظام الجامعات الخاصة في المغرب، أتى متأخرًا، لكنه بدأ منذ سنوات عديدة عبر السّماح باستثناءات قليلة، خاصة للمؤسّسات التي تحمل بعدًا دوليًا، مثل الجامعة الدولية في الرباط، والجامعة الإنكليزية في طنجة.

بدأت هذه الجامعات عملها قبل أن يوجد إطار قانوني يسمح بنشاطها. في مقابل ذلك، قامت جامعتان، قصد تدارك الفراغ القانوني بتوقيع اتّفاقيات مع وزارة التّعليم العالي والبحث العلمي، وحصلت بموجبها على الموافقة المبدئية للشّروع في العمل.

ووصل عدد الطلبة المستفيدين من التّعليم العالي الخاص في المغرب في الموسم الدراسي السّابق إلى 35 ألف طالب، فيما وصل عددهم إلى 800 ألف طالب في التعليم العمومي، ما يؤكد أن دواعي التّرخيص للجامعات الخاصّة، كان من أجل تخفيف الاكتظاظ التي تعرفه الجامعات العمومية.

لكن نظرًا لارتفاع تكاليف الدراسة بالمؤسّسات الخاصّة، سيبقى الاستقطاب فيها محدودًا. إذ تصل تكاليف الدراسة في بعض هذه الجامعات إلى 70 ألف درهم (7000 دولار) في السّنة مثل جامعة هندسة الطيران في الرباط، على سبيل المثال.

وتجذب التّخصّصات الطبيّة اهتمام الطلبة المستقطبين من هذه الجامعات، فيتّجه عدد متزايد منهم، حسب تقريرٍ لوزارة التّعليم العالي إلى الانتساب للعلوم الطبيّة بنسبة 57 في المائة من العدد الإجمالي للطّلاب، في حين تراجع التسجيل بشعب تسيير التجارة والاقتصاد والتواصل بنسبة 19 في المائة، مقارنة مع السنة الدراسية السابقة.

ويعترف تقرير الوزارة بوجود خمس جامعات للتّعليم العالي الخاصّ، مرخّص لها من طرف وزارة التعليم العالي في المغرب، و184 مؤسسة لتكوين الأطر و77 باحتساب الملحقات، هذا دون احتساب الجامعات المحسوبة على القطاع شبه العمومي، والمتواجدة في العاصمة الرباط.

وصرّح الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي عبد الكريم مادون، في حديث إلى "جيل العربي الجديد"، بأن النّقابة تعارض هذا التّوجه الذي يضرب في نظره التّعليم العمومي. وانتقد سياسة الحكومة في مجال التّعليم العالي لأنها سياسة غير واضحة المعالم، فمرّة تُسمِّي مؤسسات التّعليم العالي الخاصّة بجامعات في إطار شراكة، ومرّة تمنحها أسماء أخرى.

وذهب إلى أنّ المرسوم الذي صادقت عليه الحكومة، يقضي على الجامعة العمومية عبر منح صفة جامعة لمؤسّسات لا يتجاوز معدّل استقطابها 300 طالب.

وصرّح مادون، بوجود 6 جامعات خاصّة في إطار شراكة مع وزارة التعليم العالي، و26 جامعة أخرى تنتظر تفعيل الاعتراف بها، بفضل هذا المرسوم الذي اعتبره خطيرًا ويمسّ بمصداقية التّعليم في المغرب. فهذه الجامعات سيكون بمقدورها منح شهادات معادلة لشهادات الجامعات العمومية، الأمر الذي سيضربُ مصداقية هذه الأخيرة.

وأشار إلى أن النّقابة سبق لها في بيان أصدرته في 16 سبتمبر/أيلول، أن انتقدت السّياسة الحكومية في مجال التّعليم العالي، لأنها تعمل على جعله تعليمًا عاليًا بسرعات وقوانين متعدّدة، دون استشارة الأساتذة أو النّقابة.

المساهمون