نجح الاقتصاد القطري في تجاوز تداعيات الحصار، الذي فرض على البلاد منذ الخامس من يونيو/ حزيران 2017، وتمكّنت الدولة من استعادة نسق نموها المتصاعد في ظل سياسة التنويع الاقتصادي التي تم وضعها منذ سنوات، وفق عدد من المحللين.
وقامت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وفرض إجراءات تعسفية، بزعم "دعمها للإرهاب"، وهو ما نفته الدوحة بشدة.
في هذا السياق، أكد الشيخ أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني وزير الاقتصاد والتجارة القطري، في مقابلة مع وكالة "الأناضول" نشرت اليوم الخميس، أن بلاده واصلت تنفيذ سياساتها الاقتصادية الهادفة لدعم نمو الاقتصاد المحلي بالاعتماد على القطاعات غير النفطية.
وقال آل ثاني "إن الاكتفاء الذاتي المدعم بخطط تنويع الاقتصاد سيكون علامة فارقة مقارنة باقتصادات المنطقة، بحلول 2030، على الرغم من التحديات الإقليمية والعالمية".
وأسهمت الثروات الطبيعية التي تمّيز دولة قطر برسم ملامح الاقتصاد المحلي، بحسب وزير الاقتصاد والتجارة القطري؛ الذي قال "عملنا على الاستفادة من هذه الثروات الطبيعية لدعم نمو القطاعات غير النفطية".
كما أشار إلى أن بلاده، تمكنت من الانتقال بصادرات الغاز إلى الأسواق العالمية، وسط تنامي الطلب على الغاز، مؤكداً أن قطر "تعد اليوم من أكبر مصدري الغاز الطبيعي في العالم"، رغم محاولة دول الحصار، عرقلة حركة الصادرات والواردات القطرية، بإغلاق كافة خطوطها البرية وكذلك الجوية والبحرية أمام السفن والطائرات القطرية.
ولفت أيضاً إلى أن "الدولة تمكنت من تجاوز تداعيات الحصار، بفضل ميناء حمد، الذي يعد أحد أهم وأكبر الموانئ في منطقة الشرق الأوسط؛ ومطار حمد الدولي".
ويمثل المطار، أحد أكبر المطارات على المستوى الإقليمي، بفضل طاقته الاستيعابية التي تتجاوز 30 مليون مسافر سنويا، "الخطط التوسعية للمطار ستسهم، بزيادة الطاقة الاستيعابية إلى 50 مليون مسافر سنويا، خلال الفترة القادمة"، يقول الوزير.
في سياق حديثه عن أداء القطاع المالي لدولة قطر، أكد الوزير أن "الجهاز المصرفي القطري قوي ومحصن ضد الصدمات، بفضل السياسات الاحترازية والائتمانية المتحفظة، التي اتبعها مصرف قطر المركزي منذ سنوات طويلة".
وأضاف"يعد الريال القطري أمن أكثر العملات استقراراً ومصداقية عبر عقود، بفضل قوة الاقتصاد الوطني واحتياطات البنك المركزي، والصندوق السيادي للدولة".
وأعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، عن تعديل نظرتها المستقبلية لـ 10 مصارف قطرية من "سلبية" إلى "مستقرة".
وأرجعت موديز هذا التوجه إلى مرونة البنوك القطرية والبيئة الاقتصادية للدولة إثر فرض الحصار؛ مع تأكيد النظرة المستقبلية لحكومة دولة قطر عند "Aa3 ".
وقالت الوكالة، الأسبوع الماضي، إن المحرك الرئيس لتغير التوقعات إلى مستقر هو تقييم موديز بأن قطر يمكن أن تتحمل المقاطعة الاقتصادية والمالية والدبلوماسية من قبل ثلاث دول خليجية ومصر في شكلها الحالي، أو مع المزيد من القيود المحتملة لفترة زمنية طويلة من دون حدوث تدهور مادي في ملف الائتمان الخاص بها.
وبحسب آل ثاني "قطر تمتلك احتياطيات كبيرة، فأصول صندوق ثروة دولة قطر السيادي تقدر بحوالي 300 مليار دولار، بالإضافة إلى أصول في مجال الغاز الطبيعي، لدينا أكبر أسطول لشحن الغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم".
وبيّن أيضاً أن "دولة قطر حافظت على معدلات نمو متوازنة، على الرغم من العديد من التحديات، وحقق الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 9.4 بالمائة في الربع الأخير 2017 (بالأسعار الجارية)".
وأضاف "بلغت مساهمة قطاع النفط والغاز في الناتج المحلي بالأسعار الثابتة، خلال 2017، حوالي 48 في المئة؛ بينما تجاوزت مساهمة القطاع غير النفطي 52 في المئة".
وقال الوزير "شهد فائض الميزان التجاري للدولة نمواً بنسبة 49.9 في المئة، وذلك من 25.18 مليار دولار في 2016، إلى 37.75 مليار دولار في العام الماضي".
إلى جانب ذلك، توقع البنك الدولي أن يحقق الاقتصاد القطري نموا بنسبة 2.8 في المئة خلال 2018، وأن يزيد بمتوسط 3 في المئة خلال عامي 2019 و2020.
وتصدرت دولة قطر أكبر اقتصادات العالم في العديد من المؤشرات والتقارير الدولية، بحسب وزير الاقتصاد والتجارة القطري، من بينها تقرير مؤشر التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي 2017- 2018.
وجاءت قطر بالمرتبة 20 عالميا، في محور البيئة الاقتصادية؛ والأولى عالميا في محور استقرار التضخم؛ والثالثة عالميا في المشتريات الحكومية من منتجات التكنولوجيا المتقدمة.
وطبقاً لتقرير كتاب التنافسية العالمي لعام 2018 الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD)، حلت دولة قطر في المرتبة الثالثة عالميا في مؤشر القوى العاملة؛ والثالثة عالميا في مؤشر كفاءة القرارات الحكومية؛ والرابعة عالميا في مؤشر الشفافية.
وتصدرت الدولة القطرية قائمة أغنى دول العالم العربي، من حيث نصيب الفرد من الثروة في 2018، وفق تصنيف صادر عن البنك الدولي، وحلت في المركز الثاني بعد النرويج على المستوى العالمي.
وفي هذا الإطار، أكد الشيخ أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني، أن إحدى أهم الأولويات التي وضعتها دولة قطر تتمثل في الاعتماد على قدراتها الذاتية، ودعم وتحفيز الشركات الوطنية على الإنتاج والاستثمار في القطاعات الاستراتيجية.
وتابع "نسعى إلى دعم الشركات الوطنية، وتسهيل انسياب السلع المحلية، وإتاحة الفرصة للمنتجات القطرية لدخول الأسواق العالمية".
وطرحت قطر خلال العامين الماضي والجاري، مشاريع تهدف إلى تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، في مجالات الأمن الغذائي، والقطاع الرياضي والسياحي، والصحي، وقطاع التعليم، وكذلك الخدمات.
وكثفت الدوحة منذ الحصار الرباعي، مساعي فتح طرق بحرية وجوية جديدة وبديلة، مع عدد من المناطق الاستراتيجية حول العالم.
وقال وزير الاقتصاد والتجارة في هذا السياق، إن بلاده توجهت نحو إرساء خطوط تجارية جديدة وتعزيز قنواتها القائمة مع الدول، بهدف تسريع توريد السلع والمنتجات للسوق المحلية.
ومن أهم هذه الدول، وفق الوزير، تركيا وعمان والكويت وأذربيجان والهند وباكستان والمغرب والجزائر وغيرها من الدول الأخرى.
ولعبت التحديات الإقليمية، بحسب الوزير، دوراً أساسياً في تقوية وتعزيز العلاقات الثنائية بين تركيا وقطر، والدفع بها إلى مستويات أرقى انعكست من خلال إبرام العديد من الشراكات الاستراتيجية الجديدة.
وقال إن "حجم التبادل التجاري بين البلدين في 2017، بلغ 1.3 مليار دولار بما يعادل نمواً بنسبة 46 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2016، حيث بلغ حجم التبادل التجاري نحو917 مليون دولار".
وأكد أن "تطور التبادل التجاري يترجم الإجراءات والاتفاقيات التي تم توقيعها خلال الفترة الأخيرة، ومن بينها توقيع مذكرة تفاهم بين قطر وتركيا وإيران، بشأن تسهيل النقل الدولي وحركة المرور العابر "الترانزيت".
وتابع: "التعاون بين الدوحة وأنقرة، يهدف لخلق شراكة اقتصادية استراتيجية، تتيح فتح أسواق جديدة تتماشى مع القدرة الشرائية، لما يزيد عن 185 مليون نسمة، وهذا المعدل قابل للتطور إلى 400 مليون نسمة".
وكشف عن وجود مباحثات "تجري حالياً، لإبرام اتفاقية شراكة اقتصادية وتجارية بين قطر وتركيا، تهدف إلى منح معاملة تفضيلية للسلع والخدمات التركية في قطر، والقطرية في تركيا".
وأضاف قائلاً أن "الشركات التركية العاملة في قطر تشهد تزايداً مستمراً حيث تم تسجيل نحو 40 شركة تركية جديدة بعد الحصار لتضاف إلى نحو 400 شركة كانت تعمل في الدولة من قبل الحصار".
ولفت وزير الاقتصاد والتجارة إلى أن دولة قطر تتيح للمستثمرين الأجانب التملك بنسبة 100 في المئة في كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية والتجارية.
وقال إن الدولة توجهت نحو إعفاء رأس المال الأجنبي المستثمر من ضريبة الدخل، لمدة تصل إلى 10 سنوات، لمشاريع استثمارية محددة.
كما أعفت قطر المستثمرين من الضرائب الجمركية والرسوم عند استيراد المعدات والمواد الخام؛ وأتاحت إمكانية تحويل الأرباح للخارج ونقل ملكية الشركات بحرية تامة.
وقال "تعمل قطر حاليا، على إصدار قانون تنظيم استثمار رأس المال غير القطري في النشاط الاقتصادي، الذي من شأنه أن يسهم بتعزيز دخول المستثمرين الأجانب إلى السوق القطري".
وختم حديثه، بالإشارة إلى مميزات قانون المناطق الحرة الاستثمارية الذي يهدف إلى إزالة كافة الحواجز والقيود أمام رؤوس الأموال وإتاحة إدخال التكنولوجيا الحديثة إلى المشاريع الاستثمارية.