ما زالت الإدارة التونسية تعتمد على توضيب الرفوف وتكديس الوثائق، وينعكس قصور هذا "التخلّف" الإداري، في حجم العبء المسلّط على المواطن جراء عجزها عن تحقيق التحوّل الرقمي والانخراط في "اقتصاد المعرفة" و"الاستثمار في البيانات الكبيرة"، حيث قد يتنقّل طالب جامعي من تطاوين إلى بنزرت، أي مسافة ما يزيد عن 600 كلم، لمجرّد تسليم أوراق الترسيم في شهر سبتمبر/أيلول ويقفل بعدها راجعًا من حيث أتى.
بالكاد يعرف الطالب التونسي أن المؤسّسة التي يدرس بها تشتمل على موقع إلكتروني، ذلك أن مواقع الجامعات لا توفّر عمومًا كل حاجياته مقارنة بالدول الرائدة في هذا المجال إذ تقتصر خدماتها تقريبًا على عرض هيكلة المؤسّسة الجامعية ومراحل التكوين والاختصاصات التي توفّرها للطالب، فيما يظلّ الطلاب مجبرين على تحرير المطالب الكتابية للتحصّل على شهادات الحضور أو كشوف الأعداد السنوية.
مواقع من دون تحديث
مواقع الجامعات التونسية خارج الزمن، ولا تلبّي الحاجة لأنها لا تخضع للتحيين الكافي ما قد يدفع الطالب للتنقل مئات الكيلومترات ودفع تكاليف التنقل وغيرها، فقط للحصول على جداول الأوقات أو نتائج الامتحانات.
تونس، التي ما زالت، حتى سنة 2017، خارج قائمة الخمسين دولة لمؤشر الاتصالات العالمي لسنة 2017، لم تظهر أكثر مؤسّساتها تعاملاً مع فئة الشباب أي اهتمام بانتظارات هذه الفئة. ما أثر على علاقة الطالب بمؤسسته الأكاديمية.
في كلية العلوم الاقتصادية والتصرف بتونس، على سبيل المثال، لم يتمّ تحيين موقعها الإلكتروني إلى حدّ كتابة هذه الأسطر منذ 28 يونيو/ حزيران 2016 وفي كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمدينة منوبة، لم تضف الجامعة إلى محتواها الإلكتروني أي سطر منذ ما يربو عن ستة أشهر ما يعني بالضرورة ابتعاد الطالب عن هذه المواقع وعدم تذكّرها سوى مرة في السنة أو مرتين، إذا ما حان موعد البحث عن وثائق الترسيم أو كشوف الأعداد التي لا تتوفّر في جلّ الجامعات والمعاهد العليا.
ففي عصر رقمنة المعلومة وكسر حاجز المسافة احترامًا لصاحب الحق في الوصول إليها، لا تُعير إدارات المعاهد العليا لذلك اهتمامًا ولا ترى واجبًا عليها في توفيرها، بل تتمسّك بإبقاء الطالب مطاردًا للمعلومة ومنهكًا لأجلها. وهو ما يوسّع الهوّة بين الطرفين ويجعل من الإدارة مدانة بالإهمال واللامبالاة في الوقت الذي يفترض بها أن تكون حاضنة ثقافية ومعرفية للطالب، تشتمل على قدرات اتصالية مرجعية.
لا يمكنك العبور
ليس غريبًا أن تضغط على رابط الأخبار في كلية الآداب بـمنوبة على وجه المثال، وهي التي تؤمّن الدراسة لآلاف الطلبة في الآداب والفنون والإنسانيات فتنتقل إلى صفحة بيضاء أو أن تبحث في محرّك البحث "غوغل" عن المواقع الإلكترونية للجامعات التونسية، فلا يمكنك المرور بسبب عطل في الموقع. إذ دائمًا ما تتكرّر الأعطاب التقنية ولا تستغرب أن مؤسّسة مثل معهد ابن شرف المتخصّص في الآداب والإنسانيات لا يملك موقعًا إلكترونيًا في الوقت الحالي إذ يعود محتوى موقعه إلى سنة 2009، وهو لا يعمل حاليًا. زد على كل هذا بساطة مواقع الجامعات والمعاهد العليا وعدم مواكبة تصاميمها للتطوّر التكنولوجي في هذا المجال.
نور بن سالم طالبة مرحلة ماجستير بـ كلية 9 أبريل، لخّصت مشاكل المواقع الإلكترونية للجامعات في بطئها الشديد ومعضلة كلمة العبور التي تفرض عليك أحيانًا تغييرها في كل مرة تحاول الولوج إلى حسابك عبر موقع بعض الجامعات، كما ذكرت أن إحدى صديقاتها خسرت سنة دراسية كاملة بسبب تعطّل بوابة التقدّم للماجستير على الموقع قبل يومين من الموعد المعلن عنه من قبل معهد الفنون الجميلة بباب سعدون.
ففي حقيقة الأمر تمثل بوابات الجامعات الإلكترونية إشكالًا جوهريًا للطالب؛ لأنها إما لا توفّر له ما يتعين أن يتحصّل عليه من متابعة للمستجدات عن بُعد، أو أنها لا تقوم بأبسط الأدوار الموكلة إليها كما يجب، مثل التسجيل في مرحلتي الماجستير والدكتوراه ما قد يتسبّب في خسارات فادحة للطالب في ما يتعلّق بالوقت والجهد.
إهمال حكومي
الملحقة الصحافية والأستاذة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بجامعة منوبة، سمية بن رجب، أرجعت أزمة المواقع الإلكترونية للجامعات إلى خمسة أسباب رئيسية وهي: أنه في العادة لا يوجد شخص مسؤول على جمع المادّة الخاصّة بالموقع، ثانيًا الموقع هو على ذمّة جميع المصالح الإداريّة. ثالثًا، الموقع أصعب في عمليّة إدراج الصور ومقاطع الفيديو من الصفحات الاجتماعيّة، رابعًا، يخضع إلى رقابة إدارية في مستوى المحتوى لكونه يجسّد صحيفة يوميّة للإعلانات الإدارية والقرارات المنشورة وغيرها، وأخيرًا، الموقع لا يحتمل عادة كمّاً كبيرًا من المعلومات الآنية.
بن رجب أكدت أيضًا ضرورة اتخاذ الحكومة قرارًا يقضي بوضع مكلف بالاتصال بكل مؤسّسة تعليمية ما، من شأنه أن يقدم حلاً للتحوّل الرقمي ويمنح أصحاب الشهادات في الاختصاص وظائف أخرى.
رغم القفزة النوعية التي تعيشها الوسائط التقنية والتكنولوجية في العالم المتقدّم، والتعويل عليها كرافد من روافد النهضة الاقتصادية وتسهيل الخدمات الإدارية التي تفضي إلى التخلّي عن الورق واختزال المجهود البشري، لا تزال الجامعات العمومية التونسية تعاني تكلسًا جذريًا يمنعها من المضي قدمًا في مجاراة نسق التطوّر الاتصالي الذي يجيده طلابها، ولا تطاوله هي بسبب عدم وجود إرادة رسمية لحلّ هذه المعضلة وتحقيق ثورة حقيقية لرقمنة الإدارة.