01 نوفمبر 2024
الثورة لأجل أبو الغيط؟
"لماذا قمنا بالثورة؟ أنا لا أعلم لماذا قمنا بالثورة". الجملة مأخوذة من مشهد في مسرحية "الزعيم" للفنان عادل إمام. الجملة لا بد أن ترد في الذهن في أثناء متابعة خبر اختيار أحمد أبو الغيط أميناً عاماً لجامعة الدول العربية. مواقف أبو الغيط السابقة وتأييده العلني لإسرائيل في عدوانها على قطاع غزة في عام 2008 جزء من المشهد الذي يؤشر الى أين يسير العمل العربي المشترك، وأي دركٍ هو ماض في اتجاهه.
غير أن المشهد الأوسع قد يكون في شخص أبو الغيط وما يمثله في محيطٍ من المفترض أنه ثار لتغيير كل الوجوه والسياسات التي حكمت المنطقة العربية في العقود السابقة. ثورات جوبهت بمؤامرات مضادة متعددة الأشكال والألوان، منها ما هو داخلي بمساعدات خارجية، ومنها ما هو خارجي محض. عبد الفتاح السيسي في مصر لم يكن فاتحة هذه المؤامرات، فلها سابقات في سورية واليمن وليبيا، أخذت هذه البلاد إلى هاوية الحروب وحافة التقسيم. لعل السيسي هو خاتمة هذه المؤامرات، المسماة "ثورات مضادة"، وهي أبعد ما تكون عن مسمى الثورة. اختيار أبو الغيط، وبإجماع الأنظمة العربية مع تحفظات قليلة، يدعّم فكرة هذه الخاتمة التي ترسَّخ "المؤامرات" سنوات وسنوات، وتأتي لتقطع الطريق على أي آمالٍ لا تزال قائمة في إعادة الثورات إلى دربها الأساس.
ليس غريباً أن يرشح نظام السيسي أحمد أبو الغيط للأمانة العامة، فهذا النظام لم يعد يسعى إلى ممارسة التقية في كونه امتداداً مباشراً لنظام حسني مبارك. أصبح يجاهر في ذلك، وترشيح أبو الغيط ضمن هذه المجاهرة، فالرجل لا يملك من المؤهلات إلا أنه كان آخر وزير خارجية في عهد مبارك. وزير لم يسجل له أي إنجاز دبلوماسي سوى إنقاذ وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، من السقوط.
لكن، إذا كان أبو الغيط يمثل الانعكاس الأوضح لنظام السيسي، والذين يقفون حوله، يبقى السؤال حول هذا "التوافق العربي" الذي تم في اجتماع وزراء الخارجية العرب، علماً أن مثل هذا التوافق كان ولا يزال مستحيلاً، لكنه حضر بشكل مفاجئ في حالة أبو الغيط. قد يكون الأمر مرتبطاً بشقين، الأول ما يشكله الاختبار من إعادة عقارب الساعة إلى ما وراء الثورات والتغييرات، وإيصال رسالة عامة بأن العودة إلى 2011 وتحركاتها الشعبية لم تعد مجدية. تتوافق مثل هذه الرسالة عليها جميع الدول العربية من دون استثناء، حتى بالنسبة إلى تونس، والتي تعد ثورتها ناجحة نسبياً، كونها تركن إلى الآليات الديمقراطية. لا فرق بالنسبة إلى هذه الرسالة بين أنظمة ترفع رايات الممانعة ومحاربة إسرائيل، وأخرى مهادنة، أو على الأقل نائية بنفسها عن مثل هذه الشعارات. أبو الغيط في هذه الحالة وحّدها وأمّن "التوافق العربي" اللازم للاختيار. هذه الجزئية، تُضاف إلى أخرى مرتبطة عملياً بإيصال رسالة أخرى حول فقدان الأمل في العمل العربي المشترك، وضرورة تسريع إعلان وفاته، وقد يكون أبو الغيط مناسباً لذلك، باعتباره أبعد ما يكون عن الرؤى العربية، الشعبية وليست الرسمية. مثل هذا الرسالة أساساً موجودة في الأذهان العربية، ومنذ زمن بعيد، وأبو الغيط ليس إلا تكريساً لها.
من هذا المنطلق، ليس اختيار الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية عملية روتينية أو شكلية، بل أبعد من ذلك، وتحمل اعتبارات مباشرة وغير مباشرة كثيرة، تدور كلها في فلك "التيئيس من التغيير"، سواء في ما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، أو بالأنظمة الحاكمة اليوم في الوطن العربي. محاولات قديمة، أبو الغيط آخرها، لكنها كلها في السابق لم تجدِ، وهي بالتأكيد لن تجدي، لكنها ستزيد البين بين الشارع والأنظمة، وتضاعف الغضب المكبوت.
غير أن المشهد الأوسع قد يكون في شخص أبو الغيط وما يمثله في محيطٍ من المفترض أنه ثار لتغيير كل الوجوه والسياسات التي حكمت المنطقة العربية في العقود السابقة. ثورات جوبهت بمؤامرات مضادة متعددة الأشكال والألوان، منها ما هو داخلي بمساعدات خارجية، ومنها ما هو خارجي محض. عبد الفتاح السيسي في مصر لم يكن فاتحة هذه المؤامرات، فلها سابقات في سورية واليمن وليبيا، أخذت هذه البلاد إلى هاوية الحروب وحافة التقسيم. لعل السيسي هو خاتمة هذه المؤامرات، المسماة "ثورات مضادة"، وهي أبعد ما تكون عن مسمى الثورة. اختيار أبو الغيط، وبإجماع الأنظمة العربية مع تحفظات قليلة، يدعّم فكرة هذه الخاتمة التي ترسَّخ "المؤامرات" سنوات وسنوات، وتأتي لتقطع الطريق على أي آمالٍ لا تزال قائمة في إعادة الثورات إلى دربها الأساس.
ليس غريباً أن يرشح نظام السيسي أحمد أبو الغيط للأمانة العامة، فهذا النظام لم يعد يسعى إلى ممارسة التقية في كونه امتداداً مباشراً لنظام حسني مبارك. أصبح يجاهر في ذلك، وترشيح أبو الغيط ضمن هذه المجاهرة، فالرجل لا يملك من المؤهلات إلا أنه كان آخر وزير خارجية في عهد مبارك. وزير لم يسجل له أي إنجاز دبلوماسي سوى إنقاذ وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، من السقوط.
لكن، إذا كان أبو الغيط يمثل الانعكاس الأوضح لنظام السيسي، والذين يقفون حوله، يبقى السؤال حول هذا "التوافق العربي" الذي تم في اجتماع وزراء الخارجية العرب، علماً أن مثل هذا التوافق كان ولا يزال مستحيلاً، لكنه حضر بشكل مفاجئ في حالة أبو الغيط. قد يكون الأمر مرتبطاً بشقين، الأول ما يشكله الاختبار من إعادة عقارب الساعة إلى ما وراء الثورات والتغييرات، وإيصال رسالة عامة بأن العودة إلى 2011 وتحركاتها الشعبية لم تعد مجدية. تتوافق مثل هذه الرسالة عليها جميع الدول العربية من دون استثناء، حتى بالنسبة إلى تونس، والتي تعد ثورتها ناجحة نسبياً، كونها تركن إلى الآليات الديمقراطية. لا فرق بالنسبة إلى هذه الرسالة بين أنظمة ترفع رايات الممانعة ومحاربة إسرائيل، وأخرى مهادنة، أو على الأقل نائية بنفسها عن مثل هذه الشعارات. أبو الغيط في هذه الحالة وحّدها وأمّن "التوافق العربي" اللازم للاختيار. هذه الجزئية، تُضاف إلى أخرى مرتبطة عملياً بإيصال رسالة أخرى حول فقدان الأمل في العمل العربي المشترك، وضرورة تسريع إعلان وفاته، وقد يكون أبو الغيط مناسباً لذلك، باعتباره أبعد ما يكون عن الرؤى العربية، الشعبية وليست الرسمية. مثل هذا الرسالة أساساً موجودة في الأذهان العربية، ومنذ زمن بعيد، وأبو الغيط ليس إلا تكريساً لها.
من هذا المنطلق، ليس اختيار الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية عملية روتينية أو شكلية، بل أبعد من ذلك، وتحمل اعتبارات مباشرة وغير مباشرة كثيرة، تدور كلها في فلك "التيئيس من التغيير"، سواء في ما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، أو بالأنظمة الحاكمة اليوم في الوطن العربي. محاولات قديمة، أبو الغيط آخرها، لكنها كلها في السابق لم تجدِ، وهي بالتأكيد لن تجدي، لكنها ستزيد البين بين الشارع والأنظمة، وتضاعف الغضب المكبوت.