أكمل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بقراره تكليف وزير مغمور من حكومة إبراهيم محلب، وزير البترول شريف إسماعيل، بتشكيل حكومة جديدة، مسلسل تفرُّده بمسك مفاتيح السلطة التنفيذية، من خلال إبعاد المرشحين الأقوياء لخلافة محلب، أي مهاب مميش، وعبدالعزيز سيف الدين، وكلاهما كانا زميلي السيسي في المجلس الأعلى للقوات المسلحة. من هنا، أثارت تسمية إسماعيل، حالة من الارتباك في الأوساط الحكومية المصرية. فالأسماء التي طُرحت بعد إقالة أو استقالة محلب، كانت لشخصيات معروفة ويدعمها الجناح العسكري في السلطة، إلا أن اختيار شخصية تكنوقراطية كشريف إسماعيل، يدل على أن السيسي لا يزال متمسّكاً بحصر القرار السياسي في يده، التنفيذي والتشريعي في ظل غياب البرلمان.
وكان معروفاً أن محلب سيقابل السيسي صباح أمس السبت في قصر الرئاسة، لكن المعلومات كانت تشير إلى أنه سيتم إجراء تعديل وزاري محدود على خلفية قضايا الفساد التي اجتاحت بعض الوزارات خلال الفترة الأخيرة، ولا سيما تعيين وزير جديد للزراعة بدلاً من المقال المحبوس صلاح الدين هلال.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن حكومة محلب كانت سترحل بالتأكيد بعد الانتخابات، وكانت ستخضع لتعديل متوسط الحجم بعد ظهور قضايا الفساد، إلا أن مشهد انسحاب محلب من المؤتمر الصحافي الذي عقده في تونس جراء سؤاله عن قضية "القصور الرئاسية" المتهم فيها الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجلاه، كانت القشة التي قصمت ظهر رئيس الوزراء، فقد اتصل به السيسي وأنّبه وقتها.
وعقب الإقالة ترددت بعض الأسماء التي يدعمها الجناح العسكري من السلطة وقيادات الجيش لتولي الحكومة، أبرزها رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش، ورئيس الهيئة العربية للتصنيع اللواء عبدالعزيز سيف الدين، وكلاهما كانا زميلين للسيسي في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، غير أن الأخير اختار إسماعيل الذي لم يعمل في حياته إلا في مجال البترول.
وتعرّض إسماعيل منذ عدة أشهر لحملة في بعض الصحف المقربة من الدوائر العسكرية بالنظام، والتي يديرها ويدعمها بالمعلومات اللواء عباس كامل، مدير مكتب السيسي ومساعده الأول، وانصبّت هذه الحملة على الترويج لإقالته وعدم صلاحيته للاستمرار في المنصب. وكان كامل قد وصف شريف إسماعيل بـ"الواد الصايع الضايع" في أحد التسريبات التي بثتها قناة "مكملين" الفضائية، واتهمه بعدم القدرة على تسجيل الحسابات الخاصة باحتياجات البلاد من المواد البترولية بغية طلب مساعدات من دول الخليج.
كما تُوجّه اتهامات لإسماعيل، بالمشاركة في فضيحة تصدير الغاز لإسرائيل بأسعار منخفضة خلال فترة حكم مبارك، حين كان يتولى منصب وكيل الوزارة لشؤون عمليات البترول والغاز، إضافة إلى انتقادات له بافتقاد الكفاءة التي تؤهّله لتولي منصب رئيس وزراء دولة بحجم مصر.
ويوضح وكيل لجنة الطاقة السابق في مجلس الشعب المصري حاتم عزام، أن شهادة إسماعيل أمام المحكمة التي نظرت في قضية مبارك وحسين سالم مدير شركة غاز المتوسط التي كانت الوسيط في صفقة بيع الغاز لإسرائيل، كانت إحدى الدعائم التي استند إليها دفاع المتهمين للحصول على البراءة، مشيراً إلى أن "إسماعيل دافع عن سعر بيع الغاز من وزارة البترول إلى شركة حسين سالم بالأمر المباشر، والذي يتم تصديره بعد ذلك لإسرائيل".
ويضيف عزام قائلاً: "سعر الغاز الذي دافع عنه شريف إسماعيل لتبيع به الوزارة لحسين سالم الغاز، هو 75 سنتاً، ما يعني أنه أقل من دولار واحد. في حين أن سالم كان يبيع لإسرائيل بـ1.75 دولار إلى دولارين، بينما كانت مصر تشتري الغاز من الشركاء الأجانب وقتها بـ2.4 دولار".
اقرأ أيضاً: السيسي يكلف وزير البترول بتشكيل حكومة جديدة
في السياق، يقول أحد الوزراء السابقين في حكومة حازم الببلاوي، والذي عمل برفقة إسماعيل، إن "إسماعيل قد يكون منفّذاً جيداً، ولكن من خلال احتكاكي به في مجلس الوزراء، لا أرى تماماً أنه يصلح لأن يكون قائداً للحكومة في هذه المرحلة"، مشدداً في الوقت ذاته على أن "البلاد تحتاج لرئيس وزراء ذي صبغة سياسية، ويكون محنكاً سياسياً، حتى لا نكرر تجربة محلب في الحكومة لنرى رئيس وزراء يهرب من مؤتمر صحافي لعدم قدرته على الإجابة عن سؤال أمام الكاميرات".
فيما يلفت مصدر سياسي مصري إلى أن رئيس الحكومة المكلف له تاريخٌ من الأمراض قد يؤثر على توليه الحكومة، إذ تعرّض أكثر من مرة لوعكة صحية، كان آخرها في شهر يونيو/حزيران الماضي اضطر معها للسفر إلى الخارج في رحلة صحية استمرت ثلاثة أسابيع، وأناب خلالها مجلس الوزراء، وزير النقل هاني ضاحي للإشراف على وزارة البترول.
لكن إسماعيل يُعتبر من أخلص رجال الحكومة للسيسي وأقربهم إليه، ومن أكثر الوزراء الذين نَمت علاقة قوية بينه وبين السيسي خلال فترة زمالتهما في عهد حكومة حازم الببلاوي، على الرغم من الحرب المستترة التي شنّتها الدائرة العسكرية حول السيسي ضد إسماعيل وباءت بالفشل كما يبدو.
إلا أن مصادر حكومية مطلعة ترى أن استبعاد أسماء بحجم مميش وسيف الدين، لمصلحة شخصية تكنوقراطية كشريف إسماعيل، له دلالات عدة. الدلالة الأولى أن السيسي ما زال يرى أن الحكومة يجب أن تبتعد عن السياسة، فكما كان محلب متخصصاً في المقاولات والإسكان فقط، جاء إسماعيل المتخصص في البترول والتعدين فقط، من دون أن يكون لأي منهما أي دور سياسي أو خبرة سياسية سابقة، على عكس الشخصيات التي كانت الدائرة العسكرية تروج لها وتدفع بها.
الدلالة الثانية هي أن السيسي اختار لنفسه الوقوف بعيداً، ولو قليلاً، عن الدائرة التي خرج منها، بشخصياتها التي تعرفه جيداً، وكان بعضها أعلى منه رتبة داخل المجلس العسكري، مكرساً مقولة ذكرها من قبل وهي أن أحداً ﻻ يملك فواتير يطالبه بسدادها، هادفاً لأن يكون الرأس الحقيقي الوحيد للسلطة التنفيذية، وهو ما يؤكده اختياره للعنصر المدني، وليس العسكري لرئاسة الحكومة المخصصة لتنفيذ مشروعاته وأفكاره.
أما الدلالة الثالثة فهي أن السيسي لديه معلومات بتورّط عدد كبير من الوزراء والقيادات الحكومية، في قضايا فساد، ما يجعله يتخطى عدداً كبيراً من الوزراء المعروفين، ليختار إسماعيل خلفاً لمحلب، وذلك في إطار الحملة التي اهتم بتأطيرها في الآونة الأخيرة ضد الفساد بهدف زيادة شعبيته قبل انتخابات مجلس النواب، ومن المتوقع أن تشهد إجراءاتها تصعيداً قضائياً في الأيام المقبلة.
وفي ظل منح السيسي شريف إسماعيل مهلة أسبوع واحد لتشكيل الحكومة، تدور في دوائر السلطة والقضاء معلومات متضاربة بشأن إجراء الانتخابات النيابية المقررة في منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل، أو تأجيلها. وتوضح مصادر قضائية في اللجنة العليا للانتخابات، أن السيسي لم يصدر أي أوامر بتأجيل الانتخابات أو إلغائها، وأن هناك تطمينات تلقاها وزير الداخلية مجدي عبدالغفار باستمراره في الحكومة الجديدة مدعوماً من مستشار السيسي للأمن أحمد جمال الدين. لكن مصادر أخرى في وزارة العدل تؤكد أن التأجيل أصبح أقوى الاحتمالات الآن، مرجحة أن يتم ذلك عقب صدور أي حكم قضائي ضد اللجنة العليا بشأن تقسيم الدوائر.