التنين الصيني بضيافة البيت الأبيض... جسور وجواسيس وثعالب

التنين الصيني بضيافة البيت الأبيض... جسور وجواسيس وثعالب

22 سبتمبر 2015
ممثل صيني يُشبّه بأوباما (تشياو جيغو/getty)
+ الخط -
يبدأ الرئيس الصيني شي جين بنغ، برفقة زوجته بينغ لي يوان ووفد حكومي صيني كبير، زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة اليوم الثلاثاء، قادماً إليها من جهة الغرب التي يتخذ منها رجال الأعمال والمستثمرون الصينيون بوابة خلفية "لغزو" الولايات المتحدة بقوة اقتصادية ناعمة. يولي الآسيويون بشكل عام، والصينيون بصورة خاصة، الولايات الواقعة على الشاطئ الغربي الأميركي جل اهتمامهم كونها أصبحت معقلاً رئيسياً للأميركيين ذوي الأصول الآسيوية، وكذلك المهاجرين الجدد والمستثمرين.


اقرأ أيضاً: مليارديرات آسيا والمحيط الهادئ الأثرى بالعالم في 2015 

بحسب الجدول المعلن للزيارة، فقد اختار الرئيس الصيني أن تكون ولاية واشنطن الواقعة في أقصى الركن الشمالي الغربي من الأراضي الأميركية، محطة الهبوط الأولى لطائرته، على أن يكون وصوله إلى مدينة واشنطن، العاصمة الفدرالية الواقعة في شرق البلاد يوم الجمعة المقبل، بحيث تتوج زيارة الرئيس الصيني وزوجته بعشاء في البيت الأبيض يقيمه على شرفهما الرئيس باراك أوباما.

تأتي الزيارة بعد مخاوف ترددت في واشنطن الأسبوع الماضي عن احتمال إلغائها أو تأجيلها بسبب توترات طارئة طالما تكررت بين البلدين لأسباب تتعلق باختلاف السياسات الراهنة لكل منهما أو نتيجة هواجس تتعلق بتنافسهما على النفوذ ومساعي الاستحواذ على المستقبل. ويتهم المسؤولين الأميركيون الصين بالتورط في محاولات تجسس مستمرة بوسائل بشرية وتقنية لاختراق شبكات إلكترونية تابعة لمؤسسات حكومية وغير حكومية في الولايات المتحدة، أو للحصول على معلومات تقنية لا ترغب الحكومة الأميركية في وصولها إلى عملاء الحكومات الأجنبية.

ورغم هذه الاتهامات، فإن ردود فعل البيت الأبيض تبدو حريصة على مراعاة المصالح الأميركية المترتبة على تدفق الاستثمارات الصينية، والتي ينقسم الأميركيون حولها بين مرحب ومتوجس من نتائج محتملة لها، وتتمثل في نفوذ صيني غير مرغوب به، من وجهة نظر هؤلاء.

قطار سريع لبناء الثقة

في بادرة صينية استبقت زيارة زعيم التنين الآسيوي بأيام، وتهدف إلى توثيق العلاقات وبناء الثقة بين البلدين، أعلنت الصين الخميس عن استثمار جديد لها في الولايات المتحدة يتضمن إنشاء خط قطار سريع بين مدينة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا ومدينة لاس فيغاس في ولاية نيفادا، وهو مشروع ضخم تصل تكاليفه إلى حوالي خمسة مليارات ونصف المليار دولار، عجزت الحكومة الأميركية عن توفيره كقرض للمجموعة الساعية إلى تنفيذ المشروع. ومن المتوقع أن تؤدي مساهمة الصين في المشروع إلى تعزيز الثقة بين حكومتي البلدين وتعميق المصالح بين شعبيهما. ومن المعروف ان حركة التنقل بين لوس أنجلوس ولاس فيغاس تتسم بالاكتظاظ خصوصاً في ظل أيام العطل الأسبوعية والإجازات الرسمية، نظراً لتوفر عدد كبير من كازينوهات القمار التي تستهوي الآسيويين وتمارس عملها في لاس فيغاس بصورة قانونية، بحسب تشريعات ولاية نيفادا. وتساهم مثل هذه المشاريع في تخفيف مظاهر التوتر الناجم عن التنافس الطبيعي بين أعظم قوتين في العالم اقتصادياً وعسكرياً، فضلا عن المخاوف التي تعتري كل طرف من تنامي قوة ونفوذ الطرف الثاني في ظل تباين إيديولوجي وسياسي ضارب في العمق رغم تزايد حاجة كل منهما للآخر. 

كل طالب جاسوس حتى يثبت العكس

ومن القضايا التي تثير التوتر وترسخ الجوانب الخلافية بين الصين والولايات المتحدة ما يتعلق بشكاوى أميركية من وجود شبكة كبيرة من الجواسيس الصينيين المفترضين داخل الولايات المتحدة يعملون على سرقة المعلومات. ولا يستبعد أن تعكر هذه الضجة صفو الزيارة، وإن كانت لم تتسبب في تأجيلها أو إلغائها. وفي الوقت الذي أقرّت فيه الصين بوجود وكلاء سريين لها في الأراضي الأميركية، شدّدت على أن نشاطهم يأتي حالياً في إطار "عملية مطاردة الثعالب"، وهي حملة لمكافحة الفساد يقودها الرئيس الصيني بنفسه وتستهدف كبار الفاسدين الصينيين الهاربين إلى الخارج. بل وانتقدت الإدارة الأميركية لعدم تعاونها الأمني في مجال تبادل المجرمين في المجال الاقتصادي، بحسب ما أوردت تقارير إعلامية نقلاً عن مصادر دبلوماسية صينية.

ويوجد لدى واشنطن أكثر من 1500 دبلوماسي يعملون بالسفارة الصينية، إلى جانب 70 مكتباً فرعياً تابعاً لها في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. ولكن هذا العدد الكبير من وكلاء الصين الرسميين لا يقلقون أميركا مثلما يقلقها أضعاف هذا العدد من الوكلاء غير الرسميين الذين تشتبه السلطات الأميركية بأنّهم يعملون خفية خارج نطاق الغطاء الدبلوماسي، ويصعب بالتالي فرض أي رقابة مجدية على ما يقومون به من أنشطة. 

وتفيد السجلات الرسمية الصادرة عن الخارجية الأميركية أن أكثر من 15 ألف طالب صيني يأتون إلى الولايات المتحدة سنوياً للدراسة في جامعاتها. وبالنسبة للولايات المتحدة، فقد أصبح كل طالب صيني لديها موضع شبهة بأنه جاسوس لبلاده مثلما هم كذلك الباحثون الصينيون ورجال الأعمال وأعضاء الوفود الرسمية. ويضع جواسيس الصين السلطات الأميركية في موقف محرج لأنهم يركزون في جمعهم المعلومات على المصادر المفتوحة المتاحة للجميع ولا يقتربون إلا في حالات معدودة من المراكز الحساسة التي تثير انتباه دوائر مكافحة التجسس التابعة للوكالات الاستخبارية الأميركية المتعددة.

فضلاً عن ذلك، فقد أصبحت السلطات الأميركية مقتنعة بوجود شبكة هائلة من جواسيس الصين منتشرين على امتداد الأراضي الأميركية يتبعون مباشرة لاستخبارات وزارة أمن الدولة الصينية ومهمتهم الأساسية سرقة المعلومات خصوصاً تلك المتعلقة بالأسرار التقنية والصناعية والاقتصادية، بحسب التسريبات الحكومية التي خرجت للعلن عبر صحف أميركية بارزة.

ثعالب الفساد

وإلى جانب هذه المهمة التقليدية التي تشكو الولايات المتحدة منها منذ سنوات طويلة، أضيفت إلى مهام هؤلاء الصينيين في الشهور الأخيرة مهمة غير تقليدية هي مطاردة ثعالب الفاسدين الذين تمكّنوا من الفرار إلى الخارج وعلى وجه خاص إلى الولايات المتحدة. وعندما شعرت الأجهزة الاستخبارية الأميركية أن وكلاء الصين غير المكشوفين يعملون على استدراج كبار المتهمين بالفساد من أجل إقناعهم بالعودة إلى بلادهم لمواجهة التهم المنسوبة إليهم، بادرت تلك الأجهزة إلى إبلاغ صناع القرار الأميركي في البيت الأبيض والخارجية بما توفر لديها من معلومات عن عمليات المطاردة بين الثعالب والجواسيس الصينيين داخل الأراضي الأميركية، لتخرج بعدها المعلومة التي تبلغها صناع القرار إلى العلن الأحد الماضي على هيئة عناوين صحافية مفادها أن واشنطن حذرت بكين من عمليات التجسس عليها، وطالبتها بسحب جواسيسها من الولايات المتحدة، والتوقف فوراً عن مطاردة الفاسدين الصينيين داخل الأراضي الأميركية.

وكانت الصحافة الأميركية قد تناولت برنامج مكافحة الفساد المعروف في الصين باسم "فوكس هانت" أو "صيد الثعالب". وذكرت أنه يتضمن عمليات سرّية للضغط على صينيين فارين إلى الخارج من أجل العودة إلى بلادهم لمواجهة العدالة هناك. وقالت إن وزارة الخارجية الأميركية حذرت المسؤولين الصينيين من مغبة الاستمرار في إرسال عملاء سريين صينيين إلى أميركا عن طريق تأشيرات سياحية أو تجارية. وتضغط الصين من أجل محادثات مع الولايات المتحدة بشأن إبرام اتفاقية لتسليم المجرمين. 

ونقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، قولهم إن العائدين إلى الصين العام الماضي ضمن برنامج مكافحة الفاسدين الفارين إلى الخارج تجاوزوا 930 مواطنا صينيا من أنحاء العالم. 

أبرز جواسيس الصين

تقول المصادر الأميركية إنّ شبكات الصين التجسسية خارج أراضيها تشمل عدداً كبيراً من الدول ولا تقتصر على الولايات المتحدة، وإنّها منتشرة منذ سنين في أوروبا وأوستراليا وكندا.

ورغم الإجماع على أن الجواسيس الصينيين يركزون على سرقة المعلومات من المصادر غير السرّية التي لا تلفت الانتباه، إلا أن تاريخ مكافحة التجسس الأميركي يحفل بعدد من الأمثلة عن أبرز الجواسيس الذين امتد نشاطهم إلى سرقة المعلومات السرية المتعلقة بقضايا تقنية وعلمية حساسة، ومن أبرزهم:

بيتر لي

باحث أميركي من أصل صيني دين عام 1997 بتهمة تزويد الحكومة الصينية بأسرار تقنية أميركية في مجال الطاقة  طوال عقد الثمانينيات والنصف الأول من التسعينيات، عن طريق التواصل مع علماء صينيين.

وين هو لي

عالم نووي أميركي من أصل تايواني اعتقل عام 1999 بتهمة تسريب بيانات نووية إلى الصين وتايوان من بينها تصاميم لرؤوس نووية أميركية متطورة. وقبل اعتقاله كانت الشكوك قد بدأت تدور حوله الأمر الذي دفع وزارة الطاقة الأميركية إلى تقليص صلاحياته وتقليل حجم المعلومات التي يمكنه الحصول عليها من خلال عمله في احد المختبرات النووية الأميركية.  وبعد ذلك فضحه جهاز كشف الكذب الذي أخضعه له مكتب التحقيقات الفدرالي وفشل في اجتياز الاختبار.

كاترينا ليونغ

سيدة أعمال وناشطة في جمع التبرعات للحزب الجمهوري الأميركي، كانت تملك محلاً لبيع الكتب وتعمل كذلك مستشارة تجارية. جرى تجنيدها عام 1982 من قبل أحد ضباط مكافحة التجسس الأميركيين في لوس أنجلوس لتكون عميلة مزدوجة ظاهرياً لصالح الصين وعملياً لصالح الولايات المتحدة. لكن ولاءها للولايات المتحدة أصبح موضع اشتباه في عام 1991 بعدما حامت الشكوك في نقلها معلومات إلى الصين غير مصرّح بها عن عملاء أميركيين داخل الأراضي الصينية. كما عرف عنها تورطها في إغراء بعض ضباط "إف بي آي" عن طريق الجنس من أجل الحصول على معلومات سرّية، لكن اعتقالها تأخر حتى عام 2003، بعد ثبوت الجرم عليها. وفي 2005 جرى اسقاط كافة التهم عنها بقرار قضائي لأسباب إجرائية، وهو أمر لا يحمل  في طياته تبرئتها من تهمة التجسس للخارج، لكنه يتضمن اعفاءها من العقوبة المستحقة.

اقرأ أيضاً: شغب الصين في شرق آسيا... منطقة أمام مصير مجهول