التلويح الإسرائيلي بعودة الاغتيالات: رسائل ضغط إضافية على "حماس"

13 اغسطس 2018
"حماس" لن تصمت على عملية الاغتيال(عبدالحكيم أبو رياش/العربي الجديد)
+ الخط -


يبدو التهديد الإسرائيلي الجديد القديم باغتيال قادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والمقاومة الفلسطينية أقرب إلى رسالة للحركة وللفصائل الأخرى بهدف الضغط عليهم بشكل أكبر، وسط مفاوضات صعبة للوصول إلى تهدئة طويلة الأمد نسبياً.

لكن هذا التهديد والوعيد المتكرر، الذي بات أخيراً سمة يومية لوسائل الإعلام الإسرائيلية وبعض المسؤولين في دولة الاحتلال، وفي ظل حكومة متطرفة، قد يتحول إلى فعل على أرض الواقع، وهو ما يمكن أنّ يقلب الأوضاع رأساً على عقب ويتحول إلى حرب رابعة ضد القطاع. وأجرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، في الفترة الأخيرة، استعدادات واسعة للعودة إلى سياسة تصفية قادة حركة "حماس" والمقاومة الفلسطينية، وفق ما ذكرت صحيفة "هآرتس"، كبديل لعدوان عسكري واسع النطاق في قطاع غزة. ويعتقد الإسرائيليون والمؤسسة العسكرية للاحتلال أنّ الاغتيالات ستضرب الحركة وتشلّ نشاطها وقدرتها على المواجهة، لكن ذلك، وفق تجارب سابقة، لم يكن إلا شرارة لانطلاق مواجهة أشمل وأكثر صعوبة، إذ كانت تعقب كل اغتيال مسؤول كبير جولة عنيفة من التصعيد، أو الحرب كما جرى في 2012 و2014.

غير أنّ حركة "حماس"، المعنية بالأساس بهذا التهديد، رأت فيه على لسان القيادي فيها يحيى موسى "تعبيراً عن حالة ارتباك شديد عند المحتل، وفتح لبازار الدم أمام جمهور يميني صهيوني متعطش للدماء". وقال موسى، وهو نائب عن الحركة في المجلس التشريعي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العدو الصهيوني يغتال كل يوم من الفلسطينيين، ونحن لا نفضل أنفسنا على شعبنا، فالكل لدينا واحد"، مؤكداً أنّه عندما يستبيح الاحتلال الإسرائيلي الدم الفلسطيني ويغتال قادة المقاومة لن تتم مقابلته بالصمت. ووضع موسى فرضيات المواجهات الأخيرة على الطاولة من جديد، إذ أكّد أنّ الاحتلال الإسرائيلي يعلم أنه عندما قصف قصفته المقاومة، وعندما قنص قنصته المقاومة، مشدداً على أن "المقاومة ملتزمة بالدفاع عن شعبها وأرضها، وهذه معركة الكرامة والشرف. من يمُت منا يرتق شهيداً عند الله". والحلول لهذا التوتر، وفق موسى، أن ينتهي هذا الاحتلال للأرض الفلسطينية، فـ"الشعوب لا يمكن أن تُقهر، ولا يمكن أنّ تستسلم أمام جبروت الاستعمار، فالاستعمار قتل الملايين من قبل، وفي النهاية خرج المستعمر وبقي أصحاب الأرض". وشدد على أنّ حركته "عندما تتعامل مع العدو الإسرائيلي تتعامل مع عدو مجروح في حالة هجوم من قبل الجمهور والإعلام الإسرائيلي. هؤلاء الناس معنيون بمكانتهم الانتخابية وأن يبقوا في السلطة، ومن أجل ذلك يمكن أن يختاروا القتل".




ويتأكد كلام القيادي في "حماس" من سلسلة طويلة من التهديدات المباشرة التي يطلقها قادة الاحتلال ومسؤولو الأمن الإسرائيلي، وكذلك التحريض الواضح في وسائل الإعلام الإسرائيلية تجاه غزة، خصوصاً بعد جولات التصعيد والتهدئة الأخيرة التي فُهمت في إسرائيل على أنها "انتهاك لقوة الردع". وبيّن موسى أنّ حركته "تضع الأمور في أسوأ الاحتمالات"، لكنها تؤكد أنّه "ليس عند الاحتلال وصفة ذهبية للتعامل مع غزة، وكل الطرق التي يتحدث عنها الاحتلال لم ينجح في أي منها. سياسة الاغتيال كانت موجودة ولم تؤدّ إلى نتيجة، والحروب لم تؤدّ إلى نتيجة، والحصار لم يؤدّ إلى نتيجة. المنطق الطبيعي أن يدفع الاحتلال الأثمان المطلوبة". وأكدّ أنّ حركته "لن تسمح ببقاء مليوني فلسطيني في حصار وتحت تجارب الاحتلال الإسرائيلي"، مشدداً على أنّ الشعب الفلسطيني في حالة اشتباك مستمرة مع المحتل، سلمياً عبر تظاهرات الحدود، ومقاومة كل وسائل الحصار، وبدائل عن هذا الظلم. وشدد القيادي في "حماس" على أنه عندما يعتدي علينا العدو بالرصاص والقنابل ستكون المقاومة جاهزة للدفاع عن شعبها، مؤكداً أن "العدو لا يضع أمامنا خيارات إلا أن نقاومه، والمقاومة هي القانون الأبدي والتاريخي لهذا الوضع، وليس لنا خيار إلا أنّ نقاوم هذا المحتل حتى يستجيب لمطالبنا".

ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ من أهداف هذا التلويح والتهديد غير المباشر الضغط على حركة "حماس" لاتخاذ خطوات أسرع وأسهل ومن دون تعنت أمام الاحتلال الإسرائيلي في غمار مفاوضات التهدئة الجارية برعاية مصرية وأممية. غير أنّ المدهون يرى في الأمر رسالة أكثر للجمهور الإسرائيلي، خصوصاً بعد حالات الإخفاق في عملية الردع تجاه غزة، التي تبعتها تحليلات إسرائيلية واستهزاء مباشر من الإعلام الإسرائيلي بالمسؤولين في المجلس الأمني والسياسي المصغر "الكابينيت". وقال المدهون إنّ "الأمر معقد، وهذه سياسة يتبعها وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، وهو معني بتنفيذ وعوده، وعندما سئل بأنه لم يغتل إسماعيل هنية ويحيى السنوار كما كان يعد بذلك، قال ما زلت وزيراً للدفاع"، مبيناً أنّ ليبرمان "يريد أن ينشر هذه الثقافة، ولولا بعض حسابات الجيش وقادته لاستأنف الاغتيالات، فهو يريد أن يظهر أمام الجمهور الإسرائيلي أنه بديل عن آرئيل شارون وعن قوة شارون لكنه لم يستطع تنفيذ هذا الحلم بعد". ويسعى الاحتلال، وفق المدهون، إلى إرضاء جمهوره الداخلي الغاضب من إخفاقات الرد الأخيرة ضد غزة، لكنه يؤكد، في الوقت ذاته، ضرورة أنّ يأخذ قادة المقاومة والفصائل أقصى درجات الحيطة والحذر. وأوضح الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني أنّ تداعيات عودة سياسة الاغتيالات لا تحتملها المنطقة، وقد تتوسع المواجهة بشكل غير محسوب وصادم ومكلف للجميع، مؤكداً أنه في حالة "حماس" فإنّ الاغتيالات لم تؤثر على الحركة، إذ إنها لم تعد تنظيماً محصوراً يعتمد على شخص أو أكثر، بل هي منظومة كاملة.

المساهمون