وسط التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، خصوصا بالمنطقة العربية والتي شهدت جملة من التغيرات في السنوات الأخيرة يحتفل العالم باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، مفهوم العنف يبدو أنه -على الأقل- عربيا لم يخرج من تعريفه الأول، ليعرف وفق التعنيف الجسدي الذي يسلط على الفرد، غير أن هذا التعريف يبدو قاصرا حيث إنه -أي العنف- كبر هو الآخر وتوسع ليصير المفهوم أوسع من ذلك بكثير.
يعرّف إعلان االجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1993 حول القضاء على العنف ضد النساء العنف بأنه "كل عمل قائم على النوع الاجتماعي ينجم عنه أو يمكن أن ينجم عنه معاناة بدنيّة أو جنسية أو نفسية بما في ذلك التهديد والإكراه والسلب غير المبرر للحريات سواء وقع ذلك في الدائرة العامة أو الخاصة.
يرتبط العنف ضد المرأة والذي يسمى أيضا بالعنف القائم على النوع الاجتماعي بالانتماء الجنسي (حسب الجنس رجل/ مرأة) وهو هنا نتيجة التمييز المستند إلى النوع الاجتماعي ويعتبر اعتداء على حقوق الإنسان.
ضمن المسح الوطني حول العنف ضد المرأة سنة 2010 أي قبل ثورة تونس، والذي شمل عينة من النساء التونسيات، أكدت الإحصائيات أعمارهن بين 18 و64 سنة أكد على أن 47% من النساء المستجوبات صرحن أنهن تعرضن لواحد من أنواع العنف (العنف المادي/العنف الاقتصادي/ العنف النفسي) مرة واحدة على الأقل طيلة حياتهن مع تطابق المعطيات تقريبا بين المدينة والريف، وتمثل النسبة الإجمالية للتعرض للعنف 31.7%، تتفاوت فيه النسب بين أنواع العنف حيث يعتبر العنف المادي الأعلى نسبة (31.7%) يليه العنف النفسي (28.9 %) ثم العنف الجنسي(بنسبة 15.7%) و يأتي العنف الاقتصادي بالمرتبة الأخيرة (بنسبة 7.1%).
كما أسلفنا سابقا، هذه النسب كانت ضمن المسح الذي أجري سنة 2010 أي قبل التطورات السياسية والاجتماعية التي عرفتها البلاد، وأيضا هذه الإحصائيات لم تشمل العنف في أبعاده الواسعه وأهملت العنف السياسي والديني نظرا لواقع البلاد المغلق على ذاته في تلك المرحلة.
العنف السياسي والديني -العنف الديني الذي كان يمارس من منطلق سياسي/ منع الحجاب والتشدد على المماسات الدينية عنف قد يكون سببا في ما تعيش اليوم تونس من انتشار الفكر الداعشي- بعد التحولات التي شهدتها المنطقة عامة وتونس خاصة كشف تقرير للشرطة التونسية أظهرته الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان أن 46 امرأة لقيت حتفها من مجموع 7861 تعرضن للعنف في الأشهر الأولى لسنة 2013 في مقابل 34 امرأة في نفس الفترة من سنة 2012 من مجموع 7372 امرأة مورس العنف عليهن. ويذكر التقرير أن 90% من حالات العنف جاءت في الوسط العائلي.
واضاف التقرير قلقا آخر أوردته المنظمة الدولية للهجرة حيث اعتبرت أن تونس تعد بلدا مصدرا ووجهة عبور للنساء الخاضعات للعمل القسري والدعارة، مضيفا أن بعض التونسات العاملات في الملاهي الليلية هن بالأصل ضحايا للدعارة القسرية.
كما اعتبر التقرير أن حالات التحريض والتهديدات بالقتل للمدافعين على حقوق المرأة أضحت تمثل مشغلا كبير. وترى الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان رغم ذلك أن الدستور التونسي الجديد المصادق عليه في يناير/كانون الثاني 2014 يبعث على الأمل، وأنه أحد الدساتير الأكثر تقدما في مجال الحقوق الفردية في جنوب وشرق المتوسط.
في المقابل، كشفت إحصائيات مركز الإصغاء والتوجيه للنساء ضحايا العنف، أن العنف الزوجي بلغ في الفترة الانتقالية 70%، وقالت 7 نساء إنهن تعرضن لعنف سياسي و11 لعنف اقتصادي.
كما أكدت دراسة للجنة الوطنية للمرأة العاملة بالاتحاد العام التونسي للشغل نشرت نتائجها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة أن نسبة النساء المعنفات تشهد تصاعدا مفزعا منذ الثورة لتبلغ النسبة العامة 50% في مختلف الجهات والفئات. وأكدت منسقة اللجنة التونسية للمرأة باتحاد الشغل أن العنف المسلط على المرأة، تزايد خصوصاً العنف الاقتصادي بالنسبة للمرأة العاملة (طردها بصفة غير قانونية/ منعها من العمل من قبل الزوج أو أحد أفراد العائلة) إضافة إلى العنف المعنوي الذي يمارسه أصحاب العمل (التحرش).
وتبقى هذه الإحصائيات غير ثابتة لأسباب تتعلق بطبيعة المجتمع وأخرى تتعلق بالفرد نفسه، فبالرغم من التطور الحضاري الذي شهدته تونس، يبقى من المعيب أن تصرح النساء بتعرضهن للعنف خصوصا في المناطق الداخلية، لتبقى المرأة مكبّلة بعرف التقاليد "خاضعة" للعنف سواء كان جسديا أو اقتصاديا أو نفسيا أو حتى دينيا. يتعاضد هذا مع شعور النقصان داخل الفرد المعنف ليسقط في دائرة الصمت ومتحاشيا الصراخ الذي يسكن داخله "لقد تعرضت للعنف" بالإضافة إلى أسباب اقتصادية/ عدم وجود عمل أو دخل يكفل لهن حياة خارج دائر المحيط الذي عنفن فيه/ تمنع الكثير من النساء الاعتراف بتعرضهن للعنف.
في مناطق داخلية بالجنوب التونسي تلبس الفتيات منذ الصغر "الخمار" ليس لأسباب دينية ولكن بحكم العادة، عادة تسلط على اختيارات قصر لتمنع عنهن حق الخيار وفق القناعة التامة بما يكسب شخصيتهن الثقة.
يبدو أن ظاهرة العنف تزداد اتساعا على الرغم من التطور الذي تشهده البلاد، إلا أنه يجد لنفسه مستنقعات أخرى ينمو متسلقا جسد المجتمع، ظاهرة يتوجب الالتفات إليها ومحاولة زرع مبادئ الحوار لدى الناشئة والقدرة على البوح، البوح الذي هو هاهنا أول خطوة في طريق القضاء عليه.
(تونس)
يعرّف إعلان االجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1993 حول القضاء على العنف ضد النساء العنف بأنه "كل عمل قائم على النوع الاجتماعي ينجم عنه أو يمكن أن ينجم عنه معاناة بدنيّة أو جنسية أو نفسية بما في ذلك التهديد والإكراه والسلب غير المبرر للحريات سواء وقع ذلك في الدائرة العامة أو الخاصة.
يرتبط العنف ضد المرأة والذي يسمى أيضا بالعنف القائم على النوع الاجتماعي بالانتماء الجنسي (حسب الجنس رجل/ مرأة) وهو هنا نتيجة التمييز المستند إلى النوع الاجتماعي ويعتبر اعتداء على حقوق الإنسان.
ضمن المسح الوطني حول العنف ضد المرأة سنة 2010 أي قبل ثورة تونس، والذي شمل عينة من النساء التونسيات، أكدت الإحصائيات أعمارهن بين 18 و64 سنة أكد على أن 47% من النساء المستجوبات صرحن أنهن تعرضن لواحد من أنواع العنف (العنف المادي/العنف الاقتصادي/ العنف النفسي) مرة واحدة على الأقل طيلة حياتهن مع تطابق المعطيات تقريبا بين المدينة والريف، وتمثل النسبة الإجمالية للتعرض للعنف 31.7%، تتفاوت فيه النسب بين أنواع العنف حيث يعتبر العنف المادي الأعلى نسبة (31.7%) يليه العنف النفسي (28.9 %) ثم العنف الجنسي(بنسبة 15.7%) و يأتي العنف الاقتصادي بالمرتبة الأخيرة (بنسبة 7.1%).
كما أسلفنا سابقا، هذه النسب كانت ضمن المسح الذي أجري سنة 2010 أي قبل التطورات السياسية والاجتماعية التي عرفتها البلاد، وأيضا هذه الإحصائيات لم تشمل العنف في أبعاده الواسعه وأهملت العنف السياسي والديني نظرا لواقع البلاد المغلق على ذاته في تلك المرحلة.
العنف السياسي والديني -العنف الديني الذي كان يمارس من منطلق سياسي/ منع الحجاب والتشدد على المماسات الدينية عنف قد يكون سببا في ما تعيش اليوم تونس من انتشار الفكر الداعشي- بعد التحولات التي شهدتها المنطقة عامة وتونس خاصة كشف تقرير للشرطة التونسية أظهرته الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان أن 46 امرأة لقيت حتفها من مجموع 7861 تعرضن للعنف في الأشهر الأولى لسنة 2013 في مقابل 34 امرأة في نفس الفترة من سنة 2012 من مجموع 7372 امرأة مورس العنف عليهن. ويذكر التقرير أن 90% من حالات العنف جاءت في الوسط العائلي.
واضاف التقرير قلقا آخر أوردته المنظمة الدولية للهجرة حيث اعتبرت أن تونس تعد بلدا مصدرا ووجهة عبور للنساء الخاضعات للعمل القسري والدعارة، مضيفا أن بعض التونسات العاملات في الملاهي الليلية هن بالأصل ضحايا للدعارة القسرية.
كما اعتبر التقرير أن حالات التحريض والتهديدات بالقتل للمدافعين على حقوق المرأة أضحت تمثل مشغلا كبير. وترى الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان رغم ذلك أن الدستور التونسي الجديد المصادق عليه في يناير/كانون الثاني 2014 يبعث على الأمل، وأنه أحد الدساتير الأكثر تقدما في مجال الحقوق الفردية في جنوب وشرق المتوسط.
في المقابل، كشفت إحصائيات مركز الإصغاء والتوجيه للنساء ضحايا العنف، أن العنف الزوجي بلغ في الفترة الانتقالية 70%، وقالت 7 نساء إنهن تعرضن لعنف سياسي و11 لعنف اقتصادي.
كما أكدت دراسة للجنة الوطنية للمرأة العاملة بالاتحاد العام التونسي للشغل نشرت نتائجها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة أن نسبة النساء المعنفات تشهد تصاعدا مفزعا منذ الثورة لتبلغ النسبة العامة 50% في مختلف الجهات والفئات. وأكدت منسقة اللجنة التونسية للمرأة باتحاد الشغل أن العنف المسلط على المرأة، تزايد خصوصاً العنف الاقتصادي بالنسبة للمرأة العاملة (طردها بصفة غير قانونية/ منعها من العمل من قبل الزوج أو أحد أفراد العائلة) إضافة إلى العنف المعنوي الذي يمارسه أصحاب العمل (التحرش).
وتبقى هذه الإحصائيات غير ثابتة لأسباب تتعلق بطبيعة المجتمع وأخرى تتعلق بالفرد نفسه، فبالرغم من التطور الحضاري الذي شهدته تونس، يبقى من المعيب أن تصرح النساء بتعرضهن للعنف خصوصا في المناطق الداخلية، لتبقى المرأة مكبّلة بعرف التقاليد "خاضعة" للعنف سواء كان جسديا أو اقتصاديا أو نفسيا أو حتى دينيا. يتعاضد هذا مع شعور النقصان داخل الفرد المعنف ليسقط في دائرة الصمت ومتحاشيا الصراخ الذي يسكن داخله "لقد تعرضت للعنف" بالإضافة إلى أسباب اقتصادية/ عدم وجود عمل أو دخل يكفل لهن حياة خارج دائر المحيط الذي عنفن فيه/ تمنع الكثير من النساء الاعتراف بتعرضهن للعنف.
في مناطق داخلية بالجنوب التونسي تلبس الفتيات منذ الصغر "الخمار" ليس لأسباب دينية ولكن بحكم العادة، عادة تسلط على اختيارات قصر لتمنع عنهن حق الخيار وفق القناعة التامة بما يكسب شخصيتهن الثقة.
يبدو أن ظاهرة العنف تزداد اتساعا على الرغم من التطور الذي تشهده البلاد، إلا أنه يجد لنفسه مستنقعات أخرى ينمو متسلقا جسد المجتمع، ظاهرة يتوجب الالتفات إليها ومحاولة زرع مبادئ الحوار لدى الناشئة والقدرة على البوح، البوح الذي هو هاهنا أول خطوة في طريق القضاء عليه.
(تونس)