وخلال الأيام القليلة الماضية، اتخذ التصعيد في الحديدة منحى مختلفاً، تمثل باستمرار المواجهات المتقطعة على أكثر من نقطة اشتباك مباشرة بين قوات الشرعية ومسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، جنوب الحديدة، جنباً إلى جنب، مع تراجع حدة الهجوم، بالنسبة للعمليات العسكرية المدعومة من التحالف، والهادفة للتقدم نحو مناطق جديدة في المدينة. وأكدت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن الحوثيين نفذوا العديد من الهجمات على المواقع التي تقدمت فيها قوات الشرعية، على الشريط الساحلي، على عكس الأخيرة، التي توجه جهودها نحو تأمين المواقع التي تقدمت فيها من هجمات الحوثيين.
بالتزامن، سعت قوات الشرعية، إلى تحريك جبهات المواجهات الراكدة، خصوصاً في محافظتي البيضاء وصعدة، بالإضافة إلى الحدود بين لحج وتعز. وأعلنت عن تحقيق تقدم في العديد من المواقع بعد معارك سقط خلالها العشرات من القتلى والجرحى، أغلبهم من الحوثيين. وأعلن التحالف، أمس الإثنين، أنه قتل 8 من عناصر "حزب الله" اللبناني في اليمن. وقال المتحدث باسم التحالف، العقيد الركن تركي المالكي، في بيان، إنه تم "استهداف 41 عنصراً إرهابياً في عقبة مران (في صعدة) وتدمير عرباتهم ومعداتهم"، مضيفاً "من بين القتلى 8 عناصر من حزب الله اللبناني الإرهابي. قائد و7 عناصر إرهابية". وهذا أول إعلان رسمي من قبل التحالف عن مقتل مقاتلين من "حزب الله" في اليمن، لكن المالكي قال، لوكالة "فرانس برس"، إنها "ليست المرة الأولى التي يقتل فيها عناصر من حزب الله" في البلد. كما أعلن الجيش اليمني أسر قيادي بارز من جماعة "أنصار الله"، ومعه 7 خبراء من "حزب الله" اللبناني، في مديرية الملاحيط، جنوبي غرب محافظة صعدة. ونقل موقع "سبتمبر نت"، عن قائد "اللواء الثالث عروبة"، الجنرال عبد الكريم السدعي، قوله إنّ "قوات الجيش نفذت عملية نوعية تمكنت خلالها من أسر قيادي في مليشيات الحوثي مع 7 خبراء عسكريين من حزب الله اللبناني خلال معارك عنيفة في جبهة الملاحيط ضمن عملية قطع رأس الأفعى".
وأفادت مصادر قريبة من الحكومة الشرعية أن التصعيد في هذه الجبهات يأتي متناغماً مع العمليات العسكرية في الحديدة، ولتخفيف الضغط عن معارك الساحل الغربي، بعد أن حشد لها الحوثيون قواتهم من مختلف المحافظات، ولا يزالون يواصلون التحشيد باتجاه المدينة. ومن شأن التحركات العسكرية على جبهات القتال الأخرى، أن ترفع من مستوى الضغط العسكري الذي تواجهه الجماعة، وتؤثر على حشدها القوات باتجاه المعركة المحورية في الساحل.
وفي ظل التطورات الأخيرة، التي جعلت الوضع في الحديدة بين الترقب الحذر وبين الحشود العسكرية المستمرة لقوات الطرفين، تبرز العديد من السيناريوهات لمسار التطورات في المدينة، وفي المقدمة منها، إتاحة الفرصة للمشاورات التي تقودها الأمم المتحدة، ومبعوثها إلى اليمن، مارتن غريفيث، والذي قال إنه يثق بأنه بالإمكان تجنيب المدينة مزيداً من التصعيد. ومن المقرر أن يعقد غريفيث مزيداً من اللقاءات مع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ومسؤولي الحكومة، في عدن غداً الأربعاء، لبحث مقترحاته الخاصة بتجنيب المدينة المعركة العسكرية، بعد أن عقد الأسبوع الماضي، لقاءات عدة مع الحوثيين، وحصل على إشارات إيجابية من الجماعة، بالقبول بتولي الأمم المتحدة الإشراف والرقابة على ميناء الحديدة.
وفي السياق، فإن نجاح المسار السياسي في معركة الحديدة، يتطلب قبولاً، وإن لم يتم الإعلان عن ذلك بشكل رسمي، من الحوثيين بالانسحاب من المدينة، وليس فقط تسليم الميناء للأمم المتحدة، باعتبار هذا الأمر، بنظر الشرعية والتحالف، مقترحاً تجاوزته الأحداث الأخيرة، إلى المطالبة بانسحاب الحوثيين. وما لم توافق الجماعة ويبدِ الجانب الحكومي ومعه التحالف ليونة في بعض الضمانات في الجانب المقابل، فإن تصور الحل الذي ينزع فتيل المواجهة ويؤمن المدينة، التي يسكنها مئات الآلاف ويصل عبر مينائها أغلب الإمدادات بالوقود والمساعدات الإنسانية إلى البلاد، يبقى أمراً غاية في التعقيد. لكن رواية الحوثيين للتهدئة، عكسها الإعلام القريب منهم، وتفيد بأن عجز ما يسمونه "العدوان السعودي الإماراتي" عن كسر حصون الحديدة، هو ما يدفع بتحالف الرياض ــ أبوظبي إلى تخفيف وتيرة الحملة العسكرية واستجداء الوساطات على اعتبار أن أسبوعين مرّا على بدء الهجوم الشامل ولا تزال القوات اليمنية الحكومية بمساندة نظيرتها من دول "التحالف" خارج أسوار المدينة الساحلية.
وفي هذا الإطار، يأتي السيناريو المحتمل لتطورات الحديدة، ويتمثل ببقاء المسار السياسي جنباً إلى جنب مع التصعيد الذي يعود حيناً ويهدأ في أخرى، بحيث تواصل الأمم المتحدة جهودها، وقد تتسلم الإشراف على الميناء لتجنيبه الاستهداف العسكري. لكن المواجهات تبقى في مناطق الاشتباكات المباشرة، والتي وصلت إلى محيط مطار الحديدة الدولي جنوب المدينة. ومن المستبعد أن يبقى الوضع كما هو عليه لفترة أطول، بل ستسعى قوات الشرعية لحسم المواجهة في تلك المناطق، بإسناد التحالف، لكنها في الوقت ذاته، ما تزال مهددة في مناطق سيطرتها على الشريط الساحلي، إذ تتعرض لهجمات شبه يومية من الحوثيين، الذين لا يزالون يسيطرون على أغلب مناطق المحافظة.
في غضون ذلك، يأتي المسار الثالث، والذي لا يزال قوياً، وهو أن تبقى الكلمة الأخيرة في معركة الحديدة للحرب، بعد أن تترك للجهود الدبلوماسية استنفاد فرصها المهددة في كل الأحوال، بسبب تمسك الأطراف بمطالبها في الغالب. وإذا ما كان الحوثيون يرفضون فكرة الانسحاب من المدينة أو لم يحصلوا على الضمانات الكافية للقبول بالانسحاب، ومع تواصل التعزيزات العسكرية من قبل الطرفين، وبالنظر إلى تجارب الحوارات السابقة التي سعت إلى إبرام تفاهمات تمنع التصعيد، فإن الخيارات العسكرية السيئة تبقى الأوفر حظاً، مع الأخذ بالاعتبار أن الواقع يعتمد على قدرة كل طرف على صنع مفاجآت تؤثر في المعركة أو تحدد مسارها ومداها الزمني.
إلى ذلك، يبرز سيناريو رابع، لا يبتعد عن كل ما سبق، ويتمثل باحتمال عودة التصعيد العسكري، ولكن لمزيد من الضغط الذي قد يؤدي إلى خيار سياسي يتحكم بأمد وحدود المواجهات، بحيث تسعى قوات الشرعية والتحالف إلى مزيد من التقدم، الذي يضع الحوثيين أمام واقع يقبلون فيه بالانسحاب، مثلما أن الجماعة، تقول في مختلف خطاباتها في الأيام الأخيرة، إنها تمكنت من كسر التصعيد، وفرضت من خلالها العمليات العسكرية التي نفذتها واقعاً مختلفاً. لكن الحُكم على فشل أي خطوة من عدمها، لا يزال أمراً من المبكر الحسم به، في معركة تكتسب أهمية استراتيجية ويحشد لها الطرفان منذ شهور طويلة.