الثورة في عيون السيسي

10 نوفمبر 2014

يناير في عيون السيسي ليست ثورة حقيقية (11فبراير/2011/Getty)

+ الخط -

بينما تسير مصر على خطى ثورة يناير "بأستيكة"، خرج عبد الفتاح السيسي ليؤكد أن يناير كان "ثورة". ولا يمكن أخذ امتداحه هذا على محمل الجد، ما لم تصحبه قرارات وإجراءات تؤكده. وهو ما لم يحدث، وما من إشارة إلى احتمال حدوثه مستقبلاً. فقوله إن يناير ثورة، ووصفها بالمؤامرة "ظلم"، تكذبه الممارسة، وتثبت عكسه، بدليل عدم وقف الهجوم الإعلامي الشرس عليها، وعلى رموزها والقوى التي شاركت فيها. واتخاذ قرارات وسن قوانين معاكسة لما طالبت به الثورة، بل وتقييد كل الفرص المتاحة للاعتراض، أو الخروج، مجدداً، في محاولة صريحة لمنع تكرارها، على الرغم من استخدام 30 يونيو المنطق الشعبوي نفسه والآليات الشارعية نفسها.

من السهل تفسير التناقض بين الاعتماد على منطق الثورة وآليات الشارع في الحشد والتهيئة لهجمة 30 يونيو، ثم الانقلاب على ذلك كله بمنع أي محاولة للتظاهر، أو الاعتراض، وإن كان من دون تخريب وتدمير وقطع طرق، كما كان يتم عشية 30 يونيو. فقد تم استخدام آليات 25 يناير نفسها مع إضافات وتوابل من العنف والتطاول، لاستنساخ طبعة جديدة تلغي نموذج يناير عملياً، وتهزمه سياسياً وتطغى عليه إعلامياً. وبعدها، لم تعد هناك حاجة لإعادة إنتاج نموذج مرفوض أصلاً، بعد أن تم المراد، واستعيدت السلطة ممن استولوا عليها بآلية الصندوق. بل صار ضرورياً عدم السماح بأي من تلك الأساليب الشعبوية، وإغلاق الباب أمامها.

وهنا إشارة لا بد منها، أن ذلك الحظر يكشف زيف 30 يونيو وافتعاليتها، فلو كانت تلقائيةً تماماً، لما كانت هناك خشية من فتح المجال أمام تكرارها، ولتم السماح بنزول الناس للشارع في أي وقت، للتعبير عن آرائهم ومطالبهم.

هذا عن المظاهر التي لم تعد متاحة، بل مجرّمة. أما عن المطالب التي نادت بها، فالأمر يبدو أكثر وضوحاً وفجاجة، إذ لم يتحقق أي من مطالب يناير. وبالتالي، فالإعلان الشفوي الخجول بأنها كانت ثورة يظل كلاماً مرسلاً، يفتقد قرارات وإجراءات عملية تلبي أياً من مطالب ملايين خرجوا إلى الشارع في يناير. في عناوينها العريضة (عيش، حرية، عدالة اجتماعية)، وفي تفصيل تلك العناوين إلى مطالب جزئية، تتعلق بالمصالح والأوضاع الفئوية وحرية التعبير وتقليص الهوة بين الطبقات الاجتماعية. وتستدعي الذاكرة، هنا، حزمة التحركات الشكلية "الاحتوائية" التي قامت بها حكومتا أحمد شفيق ثم عصام شرف في الأشهر التالية للثورة مباشرة، مثل تلقي مئات آلاف طلبات التعيين في الحكومة، ومثلها للحصول على مسكن، والحديث عن الحدّين الأقصى والأدنى للأجور، والتشدق بشعارات "لا للفساد" و"نعم لتطهير المؤسسات" و"مصر للمصريين". ثم تمخضت العملية عن لا شيء، وألقيت طلبات التوظيف في صناديق النفايات. والحدان الأقصى والأدنى لا يزالان متعثرين.

علامة أخرى على أن "يناير" ليست ثورة في أعين السيسي وأصحابه، أن من قادوها أو لحقوا بركابها، في السجون أو ملاحقين لكي يدخلوها، باتهامات تتركز في خرق قانون التظاهر، أو التآمر على الدولة، أو إهانة القضاء. وهي نفسها الأفعال التي قامت ثورة يناير بها ومن أجلها، فمقومات ثورة يناير من دوافع ومظاهر هي التي يحاكم ويسجن بسببها حالياً رموزها الذين كان السيسي ورفاقه يزهون بلقائهم غداة الثورة، ويوثقون ذلك بصور تذكارية ينقلها الإعلام تأكيداً لتأييد الجيش للثورة. وهو الإعلام نفسه الذي يشوه، حالياً، الصورة الذهنية لثوار وثورة يناير عند المصريين، فيصفها بالمؤامرة، ويتهمهم بالعمالة والخيانة، ثم لا يسمح لمن بقي منهم خارج السجون، بالرد على الهجمة الرخيصة. بذلك، تكتمل الحرب على "يناير"، فهي في عيون السيسي ونظام 3 يوليو ليست ثورة حقيقية، وإنما "بنت حرام" لم ينجح وأدها في المهد، فعلى الأقل يجب التنكر لها والتخلص من عارها.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.