نقص الوقود.. انقطاع الكهرباء.. ارتفاع الأسعار.. ثلاث أزمات كانت الأكثر حضوراً وتأثيراً في تأجيج غضب الشارع المصري ضد نظام الرئيس المصري محمد مرسي، بعد أقل من عام على وصوله سدة الحكم بداية يوليو/تموز 2012، كأول رئيس منتخب بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
ورغم استمرار هذه الأزمات منذ نهاية عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلا أن مناهضي ثورة يناير، عملوا على تأجيج هذه الأزمات، وتسليط الإعلام الضوء عليها.
وشهدت مصر أزمة وقود خانقة قبل أسبوعين من إطاحة الجيش بمرسي، وقال رافضون للانقلاب إن الجيش عمل مع معارضين لنظام الإخوان على تأجيج الأزمات؛ لحشد تظاهرات شعبية مهدت الطريق للإطاحة بمرسي.
وتفاقمت أزمة الوقود في الأيام العشرة الأخيرة من العام الذي قضاه مرسي في الحكم، ثم انفرجت فجأة بعد إعلان الجيش السيطرة على البلاد، في الثالث من يوليو/تموز، الأمر الذي وصفه مؤيدون لمرسي بـ"المؤامرة".
وقال أحد أصحاب محطات الوقود في محافظة المنيا بصعيد مصر لمراسل "العربي الجديد"، إن أزمة الوقود كانت موجودة قبل تولي مرسي الحكم، وتراوح العجز بين 10 و15%، لكنها تفاقمت بشكل غير مبرر خلال الأيام الأخيرة له، وامتدت الطوابير لعدة كيلومترات أمام محطات الوقود.
وأضاف صاحب المحطة، الذي طلب عدم ذكر اسمه "لم تكن شاحنات نقل الوقود تصل إلينا، وكانت الطوابير موجودة ليل نهار، وأحيانا نجد سيارات في الطابور لتحصل على عدة ليترات، وبالتحري والسؤال اتضح أن عناصر الحزب الوطني المنحل الذي أطاحت به ثورة يناير كانوا يستأجرون هذه السيارات، خاصة الأجرة للوقوف أمام محطات البنزين لخلق زحام وطوابير، وتعطيل المواطنين الذين هم في احتياج فعلي للوقود".
وأشار إلى أن أنصار الثورة المضادة افتعلوا هذه الأزمة، وتعاون معهم عدد كبير من أصحاب محطات الوقود المملوكة لأعضاء في الحزب الوطني المنحل، فقد كانوا يرفضون بيع الوقود للمواطنين، وتهريبه للسوق السوداء وللسفن في قناة السويس والبحر الأحمر بأسعار مضاعفة. وقال الخبير الاقتصادي، الدكتور محمد عطا الله لـ"العربي الجديد"، إن أزمة البنزين والسولار كانت السبب الرئيسي لخروج مظاهرات 30 يونيو/حزيران ضد مرسي، موضحاً أن الناس في مصر لم تتفاعل مع دعوات المعارضة ضد مرسي منذ أول أسبوع لحكمه، غير أن أزمة الوقود تسببت في حنق المواطنين وتفاعلهم مع دعوات النزول إلى الشارع، نظراً لما سببته تلك الأزمة من شلل تام للبلاد وارتفاع للأسعار تأثرا بالوقود.
وكانت الرئاسة المصرية قالت، في تقرير لها فى 26 يونيو/حزيران 2013، إن أسباب أزمة الوقود ترجع إلى "ارتفاع احتياجات السوق عن معدلات الاستهلاك الطبيعية، وعمليات التهريب التى وصلت إلى 380.5 مليون ليتر سولار، و52.1 مليون ليتر من البنزين فى الفترة من يونيو 2012، وحتى مايو/أيار 2013"، أي قبل شهر واحد من الإطاحة بمرسي.
وتزامنت أزمة نقص الوقود الخانقة مع عطل فني في معملي تكرير مسطرد (شمال شرق القاهرة) والعامرية شمالي البلاد الرئيسيين في توفير الوقود، مما أدى إلى نقص الكميات المطروحة في المستودعات ومحطات الوقود بنسبة 20%، حسب تصريحات محمود لطيف وكيل أول وزارة البترول السابق، بعد نحو أسبوعين من الإطاحة بمرسي.
ولم تكن أزمة الوقود وحدها كفيلة بتأجيج الشارع، وإنما تسببت في ارتفاع أسعار مختلف السلع بشكل كبير لاعتماد النقل على السولار والبنزين، كما تزايدت أزمة انقطاع التيار الكهربائي، لنقص الوقود أيضاً الذي تعتمد عليه محطات الكهرباء في توليد التيار.
وأظهرت مؤشرات وزارة الكهرباء مطلع يوليو/تموز 2013، أن نسبة العجز في التيار الكهربائي في الفترة من يونيو/حزيران 2012 وحتى نفس الشهر من 2013، بلغت 25%، بما يصل إلى خمسة آلاف ميجاوات، لتشهد البلاد انقطاعات متكررة فى الكهرباء خلال فصل الشتاء للمرة الأولى، بعد أن كانت قاصرة فى السنوات الماضية على فصل الصيف؛ لارتفاع الأحمال بسبب زيادة درجات الحرارة، والإقبال الشديد على استخدام أجهزة التكييف البالغ عددها نحو سبعة ملايين جهاز.
وحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي، فإن أسعار الخضروات، سجلت ارتفاعاً على أساس سنوي في يونيو/حزيران 2012 بنسبة 23.1%، والحبوب والخبز بنحو 16.3%، والألبان والجبن والبيض بـ 15%، الدواجن 10.7% والأسماك والمأكولات البحرية بنسبة مماثلة.
ويستحوذ الإنفاق على الطعام والشراب على نحو 39.9% من دخل الأسرة المصرية فى العام، حسب دراسة للجهاز المركزي للإحصاء.
وقال أحمد إبراهيم، المحلل الاقتصادي المصري، إن الأزمات، التي أطاحت بمرسي هي نفسها الموجودة حالياً، لكن أدوات نظام مبارك الإعلامية أججتها في عهد مرسي، وقللت من شأنها في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
ارتفع معدل تضخم أسعار المستهلكين في مصر في شهر يوليو/تموز الماضي، إلى أعلى مستوى له منذ بداية العام الحالي، فيما أرجعه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى القفزات التي أقرتها الحكومة على أسعار الكهرباء والوقود بمختلف أنواعه.
وحسب جهاز الإحصاء، فإن معدل التضخم ارتفع خلال يوليو/تموز الماضي بنسبة 3.3% عن شهر يونيو/حزيران الماضي، كما ارتفع على أساس سنوي بنسبة 10.7%.
وكانت الحكومة، قد رفعت أسعار الوقود بداية يوليو/تموز الماضي، بنسب تتراوح بين 7 إلى 175% في إطار خطة لتقليص دعم المواد البترولية بقيمة 44 مليار جنيه (6.1 مليار دولار)، ليصل إلى 101 مليار جنيه (14.1 مليار دولار)، كما رفعت أسعار الكهرباء في إطار خطة لرفع الدعم عن الكهرباء خلال خمس سنوات.
وأشار المحلل الاقتصادي إلى أن "الأزمات التي يعيشها الشارع حالياً هي نفسها بل أكثر مما كانت عليه في عهد مرسي، كما أن الأسعار تضخمت أكثر، لكن الإعلام الذي يمتلكه رجال الأعمال الذين تضخمت ثرواتهم وارتبطت مصالحهم بنظام مبارك، وتعرضت للخطر بسبب ثورة يناير، لا يريد أن يسلط الضوء عليها".
ولفت إبراهيم إلى أن أزمة الكهرباء ما تزال مستمرة بل بشكل أكثر حدة من ذي قبل، حيث تصل لساعات طويلة في مختلف أنحاء البلاد.
وتسبب الانقطاع المستمر للكهرباء في تذمر المواطنين وخسائر للصناع والتجار في مصر، حيث تراجعت الطاقة الإنتاجية للمصانع بنسبة 15% وانخفضت نسبة مبيعات المحلات التجارية بنسبة 35% وتسبب الانقطاع المستمر للكهرباء في فساد وتلف السلع خاصة الغذائية والخضروات والفاكهة، وفقا لما أكده صناع وتجار لـ"العربي الجديد".
وقررت عدة حركات شبابية تنظيم حملات احتجاجية ساخرة في الشارع، منها حملة باسم "منَور يا كبير"، ولا سيما في المناطق التي يُعاني سكانُها انقطاع الكهرباء بشكل متكرر.
وحسب تصريحات خاصة سابقة لـ"محمد المرشدي"، رئيس غرفة الصناعات النسيجية وعضو اتحاد المستثمرين، فإن هناك استثمارات بمليارات الجنيهات في القطاع، تتعرض لخسائر نتيجة استمرار انقطاع التيار الكهربائي في المناطق الصناعية.
وقال المرشدي إن الانقطاع المتكرر للتيار، أتلف معدات إلكترونية، فضلاً عن تراجع الطاقة الإنتاجية لنحو 20% بمعظم المصانع، وهو ما يمثل أعباء مالية إضافية على صاحب المنشأة الصناعية.
وبينما كانت الظروف المعيشية محركا أساسية للخروج ضد مرسي، إلا أنها ما تزال مستمرة حسب أحمد إبراهيم المحلل الاقتصادي.
وقال إبراهيم إن الظروف المعيشية للفقراء في مصر حالياً لم تتحسن، وإنما ازدادت سوءاً، في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع الدعم للسلع التموينية، وتفاقم معدلات البطالة، التي تشير الإحصاءات الرسمية إلى بلوغها أربعة ملايين شخص، بينما تتحدث الإحصاءات غير الرسمية عن اقترابها من ستة ملايين شخص.
وكانت وزارة التموين والتجارة الداخلية المصرية، قررت مؤخرا مد صرف السلع التموينية (المدعمة) المخصصة على البطاقات التموينية لشهر أغسطس/آب الماضي حتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول الحالي، لوجود عجز كبير في توفير المخصصات التموينية، بلغت نسبته نحو 80%.
وسبق أن مددت وزارة التموين صرف السلع المدعومة لشهر يوليو/تموز الماضي مع شهر أغسطس/آب، نظراً لعدم توافر المخصصات أيضا آنذاك.
وطرحت الحكومة الحالية منظومة جديدة للسلع التموينية المدعومة، تتضمن طرح 37 سلعة بسعر السوق الحرة، لكنها تقدم للفرد دعما بقيمة 15 جنيهاً (دولارين)، بينما كان النظام السابق قد دعم الفرد بثلاث سلع رئيسية تتمثل في 1.5 كيلو زيت، و2 كيلو سكر و2 كيلو أرز.
إقرأ أيضاً:
الموت جوعاً في سورية
تونس: نجاح سياسي وتعثر اقتصادي
الأزمات الاقتصادية تثير سخط اليمنيين