الثورة السوريّة عراقيّاً: النيران في دمشق والدخان وسط بغداد

15 مارس 2014
في مخيم للاجئين السوريين قرب أربيل (سافين حامد getty)
+ الخط -

ترتفع أعلام الثورة السورية في العراق، منذ نحو عامين، على مبانٍ عامة وخاصة في مناطق متفرقة من بغداد وستة محافظات عراقية أخرى ذات غالبية سنية.
ورغم نجاح قوات الأمن بإنزالها وإحراقها في بعض الأحيان، بناءً على توجيهات حكومية، إلا أنها سرعان ما تعود لترتفع مع رسوم وشعارات ذات طابع قومي، وأخرى طائفية، تمجّد الثورة السورية، وتتهم حكومة نوري المالكي بالتواطؤ مع إيران لمساعدة نظام الرئيس بشار الأسد. باتت المناطق العراقية المناوئة للنظام السوري مليئة بأسماء شوارع وأسماء مواليد جديدة تحمل معاني الثورة السورية، تقابلها عمليات تجنيد لمقاتلين شيعة وشعارات تدعو للحفاظ على "سوريا الأسد"، واتهامات للمعارضة بتلقي دعم إسرائيلي ضمن مشروع "تفكيك جبهة الممانعة". ودخلت الثورة السورية إلى العراق كعامل سلبي زاد من حدة الاحتقان الطائفي والمذهبي بين المكونات العراقية، وسط تأييد سني ـ كردي ـ مسيحي، ومعارضة شيعية تتجلى بموقف حكومة المالكي الداعمة للأسد.

وقد شهد العراق، منذ الأيام الأولى من عمر الثورة السورية، أزمات سياسية مختلفة، تُرجمت في البداية عبر رفض المالكي استقبال اللاجئين السورين، ثمّ لاحقاً بمساندة الجيش العراقي لنظيره السوري في استعادة معابر حدودية سيطر عليها "الجيش الحر"، مروراً باتهامات للحكومة العراقية بالسماح لإيران باستخدام مجالها الجوي لدعم دمشق بالمقاتلين والأسلحة.

ويقول عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، حامد المطلك، لـ"العربي الجديد"، إن الثورة السورية "امتدت إلى العراق شئنا أم أبينا أمنياً وسياسياً واجتماعياً، فانقسام الشارع العراقي بين مؤيد للمعارضة ورافض لها وفشل حكومة المالكي في استيعاب كل الأطراف، والتزام الحياد، فاقم من المشكلة". ويضيف: "نحن نؤمن أن زوال نظام الأسد سيعيد جزءاً كبيراً من الأمن المفقود إلى العراق، لأن هذا النظام بات حاضنة للإرهاب والتطرف الذي يغذي العنف في العراق ولبنان ودول أخرى من المنطقة".

وكان ناشطون عراقيون قد رفعوا، يوم أمس الجمعة، المئات من أعلام الثورة السورية في عدد من مدن العراق، لمناسبة ذكرى الثورة السورية، فيما أُطلق على خطب الجمعة في المدن السنية اسم: "الشام والعراق مصير واحد".

ويشير المتحدث باسم "الحراك الشعبي" في العراق، عبد القادر النايل، إلى أن "أكثر من 800 علم للثورة السورية زيّنت مساجد ومباني وشوارع الفلوجة وسامراء والرمادي ومناطق عدة من بغداد ونينوى ومدن عراقية أخرى". ويوضح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الخطوة جاءت لمناسبة ذكرى انطلاق الثورة السورية "التي أذهلت العالم بصبر وجلادة هذا الشعب العظيم".

ويلفت رئيس مجلس عشائر الانبار، الشيخ أحمد الشمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن العراقيين السنة يترابطون بصلات رحم وقرابة مع العشائر السورية في دير الزور والبو كمال "ولن نتخلى عنهم". ويعترف الشمري بأن عشائر الأنبار "تقوم بجمع التبرعات وإرسالها إلى السوريين عبر الحدود، ولا يهمنا اعتراض الحكومة أو موافقتها"، مشدداً على ضرورة أن "تكيل بمكيال واحد بين الشعب بدل أن تمنعنا من تقديم خدمة في الوقت الذي تسمح بإرسال مقاتلين وأسلحة للأسد". ويذكّر لأنه "لولا ضغط العشائر والسنة على المالكي، لما وافق على استقبال النازحين السوريين في الانبار ونينوى".

بدوره، يعتبر المستشار الإعلامي للحكومة العراقية، علي الموسوي، أنّ الثورة السورية "خريف حلّ على العراق من مختلف الجوانب". ويوضح الموسوي، لـ"العربي الجديد"، أنّ العراق حالياً "في خطر كبير بسبب المتطرفين السوريين من تنظيم داعش الذين يسيطرون على مدن حدودية مع العراق ويسعون لإقامة دويلة لهم وقضم مدن من العراق، وتبادل الأسلحة والمقاتلين بات على قدم وساق بين البلدين". ويصرّ المستشار الحكومي على ضرورة "أن يفهم الجميع أن الموقف الرسمي للحكومة غير مؤيد لأي من أطراف النزاع، وموقفه نابع من مصير مجهول لسوريا وتهديد أمن العراق في حال سقوط الأسد"، جازماً بأن اتهامات دعم حكومته للأسد أو تسهيل وصول المساعدات الإيرانية له "غير صحيحة".

ويصف الباحث الاجتماعي العراقي، الدكتور محمد الراوي، الثورة السورية بقوله إن "النار في سوريا والدخان في العراق". ويقرّ الراوي، وهو رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة الانبار، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأنّ الطائفية اجتاحت العراق كبقية بلدان المنطقة، "لكنها هنا في صورة أكثر وضوحاً حتى من لبنان. ففي الوقت الذي أعلن عن تشكيل الجيش السوري الحر، ولد في الانبار الجيش العراقي الحر من مقاتلي المقاومة السابقين وأبناء العشائر لقطع الإمدادات عن قوات الأسد التي كانت تمر بمحافظة الانبار". ويرى الأكاديمي العراقي أن السبب الرئيسي لأزمة الانبار هي سوريا، "بسبب سعي الحكومة لإعادة الممر الآمن إلى سوريا وتأمين مرور القوافل والمساعدات من إيران إلى النظام السوري عبر منفذ الوليد الحدودي".

ويعرب الراوي عن أسفه لأنه "في الوقت الذي أعلن السنة فيه عن تشكيل عسكري، وهو الجيش العراقي الحر، وُلدت في جنوب العراق ميليشيا أبو الفضل العباس المساندة للأسد، وسقطت عندها دعوات القومية والعروبة، وبات المحرك الرئيس للشعب هو الطائفة والمذهب الديني".

أما رئيس لجنة استقبال النازحين السوريين في العراق، محمد السعدي، فيصوّب على مشكلة أنّ "ضباط الجيش السوري النظامي نقلوا أسرهم إلى النجف وكربلاء، بينما ينقل عناصر الجيش الحر عوائلهم إلى الانبار ونينوى وصلاح الدين"، وهو ما يكشف أن "الآلاف من السوريين وجدوا ملاذاً آمناً في العراق بين طوائفهم التي ينتمون إليها".

على صعيد آخر، يعتبر عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، وليد الدليمي، أن الأزمة السورية "سبّبت إحراجاً للعراق وأزالت النقاب عن الوجه الطائفي للحكومة"، لافتاً إلى أن الحكومة "عزلت العراق ووضعت نفسها في معسكر خاطئ، وزاد ذلك في أزمة العراق الداخلية". وما دليل الدليمي على ارتماء بغداد في أحضان طهران، إلا "تنديد حكومة المالكي باستخدام السلطات البحرينية الغاز المسيل للدموع ضد متظاهري دوار اللؤلؤة، وسكوتها عن استخدام الأسد للكيماوي والبراميل المتفجرة وقتل آلاف الأبرياء".

في المقابل، يصف رئيس حكومة كردستان العراق، نجيرفان البارزاني، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، الثورة السورية بـ"الربيع الذي يجب أن يتحقق رغماً عن أنف الجميع". ويضيف البارزاني أن إقليم كردستان "لا يمكن له أن يتجاهل معاناة الشعب السوري، وخصوصاً الأكراد، وسياسية المالكي خاطئة ولا يجب الالتزام بها تحت أي ظرف أو مبرر". ويتابع أن "الأكراد في العراق يجدون أنفسهم أمام مسألة أخلاقية في استقبال اللاجئين أو تقديم الدعم للشعب السوري إنسانياً وسياسياً، لكن لا يمكن إنكار أن الملف الأمني في كردستان تأثر بعد الثورة خاصة مع تهديدات داعش باستهداف الإقليم لوقوفه مع المقاتلين الأكراد في سوريا ضده".

ويختصر المتحدث باسم الجيش العراقي في الانبار، المقدم نجم الدليمي، الصورة قائلاً لـ"العربي الجديد": "يمكن لك أن تتخيل وضع العراق بعد الثورة، فهناك عشائر سنية تشجع الجيش الحر وتتحالف معه على الحدود لاستهداف قطعات الجيش العراقي، ويتفاخرون بذلك، بينما تبدأ مساجد مدينة القائم الحدودية بالتكبير والدعاء للجيش الحر لكي ينتصر علينا وعلى جيش النظام السوري، متناسين الروح الوطنية أو حتى الانتماء لهذه الأرض، إذ بات الانتماء الطائفي هو اللغة السائدة في العراق ولا شيء يعلو عليه".

إلا أن للمواطن البغدادي حسن فالح (36 عاماً)، من سكان بغداد، موقف مغاير، يعبّر عنه بالقول إن "مصيرنا واحد مع مصير سوريا، فإن سقط الأسد، ستسقط حكومة المالكي وتنكسر ميليشيا حزب الله في لبنان ويخبو تأثير إيران، وعندها سيكون ربيع العرب أقوى من القاعدة ومن التطرف، وسنشهد صفحة عربية مريحة لنا جميعاً".

المساهمون