الثائر "المندس" مهند جلال

01 يونيو 2014
مهند جلال أثناء تجهيز فيلم "المندس" (العربي الجديد)
+ الخط -

 

مفزع جداً اكتشاف أنّ كل هؤلاء الأشخاص تفاجئهم تلك التفاصيل القليلة المثيرة التي أوردها الصديق مهند جلال في فيلمه "المندس"، ليس في الفيلم وقائع كثيرة مفاجئة، هو فقط يربط الأحداث ببعضها بأسلوب بصري ليخلص إلى نتيجة نعيشها.

لست من المنبهرين بما جاء في الفيلم مثل البعض، بعضه شاهدناه وعايشناه رأي العين، وبعضه كنت على دراية بتفاصيله مبكراً، لكني لا أنكر أيضاً أنني أحمد لمهند هذا الجهد الكبير وتلك المخاطرة العظيمة، لقد عرض حياته وسلامته وأمنه مرّات عديدة للخطر من أجل أن يحصل على بعض اللقطات التي ظهرت في الفيلم، وقد ضيع من عمره سنوات ليعمل على تلك اللقطات ويستخلص منها الكثير من المعاني التي تفاجئ كثيرين حالياً.

عرفت مهند قبل نحو ثلاثة أعوام، في عهد المجلس العسكري، كانت البداية تدوينة طويلة كاشفة كتبها الشاب على "فيس بوك" وأورد فيها الكثير من التفاصيل والصور والمعلومات وبعض الفيديوهات المثيرة جدا، وقتها.

عندها كانت شكوكنا جميعا كبيرة، كنا نعلم أن هناك الكثير من المؤامرات التي تحاك ضدنا، وضد الثورة الوليدة، وكنا على ثقة أن آلاف المندسين والمخبرين و"الأمنجية" يطوفون بيننا ليل نهار، يشوهون إدراكنا، ويشكوكنا في كل شيء، ويحاولون إضاعة المسار من بين أيدينا، بكل الوسائل.

كان كثيرون منا يعيشون تلك الشكوك، يصرحون بها ويناقشونها علناً، يؤكدون أن هناك اختراقاً كبيراً، ثم جاءت تدوينة مهند لتؤكد بعضاً من الشكوك بأدلة شبه موثقة يمكن اعتمادها سبيلاً لبدء التدقيق في الكثير من الأمور التي تجري دون أن نجد لها تفسيراً.

عندها كانت بداية تواصلي معه، هو أحد شباب الثورة الذين اختاروا طريقاً مختلفاً، كان يشارك في كل الفعاليات والتظاهرات، وشهد الكثير من الوقائع والأحداث، لكنه كشخص مغاير، فكراً وإدراكاً، اكتشف مبكراً أن التوثيق ضروري، فكانت كاميراته تسبقه في كل مكان، ثم اكتشف بعد فترة من التوثيق أن بعضاً مما صوره يضم تفاصيلاً كارثية، فقرر أن يستكمل الخيوط ليكتشف المزيد.

تحولت الفكرة البدائية، التي يمكن اعتبارها هواية لدى مهند إلى مهمة يومية، وعمل دؤوب، وتخطيط جاد، لم يعد تصوير الأحداث بالنسبة له مجرد توثيق، وإنما جزء من إيمانه بالثورة التي يتلاعب بها الجميع، حتى بعض من شاركوا بها.

"المندس" هو مهند نفسه، فبعد أشهر من التصوير من داخل معسكره الثوري، قرر الشاب أن عليه أيضا أن يصور من داخل المعسكر الأخر ليكتشف المزيد من التفاصيل، ويفهم ما يجري بوضوح، تلك الأجزاء التي صورها من معسكر الفلول أو من يطلق عليهم "المواطنين الشرفاء" هي الأهم في الفيلم في رأيي لأنها تظهر لنا حجم المخطط الكبير، وتظهر شخصيات القائمين عليه.

لكن كارثة أخرى ضمها الفيلم، وافتتح بها أحداثه حول اختراق هذا الشاب المصري للقصر الرئاسي في عهد الرئيس محمد مرسي والتصوير داخله دون أن يدري الطاقم الأمني، توضح أن حكم الإخوان كان محكوماً بالفشل، وكأنهم كانوا حريصين على أن يجري لهم ولنا ما جرى بعد الانقلاب.

أعلم أن لدى مهند جلال الكثير من المواد المصورة الصالحة لإنتاج أفلام أخرى، وكشف كواليس كثيرة، ربما تظهر قريبا وربما لا تظهر إلا لاحقاً، لكني الأن وفي فورة نجاحه وزهوه وزهونا بانجازه، أعود لخشيتي عليه، أخشى على صديقي، مثلما كانت خشيتي وقت إصابته في أحداث فض ميدان رابعة العدوية.

أتوقع أن يتعرض لحملة ترهيب وتهديد واسعة، لا بأس هو قادر في رأيي على التصدي لذلك بعد كل ما مر به، لكن خشيتي تتواصل، أتحدث هنا عن صديق، وقد فقدنا الكثير من الأصدقاء، سواء من استشهدوا أن تحولوا أو قرروا الانزواء، ليس لدينا القدرة على فقد المزيد، فأصدقاؤنا جزء من حياتنا.

فيلم "المندس" لم يكشف لنا فقط خيانة الدولة العميقة، هذه بلا شك متوقع أن تخون، لكنه أيضا كشف أن بعضاً منا خانوا الثورة، سواء بوعي وتركيز، أو دون وعي ووفق مخطط الخداع الكبير المرسوم مبكراً.

أنا واحد ممن يتساوى لديهم الخونة، هؤلاء الذين خانوا بقصد وأولئك الذين خانوا دون قصد، الفارق عندي أن المخطئ لا يمكن التعامل معه مثلما نتعامل مع المجرم، وبالأساس لا يمكن أبدا أن نحكم على المخطئ بالقتل، بينما نترك المجرم يستكمل مخططه الإجرامي ويقتل المزيد.

أؤمن أننا جميعا خدعنا، وأننا جميعا أخطأنا، وإن آلآلاف منا شاركوا في خطة القضاء على الثورة، بعضنا دون أن يدري، وآخرون مع سبق الإصرار والترصد، لكن الأهم بالنسبة لي الآن أننا يجب أن ننتبه جميعاً إلى ضرورة العودة إلى الثورة.

الثورة وحدها قد تنجينا من الكارثة التي حلت بنا، لكن هل نحن في طريقنا إلى الثورة؟ لا شك عندي في ذلك. متى؟ لا أعلم. هل سننتبه هذه المرّة ونتعلم دروسنا، ومنها تلك التي نبه إليها مهند جلال في فيلمه "المندس"؟ لا أدري، لكنه حري بنا أن نفعل.

يمكنك مشاهدة فيلم "المندس" من هنا

المساهمون