التفاؤل الروسي بفوز أردوغان لا يلغي الحذر المتبادل

28 يونيو 2018
سارع بوتين لتهنئة أردوغان بفوزه (أدم ألتان/فرانس برس)
+ الخط -
استقبل الكرملين بتفاؤل فوز الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي شهدتها البلاد، وسارع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بتهنئته وإجراء اتصال هاتفي معه والتأكيد على استمرار التعاون في التسوية السورية والطابع الاستراتيجي للمشاريع المشتركة في مجال الطاقة. وما يزيد من تفاؤل موسكو هو استكمال التطبيع الكامل للعلاقات مع أنقرة وتجاوز كافة تداعيات إسقاط قاذفة "سوخوي-24" على الحدود السورية التركية من قِبل سلاح الجو التركي في نهاية عام 2015، والفتور في العلاقات بين تركيا والغرب منذ محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف عام 2016.

إلا أن ثمة تساؤلات تخيّم على تجدد الخلافات الروسية التركية في الملف السوري في ظل تباين رؤيتهما لمستقبل سورية، وتدشين تركيا خط أنابيب الغاز العابر للأناضول "تاناب" لنقل الغاز من أذربيجان إلى تركيا ثم أوروبا، والذي سيعزز من موقف أنقرة في مفاوضاتها مع موسكو بشأن الوقود الأزرق، ناهيك عن اعتراض واشنطن على توريد صواريخ "إس-400" الروسية إلى تركيا لكونها عضواً في حلف شمال الأطلسي.

ومع ذلك، توقع الباحث في الشؤون التركية في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، مدير مركز دراسات تركيا الحديثة في موسكو، آمور غادجييف، استمرار الدينامية الإيجابية للعلاقات الروسية التركية وحتى توسعها، لتشمل مجالات جديدة. وذكّر غادجييف في حديث مع "العربي الجديد"، بأن "بوتين هنأ أردوغان في أول يوم بعد الانتخابات مرتين، بواسطة برقية رسمية وباتصال هاتفي، بينما كان أردوغان من بين أوائل مهنئي بوتين بفوزه بولاية رئاسية جديدة في مارس/آذار الماضي"، معتبراً أن "الصداقة بين الرئيسين عامل هام للدبلوماسية ورسالة قوية للمجتمع الدولي".

وعن تأثير العامل الروسي في العلاقات التركية الغربية، قال غادجييف: "تسعى تركيا لتعزيز العامل الروسي في سياساتها الخارجية متعددة الاتجاهات، مما يترك لها مجالاً أوسع للمناورة في التعامل مع الدول الغربية الرئيسية"، مضيفاً أن "تعزيز العلاقات مع روسيا يسمح لتركيا بمساومة الغرب على تنازلات في قضايا إقليمية وأمنية حيوية، وخير دليل على ذلك ما يحدث الآن في مدينة منبج السورية"، التي انسحبت الوحدات الكردية منها بمباركة أميركية أخيراً.


في مقابل ذلك، يبرز رأي آخر، إذ اعتبرت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" أن إعادة انتخاب أردوغان ستضع "مشاكل كبيرة" أمام القيادة الروسية في ظل وعوده بمواصلة العمليات العسكرية في الأراضي السورية، وقد تشكّل ضربة للمشاريع الجيوسياسية والاقتصادية للكرملين في الشرق الأوسط بسبب سياسة أنقرة "غير القابلة للتنبؤ".
وفي مقال بعنوان "إعادة انتخاب أردوغان تصبح اختباراً للكرملين"، وصفت الصحيفة تفاؤل السياسيين الروس بأنه "غير مبرر" في ظل التطور المتسارع للأحداث في سورية واستياء أنقرة من قصف إدلب من قبل قوات النظام السوري، وتصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، بأنه لن تكون هناك جدوى من محادثات أستانة والتعاون مع روسيا في حال استمرار الهجمات على إدلب.

ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسي التركي، كريم هاس، قوله: "ما يزيد من المخاطر على روسيا هو أن موسكو لها ضلوع كبير في العلاقات التركية الغربية واللعبة في الشرق الأوسط الكبير. وتأتي على رأس الأجندة مسألة دعم النخبة السياسية التركية لعدد من فصائل المعارضة في سورية". وأعرب هاس عن اعتقاده أنه في ظل "انفراد" أردوغان بالسلطة بعد 24 يونيو/حزيران الحالي، فإن خطواته في السياسة الخارجية قد تصبح "غير قابلة للتنبؤ" بالنسبة إلى روسيا، معتبراً أن "سلسلة من الاختبارات الهامة تنتظر البلدين".

من جهته، رأى الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيميونوف، أن تطور العلاقات الروسية التركية مرهون بمدى تطبيع العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، مرجحاً أن تبدأ واشنطن، طال الزمن أو قصر، باستعادة العلاقات الكاملة مع أنقرة.
وقال سيميونوف لصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا": "قد تصل تركيا إلى اتفاقات مع الولايات المتحدة بشأن إقامة منطقة موحّدة للمعارضة في شمال وشمال شرق سورية. من الطبيعي أن تركيا ستنسق هذه المسألة في إطار الحوار مع القيادة الأميركية، وليس في إطار أستانة الذي يضم روسيا وتركيا وإيران".

وحذرت صحيفة "فزغلياد" هي الأخرى من أن تقدّم أردوغان قد يحمل "مفاجآت غير سارة" لموسكو، معتبرة أن التحالف الروسي التركي جاء "ظرفياً" إثر تراجع تعاون أنقرة مع الغرب. وفي مقال بعنوان "ماذا تعني الانتصارات الجديدة لأردوغان؟"، توقعت الصحيفة أن "الرياح قد تتغير"، بينما يصبح خط أنابيب الغاز "تاناب" آلية جديدة بين يدي تركيا للضغط على موسكو.

يذكر أن العلاقات الروسية التركية شهدت أزمة غير مسبوقة إثر حادثة إسقاط قاذفة "سوخوي" والتي وصفها بوتين بأنها "طعنة في الظهر من أعوان الإرهاب". إلا أن اعتذار أردوغان عن الواقعة والفتور في العلاقات التركية الغربية، مهدا الطريق لتطبيع العلاقات، واستئناف تحقيق مشاريع عملاقة مثل خط "السيل التركي" لنقل الغاز، ومحطة "أك كويو" النووية في تركيا، وحتى التنسيق العسكري في سورية وتزويد أنقرة بصواريخ "إس-400" على الرغم من عضويتها في حلف الأطلسي.