وفي دراسات مشرقية تؤكد الإحصائية أن عدد التونسيات "الإرهابيات" يصل إلى 600 بين من التحقت بزوجها أو أخيها أو أحد أقاربها، أو ذهبت بمفردها، وهناك من ذهبت تحت الإكراه الزوجي.
في كل الأحوال الرقم ورغم تباينه فإنه مفزع ومقلق، وهو رقم يفترض جملة من الأسئلة والتحليلات.
فإذا كانت المرأة التونسية قد سبقت نظيراتها العربيات واستطاعت أن تخترق مجالات كانت حكرا على الرجل، وإذا كانت قد اكتسبت رهاناً قانونياً، في مجال الأحوال الشخصية، مكّنها من تحقيق شوط كبير في سلّم المساواة من خلال مساهماتها المجتمعية والسياسية والثقافية، فلماذا تنزلق بالاتجاه المعاكس تماما؟ هل كانت المرأة التونسية مجرد إطار وأداة تم التلاعب بها لأغراض سياسية روجت لصورة ليست عليها فعلا؟ ولماذا يتم تجاهل هكذا "قلق" ليتجاوز دون الخوض في أبعاده ونتائجه البعيدة والقريبة والتي حتما هي نتائج متصلة بالمجتمع التونسي، فالمرأة هي "البذرة" داخل الأسرة والمجتمع.
عبر سنوات طويلة روّج للمرأة على أنها عضو فاعل وشريك حقيقي من خلال النظام السابق ليعطي العالم صورة عن ديمقراطية زائفة لواقع البلاد وواهمة، فأقحم المرأة التونسية وزج بها في معركته السلطوية. زيف نستطيع أن نتبيّنه من خلال قمع الناشطات والحقوقيات وواقع المرأة في ذيل المقاعد السياسية والقرارات المصيرية، لتحضر المرأة بوصفها "ديكورا" في المحافل السياسية.
ورغم هذا كله، استطاعت التونسيات أن تكسبن رهان الحضور ليسبق حضورهن نظيراتهن العربيات، قناعةً بأنهن مشاركات في الحياة وصاحبات المسؤولية اجتماعياً وثقافياً وتربوياً وسياسياً، وأن الديمقراطية شرطها الأساسي هو المساواة.
اجتماعيا واقتصاديا، المرأة التونسية لا تختلف كثيرا عن نظيراتها العربيات، إذ تعاني من العنف بشتى أنواعه (جسديا وفكريا واجتماعيا)، والتهميش في بعض المناطق الداخلية للبلاد. ثمة نساء في أعمار متقدمة لا يمتلكن حتى البطاقة الوطنية كأبسط حقوق المواطَنة، هذا بالإضافة الى غياب الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية وحتى الدينية التي تجعل الكثيرات مجرد "تابعات".
الدين الذي غيّب لوقت كبير تعليميا واجتماعيا، جاءت الثورة لتقذف به داخل مجتمع يصارع نفسه للخروج بأقل الخسائر الممكنة. ففتحت المساجد التي لم تكن تفتح إلا وقت الصلاة، وانتشرت مدارس تعليم الدين وصار ممكنا للفتاة التي عانت لوقت طويل من مضايقات أن تلبس الحجاب دون أن تقتاد لقسم الشرطة.
كلها جاءت دفعة واحدة ودون تأطير ديني جاد ليتغلل الفكر الداعشي الذي وجد له أرضية لنشر بذوره. والنتيجة كانت هذا الرقم المفزع حول انضمام التونسيات لما يعرف بتنطيم داعش. كبت اجتماعي واقتصادي وسياسي ديني واجتماعي، كبت كرّسته سياسة التهميش والشعور بالدونية.
كبت يواجه اليوم بالكثير من التجاهل، خصوصاً من قبل مؤسسات المجتمع المدني، هذه الأرقام وإن اختلفت، غير أنها تبقى مخيفة بالنظر للنسبة السكانية التونسية، إضافة إلى أنها تمس عمود المجتمع، المرأة التي يفترض أنها نواة الأسرة وضمان استمرارية المجتمع وشريك يحقق إيجاد المخارج الضرورية لوضع أسس مجتمع مدني متصالح مع ذاته.
(تونس)
اقرأ أيضاً: العدالة الانتقالية في تونس بين الوهن والتشوه