أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر، عن ارتفاع معدل التضخم السنوي لشهر مارس/آذار الماضي إلى 32.5% مقارنة بمارس 2016، ومرتفعا عن فبراير الماضي والذي سجل 30.2%.
تقديرات البنك المركزي المصري عن التضخم لا تختلف كثيرا عن تقديرات الجهاز المركزي وتستند عليها إلى حد بعيد، لكنه يستبعد السلع التي تتحدد أسعارها إداريًا والسلع الأكثر تقلبًا من مؤشر قياس التضخم، وهي السلع الأساسية والتموينية التي يستهلكها عموم المصريين وبكميات كبيرة.
ورغم أن هذا التضخم هو الأعلى منذ أربعينيات القرن الماضي، باعتراف مديرة الأرقام القياسية في جهاز الإحصاء، وهو تطور خطير وفشل ذريع لا يفلت من الإقالة بسببه حكومة أو نظام في أي دولة تحترم مبدأ الشفافية والمساءلة، رغم هذا تظل أرقام التضخم الرسمية المعلنة أقل من واقع التضخم في الأسواق ومحل تشكيك الخبراء المصريين والأجانب، وهو ما يدعو إلى تحليل المنهجية التي يعتمدها الجهاز في حساب نسب التضخم ومصداقيته وحياديته.
المنهجية
يعتمد جهاز التعبئة والإحصاء، وهو الجهة الرسمية الوحيدة المسموح لها بقياس التضخم، منهجية مضللة في حساب نسب التضخم، ليشمل التغير في أسعار سلع وخدمات مثل المشروبات الكحولية والثقافة والترفيه والمطاعم والفنادق وإيجارات المساكن وأكثر من 1000 سلعة وخدمة يظل التغير في سعرها قريبا من الصفر، لينخفض، تبعا لهذه المنهجية، رقم التضخم العام، بالرغم من تضاعف أسعار السلع الأساسية في الواقع، وهي المنهجية التي ينتقدها خبراء الاقتصاد في مصر والعالم ويعتبرونها منهجية مضللة.
منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فاو، وهي إحدى المؤسسات المعنية بالنهوض بمستويات التغذية وتحسين القدرة الإنتاجية الزراعية والأوضاع المعيشية للسكان وتحقيق الأمن الغذائي، تصدر مؤشرا لأسعار المواد الغذائية يقيس التغيّر الشهري في أسعار السلع الغذائية الأساسية فقط، هي الحبوب، واللحوم، والزيوت، والسكر والألبان، ولا تضيف سلعا غير أساسية تضر بمنهجية المؤشر الإحصائي.
وبسبب فساد منهجية جهاز الإحصاء المصري، اتهم خبير الاقتصاد الأميركي ستيف هانك، أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة "جونز هوبكينز" ومدير مشروع العملات المضطربة بمعهد كاتو الأميركي، الأجهزة الرسمية بالكذب بشأن معدلات التضخم في مصر، مؤكدا أن معدل التضخم الحقيقي في مصر يساوي 146.6%، مشككا في صحة الإحصائيات الحكومية الرسمية، علما أن المعهد الذي يعمل به هانك يحتل الترتيب 16 بين أفضل معاهد دراسات السياسات في العالم.
الحيادية
لا يعترف رئيس جهاز الإحصاء، وهو عسكري، بخطأ النظام في تطبيق شروط صندوق النقد الدولي، بتحرير سعر صرف الجنيه، والتحول إلى ضريبة القيمة المضافة، وخفض دعم السلع التموينية والمنتجات البترولية والطاقة وتذاكر المترو من أجل اقتراض 12 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات، وهي الإجراءات الأساسية التي قفزت، وسوف تقفز قريبا، بالتضخم إلى معدلات غير مسبوقة.
وعلق الأكاديمي الأميركي ستيف هانك، والذي عمل مستشارا اقتصاديا للرئيس الإندونيسي سوهارتو، على اتفاق السيسي مع الصندوق، عبر حسابه على تويتر، فقال "وقع السيسي اتفاقا مع الشيطان، صندوق النقد الدولي، ووقع على شهادة وفاته، كما فعل سوهارتو في إندونيسيا في عام 1998". واعتبر هانك أن تعويم الجنيه كارثة، فقال "في مصر كارثة أخرى لصندوق النقد الدولي تذكرني بتعويم روبية إندونيسيا 1997، أدت إلى إطاحة سوهارتو، وربما تكون أيام السيسي معدودة".
المصداقية
لا تعبر أرقام الجهاز الإحصائي عن واقع التضخم الفعلي، فبينما يشهد سوق الأسماك أزمة حقيقية وارتفاعا جنونيا في أسعارها لأكثر من ثلاثة أضعاف، خاصة الأنواع الشعبية منها، ذكر تقرير الجهاز أن مجموعة الأسماك ارتفعت أسعارها في مارس بنسبة 10.6% فقط عن فبراير.
أيضا مجموعة اللحوم التي ارتفعت على أساس سنوي بشكل جنوني إلى الضعفين تقريبا، والدواجن إلى قريب من ثلاثة أضعاف، ذكر الجهاز أن أسعارها ارتفعت بنسبة 36.4% فقط، وبالرغم من ذلك اعتبر التقرير أن هذه النسبة لا تساهم أيضا إلا بمقدار 5.2% في حساب معدل التغير السنوي.
وطعناً في مصداقية الحكومة، كتب ستيف هانك، في يناير الماضي، أن الحكومة المصرية تفتقد الكفاءة إلى حد بعيد في قياس التضخم، حتى إنها عاجزة عن قياسه بشكل صحيح، أو ربما أنها تكذب بالفعل، وتعجّب من إعلان الحكومة التضخم عند 23% مقابل النسبة التي يحتسبها وهي 144%.
عقدة مرسي
لا يذكر رئيس الجهاز الإحصائي أن أسعار السلع الأساسية التي تستوردها مصر من السوق الدولية ظلت مرتفعة في السنة التي حكم فيها الدكتور محمد مرسي بنسبة تقارب 30%، وبلغ مؤشر منظمة الأغذية والزراعة الفاو، لأسعار الغذاء في 2012/2013، 211 نقطة مقابل 161 نقطة فقط في 2016، وبلغ مؤشر الحبوب والقمح والتي تستورد مصر أكبر كمية منه في العالم 225 نقطة في عهد مرسي، مقابل 147 نقطة في 2016 بانخفاض 30%.
ورغم هذا الغلاء في الأسعار الدولية للغذاء الذي تستورد مصر معظمه، لا يذكر رئيس الجهاز الإحصائي أن نسبة التضخم في عهد مرسي لم تزد عن 10% مقابل 31% في عهد السيسي، بحسب الأرقام الرسمية، و146% بحسب خبير الاقتصاد الأميركي ستيف هانك!
اعتاد النظام التلاعب بالمؤشرات الاقتصادية ومعدلات التضخم الرسمي التي تكشف فشله وفساده في إدارة شؤون البلاد، خوفا من القلاقل الاجتماعية وغضب الجماهير، لكن مشاركة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في هذا التلاعب وتخليه عن الحيادية والموضوعية يفقد ثقة المستثمر المحلي والأجنبي في الاقتصاد المصري، ويطرد رؤوس الأموال من السوق، ويفاقم الفقر والبطالة، ويعجل بالانهيار والثورة الشعبية.