الثورة إلى آخرها

11 مارس 2015
يتهم سفاح قصر المهاجرين شعبه بأن جله إرهابي (Getty)
+ الخط -

بدخول ثورة الشعب السوري عامها الخامس، بعد سعي طال، نحو التخلص من ثقل الدكتاتورية العنصرية التي تتربص بكل ما هو حي وكريم على الأرض السورية، تقف الثورة أمام معضلتين أساسيتين، تبادلية القمع الأسدي والإرهاب في جهة، وفي الجهة الرديفة معضلة الطائفية وتعزيز العنصريات للجماعات العضوية المكونة للكل السوري، أو تطييف المشهد السوري، وهذه بدورها تستند إلى تبادلية الاستبداد والإرهاب بما لا متسع لإنكاره، ولا مفر من التعاطي معهما تفكيكيا وتجاوزهما لما في ذلك من ضرورة لاستكمال مسار الثورة، بعد جمع ما يمكن التئامه على قاعدة السعي للمساواة والديمقراطية والحرية، وبناء مجتمع متعفف عن لوثات العنصرية/ات والتقسيمات ما قبل الدولتية.

وإذ يتهم سفاح قصر المهاجرين شعبه بأن جله إرهابي وطائفي وتكفيري، ويذهب أكثر من ذلك، حين يتهم جل الشعب بأنه مشوه نفسيا وأخلاقيا، وأن لا مفر أمامه إلا قتل هذا الشعب والتخلص منه، تكون الصورة مكتملة حول آلية نظر هذا الديكتاتور إلى الحالة الدموية سورياً، التي يتحمل مسؤولية إيجادها هو وحلفاءه الإقليميون والدوليون، دون إغفال دور المتغاضين عنه ممن يظهرون حرصهم على رحيله، دون تقديم أي شيء يخدم مسعى رحيله، نعم الدكتاتور هو نفسه وبكل مفاصل نظامه، مسؤول عن دماء أطفال دوما ونساء درعا وعجائز حمص. وكذلك تكتمل صورة مساحة المماحكة الخطابية التي يراوح مراوغا فيها، بين عنجهة بائدة بحجج مقاومة المؤامرات الكونية وممانعتها، وبين الإلقاء باللائمة عن دمويته وفاشيته على من قالوا لا لنظامه القمعي الفاسد.

حيث، ومنذ بداية الحراك السوري، حتى مع انطلاقته الأولى في درعا، لم تخفَ محاولات أجهزة النظام الأمنية لجر الثورة إلى العسكرة، وانفلاتها في حالة من عدم تدرجية القمع، والبدء بالقتل أولا وثانيا وأخيرا بحق متظاهرين سلميين، لم يكونوا يحملون آنذاك سوى شعاراتهم المطالبة بالحرية وبإتاحة الأفق أمامهم لبناء مجتمع وطني واحد، عبر التخلص من حالة الإخضاع والتعسف التي عاناها الشعب السوري، خمسة عقود بعثية.

وقد قلب النظام السوري مقولة جاك دريدا بأكملها، في إطار مشروعه لتسييس الهويات وتفتيت المجتمع، فعوضا عن "من الاختلاف وتاريخه، يمكننا معرفة من نحن؟ وأين نحن؟"، فقد حول طبائع الاختلاف والتنوع بما هي ثراء للمجتمع ولتجربته الحضارية وعملية التجديد فيه حداثيا، إلى سموم قاتلة، بل إلى مرواح تحيل إلى الدم والبغض والتقوقع حول الذات التي أمسى مختلفا عليها ولم يتم التقصير في محوها وتهميشها وتشويهها.

ماذا يريد الأسد وما الذي أرادته الثورة؟ يمكن أن تكون الإجابة عن تساؤل بهذا الإيقاع عتبة تهيئ العبور إلى توضيح صورة المرتقب الآتي. بتتبع مسيرة الأحداث خلال السنوات الأربع الأخيرة، وحتى قبل استدعاء مليشيات القتل الطائفي من الخزانات الطائفية التي يرتكن إليها النظام، لا جدال حول أن غاية نظام الأسد هي القتل وتغطيس سورية بلون واحد، يخدم أرباب الأموال الملتفين حول عصب النظام متبادلين الخدمات والفساد معه، جنباً إلى جنب مع تيسير مجال الهيمنة لحلفاءه إلى الحدود القصوى. أما عن الثورة والذي أرادته وتريده، فهو بسيط في منشأه، عُقد، أو فرض عليه التعقيد بتوسيع مساحة المتغيرات والتشابكات، في موازين القوى والمصالح على الساحة السورية، لذلك مطلب الثورة بالكرامة والحرية، يتطلب خوض الثورة إلى آخرها، مع توسيع دائرة الاشتباك ضد استمرار النظام، ومحاصرة الإرهاب، وكل هذا لا يأتي إلا بثورة الوطن، بمدنه الكبرى وتعزيز الثورة في أريافه، اعتمادا على الذات أولا، وعدم ارتقاب ما سيأتي من الخارج، هذا إن أتى غير المزيد من التلاعب بمصائر السورريين.


راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون