ويعني ذلك أن تأمين سلامة الملاحة في مضيق هرمز وكل مياه الخليج فيه لم تعد مسؤولية أميركية تامة كما كانت واشنطن تكرر وتؤكد في كل مناسبة، ذلك أن "أميركا ستقوم بحصتها فقط في هذا المجال"، حسب تعبيره. هو نفس الوزير الذي اشترط قبل أكثر من سنة 12 مطلباً على إيران تلبيتها قبل فتح باب الحوار معها. الآن تحولت هذه المطالب من شروط إلى بنود "ستكون على الطاولة" للتفاوض بشأنها، حسب الناطقة في وزارة الخارجية مورغن أورتيغوس.
أمس خلال اجتماع وزاري في البيت الأبيض، نوّه الوزير بومبيو إلى ما قاله نظيره الإيراني محمد جواد ظريف عن استعداد بلاده لوضع مشروعها الصاروخي على طاولة التفاوض. تطور نال اهتمام الإدارة لأنه "غير مسبوق" وإن جاء مشروطاً بوقف تسليح السعودية والإمارات، وهو ما عادت إيران لتنفي أن يكون ظريف قد قاله.
المتحدثة أورتيغوس، كررت هي الأخرى نفس الطرح لجهة "رغبة الإدارة في الحوار من غير شروط مسبقة .. ولم يبق على إيران سوى إبداء عزمها على مقابلة هذا التوجه بالمثل".
وكان ترامب قد اغتنم فرصة هذا الاجتماع للتأكيد على أن إدارته "لا تعمل على تغيير النظام في إيران". على العكس، نوّه "بالتقدم الملحوظ" في الموضوع الإيراني، لافتاً إلى أن "إيران تريد التحاور وسوف نرى كيف ستتطور الأمور".
تبدّل انقلابي في الخطاب والتوجه لم يهبط فجأة، ذلك أن مؤشراته تتوالى منذ التراجع عن العملية العسكرية التي كانت قد تقررت ردا على إسقاط إيران للطائرة الأميركية المسيرة، والتي لم يكن الرئيس ترامب متحمساً لها في الأصل. بعدها نفّذ استدارة كما فعل مع كوريا الشمالية وبدأت القنوات الخلفية في العمل لتمهيد الطريق إلى طاولة التفاوض.
وفي هذا السياق، جاء قرار بومبيو المفاجئ برفع العقوبات الأسبوع الماضي عن الوزير ظريف لتمكينه من الحصول على تأشيرة السفر إلى نيويورك التي وصل إليها يوم الأحد الماضي. من نشاطاته وتزامن وجوده في عاصمة ناطحات السحاب، بدا أن زيارته كان غرضها أكثر من المشاركة في الدورة السنوية للمجلس الاجتماعي الاقتصادي الدولي في الأمم المتحدة. ويبدو أنه كان على علم بالتحضيرات الجارية في واشنطن لترجمة سياسة الحوار. فلم يكن صدفة أن يدلي من نيويورك بتصريحه حول موافقة بلاده على ضم ملف الصواريخ إلى جدول أعمال الحوار المنشود (رغم التوضيح اللاحق من طهران الرافض لأي تفاوض على الصواريخ).
كما لم يكن صدفة أن يقوم ترامب، وبالتزامن تقريباً مع تصريحات ظريف، بإعطاء الضوء الأخضر إلى السناتور رون بول الذي فاتح الرئيس برغبته القيام بدور المبعوث الأميركي لبناء جسر العبور الدبلوماسي بين الإدارة وطهران، لتفكيك الأزمة والعثور على مخرج تفاوضي حول اتفاق نووي جديد يتجاوز الاتفاق السابق.
والمعروف أن السناتور بول المحسوب على الجمهوريين هو من دعاة الانكفاء العسكري الأميركي في العالم ومن أشد المعارضين للحروب. واختياره لهذه المهمة حصل ليس لأن علاقاته جيدة مع ترامب ولو أنه صوت ضده في قرارات تخص السعودية، بل لأنه يعزز الثقة برغبة الرئيس السلمية وبما يسرّع في الدخول إلى غرفة التفاوض وإن كان ليس هناك من يراهن على التوصل إلى مخرج سريع.
الرهان يصحّ على تهميش مستشار الأمن القومي جون بولتون، إذا انطلق السناتور بهذا الدور. وربما يكون العد العكسي للاستغناء عن الأول قد بدأ، فهما نقيضان لا يتعايشان.