الحديث عن هذه المراكز يقودنا حتماً إلى الحديث عن واقع التكوين في الجزائر، الذي يطرح الكثير من علامات الاستفهام، حول الغياب التام للعمل القاعدي في مختلف الأندية الجزائرية، والاهتمام بفئة الشباب، التي تأتي ضمن آخر أولويات معظم فرق البطولة المحلية، في كل الأقسام وعبر كل ربوع الجزائر، باستثناء فرق قليلة تُعَدّ على الأصابع.
والغريب في الأمر، أن الجزائر تزخر بأهم شيء في مجال التكوين، وهو الموهبة. فلا يعقل أن الموهبة التي يمتلكها رياض محرز، ياسين براهيمي أو سفيان فغولي، على سبيل الذكر لا الحصر، قد حصلوا عليها بسبب تطورهم خارج الجزائر. على العكس، هي جينات وُلدت معهم، ومهارة وُهبت لهم، ويتشاركونها مع الكثير من الجزائريين داخل الوطن وخارجه. فالعديد من المباريات في الملاعب الشعبية وفي الشوارع والأزقة يغلب عليها اللعب الاستعراضي والموهبة الفنية، وتُقارب تلك التي نراها في شوارع أميركا الجنوبية.
الفرق بين هؤلاء النجوم وغيرهم، أنهم محظوظون بالولادة في دول تعطي أهمية للمواهب، وتُسخّر كل الإمكانات للاستثمار فيهم وصقل مواهبهم والاستفادة منهم، وإن كانت أصولهم من قارات أخرى، والأهم وضع الثقة فيهم ومنحهم الدعم من أجل العمل والتطور، وهو ما جعل بلداً مثل فرنسا يمتلك أكبر خزان لاعبين في أوروبا، ويمنح مختلف البطولات الأوروبية للاعبين يعتبرون نجوماً في فرقهم، وقد منح المنتخب الفرنسي منتخباً شاباً يعتبر وصيف أوروبا وبطل العالم، كما نجح الاتحاد القطري في تشكيل منتخب قوي من طريق سياسة التكوين الذي توّجه بالظفر بلقب بطل آسيا.
الجزائر تمتلك تجربتين فقط في التكوين: الأولى "أكاديمية الفاف" التي كانت لاتحاد الكرة سنة 2007 تحت قيادة الرئيس الأسبق عبد الحميد حداج، والتي منحت النواة الأساسية لمنتخب أقل من 17 سنة الذي تأهل لمونديال 2009، وكذلك نواة منتخب أقل من 23 سنة الذي خسر نهائي كأس أفريقيا وتأهل إلى الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو عام 2016، إضافة إلى احتراف العديد من خريجي الأكاديمية في البطولات الأوروبية، على رأسهم زين الدين فرحات، محمد بن خماسة، أيوب عبد اللاوي وأسامة ردفلو.
والتجربة الثانية هي نادي أتلتيك باردو الذي يمتلكه رئيس اتحاد الكرة الحالي خير الدين زطشي، والذي تمكن من تقديم ثلاثة لاعبين لمنتخب الجزائر المتوج بكأس أفريقيا، هم: يوسف عطال، رامي بن سبعيني وهشام بوداوي، وهي الأسماء نفسها التي احترفت في الدوريات الأوروبية، تُضاف معها أسماء أخرى، مثل: هيثم لوصيف، زكرياء نعيجي وفريد الملالي. بل إن مداخيل هذا النادي خلال سوق الانتقالات الماضية تجاوزت 6 ملايين دولار.
كل هذه المعطيات تعطي خاتمة واحدة، أن الجزائر هي منجم الذهب المنسيّ الذي لم يُستثمَر فيه حق الاستثمار، وأن العمل على مجال التكوين هو الطريق الوحيد من أجل استغلال كمية المواهب الكثيرة، وأن استغلال هذا المنجم هو ما يقوم به اتحاد الكرة بإعادة بعث مشروع "أكاديمية الفاف"، وهو المشروع الذي يدعمه "فيفا" مادياً ومعنوياً، وهو طريق النجاح نفسه الذي انتهجه كل من الاتحاد الفرنسي من خلال مركز "كليرفونتان"، والاتحاد القطري من خلال "أكاديمية أسباير"، وما على الفرق الجزائرية إلا الاستثمار بدورها، لأن المنجم كبير ويسع الجميع.