التوتر الأميركي الإيراني: احتياطات أمنية تحسباً لهجمات جديدة

16 مايو 2019
تحذير أميركي لبغداد من أي استهداف لقواتها(توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -
تتوسع دائرة القلق من تبعات التوتر المتفاقم بين الولايات المتحدة وإيران في الخليج والشرق الأوسط، بعد التعزيزات العسكرية الأميركية، والتهديدات الإيرانية، والهجوم على أربع سفن، الأحد، في الفجيرة الإماراتية، ثم مهاجمة منشآت لنقل النفط في السعودية، الثلاثاء، لينعكس كل ذلك احتياطات أمنية تحسباً لهجمات جديدة، خصوصاً في العراق، مع دعوة الخارجية الأميركية موظفيها غير الأساسيين هناك إلى الرحيل، وإعلان ألمانيا وهولندا تعليق تدريب القوات العراقية. يتزامن ذلك مع مواصلة طهران تصعيدها الكلامي، بتجديد التهديد بإغلاق مضيق هرمز، ورهانها على عدم نيّة واشنطن الدخول في حرب.

وفي جديد انعكاسات التصعيد العسكري، أمرت الولايات المتحدة، أمس، موظفيها غير الأساسيين بمغادرة العراق. وقالت السفارة الأميركية في بغداد، في بيان، إن وزارة الخارجية أمرت بسحب الموظفين من كل من السفارة في بغداد والقنصلية في أربيل. وأضافت "خدمات التأشيرات العادية فيهما ستصبح معلقة مؤقتاً". وأوصت من يشملهم القرار بالرحيل في أسرع وقت ممكن. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن قرار سحب الموظفين غير الأساسيين اعتمد على تقييم أمني، وأضاف "التهديد خطير، ونريد الحد من خطر وقوع أضرار".

كما كشف مسؤول عراقي في وزارة الدفاع، لـ"العربي الجديد"، أن القوات الأميركية رفعت من وتيرة إجراءاتها الأمنية في محيط ست قواعد ومعسكرات تتواجد قواتها فيها، منها عين الأسد والتقدم في الأنبار، والمطار والتاجي في بغداد، وبلد في صلاح الدين، وموقع آخر قرب الموصل. وأشار إلى أن تلك الإجراءات تتضمّن تحليق طائرات مراقبة وإطلاق مناطيد وتسيير دوريات، وعدم السماح لأي قوات غير الجيش العراقي بالتحرك في محيط تواجدها. وكشف أن القوات العراقية بدورها عززت تواجدها في محيط تواجد القوات الأميركية وموقعين آخرين يضمّان موظفين أميركيين.
وقال مسؤول آخر في محافظة البصرة لـ"العربي الجديد"، إن جهود إعادة افتتاح القنصلية الأميركية في المدينة بعد إغلاقها العام الماضي بسبب استهدافها بالصواريخ باتت الآن مستحيلة. وأضاف أن "الأميركيين كانوا أكثر قرباً من إعادة افتتاح القنصلية واستئناف عمل طاقمها، لكن مع بيان الخارجية الأميركية انتهت أي آمال بذلك".

وفي أول تعليق عراقي على بيان الخارجية الأميركية، اعتبر عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، علي الغانمي، أنه يندرج في إطار الحرب النفسية. وأوضح الغانمي أن الولايات المتحدة "تريد أن تشير من هذه الدعوات، إلى أن العراق سوف يتدخّل إذا كانت هناك حرب بين إيران وأميركا، وهذا الشيء غير حقيقي، ولن يحصل"، في حديث أوردته وسائل إعلام محلية عراقية.

في السياق، أعلن الجيش الألماني، أمس، أنه علّق، حتى إشعار آخر، تدريب الجنود العراقيين. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية، ينس فلوسدورف، للصحافيين، إن عمليات التدريب قد تستأنف خلال الأيام المقبلة، وإنه "لا يوجد تهديد ملموس" في الوقت الحالي. كما ذكرت وسائل إعلام هولندية، أمس، أن الحكومة علّقت عمل بعثتها في العراق التي تقدّم المساعدة للسلطات المحلية، بسبب تهديد أمني.

في موازاة ذلك، نقلت وكالة "رويترز"، أمس، عن مصدرين أمنيين عراقيين، أن زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو المفاجئة لبغداد هذا الشهر، جاءت بعد أن أظهرت معلومات استخباراتية أميركية أن جماعات مسلحة مدعومة من إيران تنشر صواريخ قرب قواعد للقوات الأميركية. وأضاف المصدران أن بومبيو طلب من كبار القادة العسكريين العراقيين أن يُحكموا سيطرتهم على هذه الجماعات، وإن لم يفعلوا سترد أميركا بقوة. وقال مصدر عسكري عراقي بارز للوكالة عن زيارة بومبيو "لقد قالوا إنه في حالة تعرّض أميركا للهجوم على الأرض العراقية، فإنها سترد للدفاع عن نفسها من دون الرجوع إلى بغداد".


في المقابل، كانت إيران تواصل رفع تهديداتها. وأعلن رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية، كمال خرازي، من العاصمة الفرنسية باريس، في مقابلات صحافية، أنه "إذا اقتضت المصالح الإيرانية" ستقوم بلاده بإغلاق مضيق هرمز. وأضاف أن ذلك يتوقف على مستوى صادرات إيران النفطية وتأمين مصالحها. ونفى أي دور لبلاده في تفجيرات الفجيرة، داعياً إلى إجراء تحقيق "للكشف عن العناصر المتورطة فيه". واعتبر أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "يرغب في اللقاء مع الجميع بأي ثمن، ليلتقط صوراً ويقوم بالدعاية لنفسه"، مضيفاً "لن يتصل أحد من طهران بترامب أبدا". واعتبر خرازي أن "الهدف الأميركي يتجاوز كثيراً الاتفاق النووي"، متهماً واشنطن بالسعي إلى تغيير النظام في إيران. من جهة أخرى، أعلن خرازي استعداد طهران للتفاوض مع الرياض، محمّلاً إياها مسؤولية التوتر بين الجانبين.

وفي السياق نفسه، قال وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، أمس، إن بلاده "ستهزم الجبهة الأميركية الصهيونية". وتابع "إيران لديها أعلى مستويات الاستعداد العسكري الدفاعي لمواجهة أي نوع من التهديد والمطالب المبالغ فيها".
كما نقلت وكالة "رويترز" عمن قالت إنه مسؤول إيراني كبير لم تسمه، أن طهران مستعدة لكل السيناريوهات من "المواجهة إلى الدبلوماسية" لكن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتحمل حرباً أخرى في الشرق الأوسط. وأضاف أن أي صراع في المنطقة ستكون له "عواقب لا يمكن تصورها". وقال المسؤول إن إيران لا تريد حرباً في المنطقة. كما أشار إلى أن إيران والسعودية "قوتان رئيسيتان" يمكنهما العمل معاً لضمان أمن المنطقة.

جاء ذلك تزامناً مع تنفيذ طهران رسمياً، أمس، المرحلة الأولى من قراراتها "المرحلية" بتعليق تنفيذ بعض التزاماتها بموجب الاتفاق النووي. وكان المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، حدد في خطاب له مساء الثلاثاء، الخطوط العريضة للاستراتيجية الإيرانية في مواجهة أميركا، والتي ترتكز على ثلاثة أسس، وفق تصريحاته، هي "استبعاد الحرب مع واشنطن" و"رفض التفاوض مع الإدارة الأميركية الحالية"، و"الصمود" في مواجهة الوضع الحالي، كـ"خيار حتمي" لإيران. وقال خامنئي، في لقاء مع كبار مسؤولي الدولة الإيرانية، إن "أميركا ستضطر إلى التراجع في المواجهة الراهنة التي ليست عسكرية، لأنه ليس من المقرر أن تحدث حرب"، مضيفاً "لا نريد حرباً، ولا هم يريدون حرباً، لأنهم يعلمون أن الحرب ليست في صالحهم، لذلك فالصراع الموجود هو صراع إرادات، وإرادتنا أقوى". وعن احتمالات تفاوض بلاده مع الإدارة الأميركية، قال إن "التفاوض سُمّ، وما دامت أميركا هي كما الآن، فالتفاوض مع الإدارة الأميركية الراهنة أكبر من سمّ". وأكد أنه "لا يوجد إيراني عاقل يساوم على نقاط قوته"، لافتاً إلى أنهم "يدعوننا إلى التفاوض حول عمقنا الاستراتيجي في المنطقة لكي نخسر هذا العمق".

ودخلت روسيا، أمس، بقوة على الخط، واعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الأحرى بإيران البقاء في الاتفاق النووي وعدم الخروج منه مهما كانت الظروف. وقال في مؤتمر صحافي: "لقد خرج الأميركيون والاتفاقية تنهار، فيما لا تستطيع الدول الأوروبية فعل أي شيء لإنقاذها". وأضاف: "لكن بمجرد أن تتخذ إيران الخطوات الأولى للرد، ستعلن الانسحاب، وسينسى الجميع في اليوم التالي أن الولايات المتحدة كانت هي أصلاً من بادر بتخريب الاتفاق". كذلك أعرب الكرملين عن قلقه من استمرار "تصاعد التوتر" حول إيران. واتهم المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، الولايات المتحدة، "باستفزاز" إيران.
في موازاة ذلك، لا يزال يتفاعل موضوع استهداف الحوثيين بطائرات مسيّرة منشآت نفطية سعودية، الثلاثاء. وحمّلت السعودية، أمس، في رسالة سلّمها مندوبها لدى الأمم المتحدة، عبد الله بن يحيى المعلمي، لمجلس الأمن الدولي، إيران وجماعة الحوثيين مسؤولية استهداف منشآتها.

وفي السياق، دعت سلطنة عمان، إلى "تجنّب أي مسببات تمسّ أمن واستقرار المنطقة". وفي بيان للخارجية، أعربت عن رفضها لـ"الحوادث التي تعرضت لها عدد من السفن التجارية قبالة سواحل الإمارات". كما اعتبرت الخارجية الفرنسية أن الهجمات على خط أنابيب نفط رئيسي في السعودية، الثلاثاء، "عمل غير مقبول". ودعت جميع الأطراف إلى الامتناع عن أي تصعيد قد يهدد العملية السياسية لإنهاء النزاع اليمني".