الثورة ليست دكاناً

07 نوفمبر 2017
أخفقت الدولة في تأسيس شرعية الإرادة الشعبية(فرانس برس)
+ الخط -
عندما تحلّ الاستحقاقات الانتخابية في الجزائر، تبادر السلطة وأحزاب الموالاة إلى استدعاء الخطاب "الثوري"، فثورة التحرير لا تزال بالنسبة للمؤسسة الرسمية وكياناتها دكاناً وسجلاً سياسياً قابلاً للإحياء، والجزائر التي بصدد الجيل الثالث بعد الاستقلال، لم تخرج بعد من منطق "الحق الثوري في الحكم". في مايو/أيار 2012، وفي آخر خطاب سياسي سمعه الجزائريون من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قبل وعكته الصحية، قال إن عهد الشرعية الثورية قد انتهى، لكن الرئيس ومؤسسة الحكم لم تكن قد هيّأت شرعية أخرى تقف عليها، فاختارت العودة سريعاً أو بالأحرى البقاء في النطاق ذاته المستند إلى الشرعية الثورية، وخصوصاً أن الرئيس بوتفليقة نفسه يدرك أن الانتخابات في الجزائر، والتي كان الجيش وجهاز الاستخبارات يدبرانها ويديرانها ويؤثثانها سواء قبل عام 1988 أو ما بعده، وبما فيها الانتخابات التي حملته إلى سدة الحكم عام 1999، تمنح مفتاح قصر الرئاسة، لكنها لا تمنح الشرعية السياسية والمشروعية الكاملة، وأن هذه الانتخابات تسمي حاكماً أو نائباً في البرلمان، لكنها لا تنتج رئيساً أو برلمانياً بالمعنى الديمقراطي. ذلك أن أساس اختيارات الدولة العميقة للمرشحين للرئاسة أو للبرلمان ما زال يتم خارج المؤسسة الحزبية، ويستند إلى شرعية الثورة والولاء، أكثر من أي مستند آخر.

خلال 50 سنة من الحكم، لم تخرج الدولة الوطنية في الجزائر من أساسها الثوري الذي يصيغ خطابها ويحدد سياساتها الرسمية ومواقفها السياسية، والذي يعدّ المرجع الذي تحتكم إليه في صراعها مع الكيانات والمجموعات السياسية والمدنية المحلية التي تطالب بالتغيير، ونقل التفكير في المستقبل من السياق الثوري الذي لم يعد منسجماً مع متطلبات صناعة المستقبل ولا يسهم في تفكيك المآزق التي انتهى إليها المجتمع الجزائري. وخلال نصف قرن، أخفقت الدولة الوطنية في تأسيس شرعية الإرادة الشعبية التي ظلّت مصادرة حتى خلال الاستحقاقات الانتخابية التعددية ظاهرياً، وأخفقت لاحقاً في تأسيس شرعية المعرفة والكفاءة، ولم تنجح، أو لم تحاول بالمطلق الانتقال من شرعية الثورة إلى شرعية البرنامج الذي ينقل البلد إلى مسار الدولة الحديثة على متكأً المعرفة.

 خطاب أحزاب الموالاة في الجزائر خلال الانتخابات البلدية الراهنة، المتخم بنسق الملحمة الثورية شكلاً ومضموناً، لا يعبّر فقط عن إفلاس سياسي واستغلال فادح للذاكرة الجماعية، لكنه يبرز افتقاد الأجهزة السياسية للسلطة إلى روح الحداثة والفكرة والمعرفة، والالتماس مع حدود المستقبل، ولذلك حدثت تلك القطيعة الرهيبة بين المؤسسة الحزبية في الجزائر، وبين جيل كامل من الشباب يعزف عن الانتماء والانخراط والممارسة السياسية ويعزف عن الانتخاب أيضاً. جيل لا يبدو أنه مستعد لتسليم مستقبله إلى ساسة يصرّون على العيش في جبة التاريخ وجلباب الماضي ويتعاطون مع البلد كغنيمة حرب.

المساهمون