التونسيون يفلتون من كمّاشة التضخم عبر السوق الموازية

04 يوليو 2016
في إحدى الأسواق التونسية (فتحي بلايد/ فرانس برس)
+ الخط -
تجوب شوارع تونس العاصمة، وتسأل الناس عن تحضيراتهم لعيد الفطر، لا يصلك صدى فرحة العيد بقدر ما يصلك تذمر الآباء والأمهات المكويين بحرارة الطقس، وكذا الارتفاع الكبير للأسعار، سواء في ملابس العيد أم حلوياته.
في سوق "نهج إسبانيا"، تكثر التجمعات حول الباعة المتجولين والعارضين للسلع المهربة من ملابس وألعاب وحتى الحلويات، وبأسعار متفاوتة. بين أزقة السوق، تتجادل سعاد (ربة منزل) مع ابنها وابنتها بخصوص الملابس. وأكدت سعاد لـ "العربي الجديد"، أنها غير قادرة على شراء ملابس العيد التي بلغ سعرها بالنسبة لابنيها حوالى 150 دولاراً، أي ما يعادل 300 دينار تونسي، دون احتساب مصاريف الحلويات التي تصل إلى 30 دولاراً، أي 60 ديناراً تونسياً من محلات شعبية إضافة إلى مصاريف اللعب، وذلك بسبب الارتفاع الكبير للأسعار مقابل ضعف القدرة الشرائية.
وقالت سعاد، إن راتب زوجها لا يكفي لسدّ ما تبقى من حاجيات شهر الصيام، وشراء ملابس العيد وحلوياته وبقية مستلزمات العيد من زيارة العائلة واصطحاب الأطفال إلى مدن الألعاب حيث تتضاعف المصاريف.
وقالت، إن العيد وفرحته لم يعد من حق التونسي البسيط الذي يتقاضى راتباً هزيلاً، أنهكته المصاريف والمناسبات وخاصة الارتفاع الهستيري للأسعار منهية مداخلتها: "لن يكون لنا عيد هذه السنة أيضاً، وقد تكون الملابس المستعملة ملاذنا الأخير للاحتفال بالعيد وعدم الاستسلام لقساوة الظروف وصعوبتها، التي باتت تنغص حياتنا بسبب لامبالاة الحكومات المتعاقبة بظروف أغلب التونسيين من الشريحة ضعيفة الحال.
وقال السيد محمد، موظف بالدولة لـ "العربي الجديد"، إن ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للتونسي باتت المعادلة الأبرز في النظام الاقتصادي العائلي. وفي كل الأشهر والمناسبات تتضاعف الأزمة أكثر، حتى أن مصاريف العيد باتت كابوساً يلاحق التونسيين من موظفي الدولة وغيرهم، خاصة مع غياب الرقابة الاقتصادية وترشيد الاستهلاك من الجهات المعنية.

السيد محمد (عامل يومي) وأب لأربعة أطفال بفئات عمرية متفاوتة اختار أن يتسوق وحده كي لا يحرجه أبناؤه أمام السلع و الألعاب المكدسة في شوارع العاصمة بأسعار لا تتلاءم وقدرته الشرائية. حيث قال، إنه رفض اصطحاب أبنائه ليستطيع التحكم في مصاريف العيد من ملابس وحلويات. إلا انه وعلى الرغم من ذلك لم يتمكن من شراء ملابس لأبنائه الأربعة من المحلات مما اضطره إلى تحويل الوجهة نحو السلع المهربة المكدسة على الرصيف بأثمان هي الأخرى غير بعيدة عن أثمان سلع المحلات وبجودة متدنية وغير خاضعة لمواصفات الجودة.
وقال السيد محمد، إن سعر البدلة الواحدة يصل إلى حدود 50 دولاراً وهو ما يجعل شراءها موضوعاً شبه مستحيل بالنسبة لأب له أربعة أبناء ومدخوله محدود ولا يتمتع بأي حوافز وامتيازات من الدولة. وأضاف أن جولة البحث عن أسعار أقل وجودة أقل متواصلة إلى ليلة العيد، مقابل الاستغناء عن شراء بعض حلويات العيد.
في المقابل كان للسيد كمال رأي مخالف، حيث اعتبر أن الإشكال ليس في ارتفاع الأسعار وإنما في كثرة مصاريف شهر رمضان، ما يجعل الضغط على ميزانية العائلة أمراً صعباً، فيجد عائل المنزل نفسه أمام مهمة خلق التوازن الاقتصادي بين مصاريف رمضان ومصاريف العيد. وقال لـ"العربي الجديد"، إنه اختار شراء ملابس العيد لأبنائه قبل حلول شهر رمضان، حيث كانت الأسعار في المتناول والسلع متوافرة بجودة مقبولة وفي حدود الأسعار المعروضة. وشدد السيد كمال على، أن المواطن التونسي مبذر ويحمل نفسه ما لا طاقة له به ويسمح لنفسه بالدخول في دوامة السلفة المسبقة على الراتب فقط من أجل المصاريف الإضافية في شهر الصيام.
وأكد أن سياسة التقشف ليست حكراً فقط على الحكومة بل من الضروري أن تنطلق من كل عائلة تونسية، بسبب صعوبة الوضع الاقتصادي وكثرة المصاريف وتعاقب المناسبات الصيفية، خاصة أن هذا الأمر يتطلب اعتماد سياسة تصرف رشيدة لضمان عدم السقوط في الدين.
على امتداد جولتنا في "نهج إسبانيا"، لم نلتق ولو بفرقة مراقبة صحية واحدة، إلا أن فرق المراقبة الاقتصادية كانت حاضرة من حين لآخر لمراقبة سير بيع السلع المقلدة وأحياناً مصادرة بعضها، على غرار الألعاب النارية. ولم نلتق أي عضو من منظمة الدفاع عن المستهلك المعنية بمراقبة ومتابعة وترشيد الاستهلاك.
وعلّق رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، سليم سعد الله، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن غياب سياسة اقتصادية عامة في البلاد جعلت المواطن التونسي من الفئة المتوسطة وفئة محدودي الدخل يعيش في حلقة التداين المستمر. وأصبح في أغلب الأوقات عاجزاً عن اقتناء الضروريات، مما يجعله يعتمد سياسة المقاطعة لبعض المنتجات وبالتالي التخلي عن بعض المناسبات ومستلزماتها.
وأضاف أن التونسي بات يلجأ لمقاومة كثرة المصاريف خلال مناسبة عيد الفطر بالاتجاه نحو الأسواق الموازية والسلع بما تحتويه من مخاطر ومواد غير خاضعة للمراقبة الصحية، ومنها حتى المواد "المسرطنة" خاصة في ما يتعلق بالألعاب. وشدد على أن المنظمة تعمل عبر فرق المراقبة لمتابعة الحركة الشرائية للتونسيين وترشيد استهلاكهم، لحماية صحة التونسي وتعزيز قدرته الشرائية.
المساهمون