التعليم والهندسة والإرهاب

16 يناير 2017
(من شارع محمد منصور، تصوير: جيني ماثيوز)
+ الخط -
في إحدى اللقاءات التلفزيونية على قناة إخبارية شهيرة، أثير سؤال عن الأسباب التي تدفع شباب درس الهندسة إلى الانخراط في حركات التطرّف؟ كانت إجابة الخبير تنم عن ضعف إدراك وفهم لهذه الظاهرة المركبة والمعقدة، والتي يصعب الإجابة على أي من تساؤلاتها، فقد اقترح أنها حالات نادرة لا يمكن تعميمها.

وهذا الاستنتاج غير المدروس يتعارض بشكلٍ مباشر مع بحوث ودراسات عرضها كتاب "مهندسو الجهاد – الارتباط الغريب بين التطرّف العنيف والتعليم"، من تأليف عالم الاجتماع Diego Gambetta وSteffen Hertog، الذي نشر عام 2016، حيث تم إجراء تحقيق منهجي عن مستويات وأنواع التعليم لأكثر من 4000 من المتطرّفين السياسيين الذين عملوا في جميع أنحاء العالم الإسلامي والغربي، وقد لوحظ أن نسبة المهندسين من الإرهابين الذين ارتادو الجامعات بلغت 45% رغم أن نسبة خرّيجي الهندسة مقارنة بالكليات الأخرى كانت في حدود 11% إلى 16 %.


ومن الأسماء المشهورة خالد شيخ محمد العقل، المدبّر لهجمات 11سبتمبر وهو خريج هندسة الميكانيكا، ومن بين 25 مشارك في هذه الهجمات 8 منهم مهندسين. سيف الدين رزقي منفذ هجوم سوسة خريج هندسة الكهرباء، والجهادي جون محمد إموازي خريج هندسة الكمبيوتر.

ورغم أن العلاقة تبدو مبهمة نوعًا ما بين دراسة الهندسة والانخراط في حركات التطرّف، إلا أن ثمة العديد من المسلّمات التي ينبغي تسليط الضوء عليها ومناقشتها بشكل موضوعي، من أبرز هذه المسلمات أن التعليم يرقى بالإنسان ويقيه من التوحّش والانخراط في حركات التطرّف، وهذا ما ينفيه عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون الذي لاحظ أن من بين أوائل الأفكار المتجذرة في النفوس أن نتيجة التعليم المؤكدة تكمن في تحسين أوضاع البشر وإصلاحهم، إلا أن العديد من الفلاسفة يستطيعون البرهنة بسهولة على أن التعليم لايجعل الإنسان أكثر أخلاقية ولا أكثر سعادة، وأنه لا يغيّر غرائزه وأهواءه الوراثية.

ومن الأخطاء البالغة في التربية، الظن أن استذكار الكتب المدرسية يطوّر الذكاء أو يجعله يتفتح، وهذا أدى إلى ظهور نمط من الدراسين لايشغلون عقولهم ولا يبدون آراءهم الشخصية. حيث يقول المفكر الإسلامي علي عزّت بيجوفيتش: "التعليم وحده لا يرقى بالناس ولا يجعلهم أفضل مما هم عليه أو أكثر حرية، أو أكثر إنسانية". إن العلم يجعل الناس أكثر قدرة، أكثر كفاءة، أكثر نفعًا للمجتمع. لقد برهن التاريخ على أن الرجال المتعلّمين والشعوب المتعلّمة يمكن التلاعب بهم، بل يمكن أن يكونوا أيضًا خُدامًا للشر، ربّما أكثر كفاءة من الشعوب المتخلّفة.

إن تاريخ الإمبريالية سلسلة من القصص الحقيقية لشعوب متحضرة شنّت حروبًا ظالمة استئصالية استعبادية ضدّ شعوب متخلّفة أقل تعليمًا. كان أكبر ذنبهم أنهم يدافعون عن أنفسهم وحرّياتهم.

والمستوى التعليمي الراقي للغزاة لم يؤثّر على الأهداف أو الأساليب، لقد ساعد فقط على كفاءة الغزاة وفرض الهزيمة على ضحاياهم. والمدرسة التي تقدم حلولًا أخلاقية وسياسية جاهزة، فإنها تعتبر من وجهة نظر الثقافة مدرسة همجية لأنها لا تخلق أشخاصًا أحرارًا بل أتباعًا.

ودراسوا الهندسة أبناء للسياقات الاجتماعية والاقتصادية التي يحيونها، وتبقى التفضيلات الفطرية والسّمات الشخصية العوامل الحاسمة لانخراطهم في حركات التطرّف خصوصًا عندما يعانون من الإحباطات نتيجة لكل الظروف التي يحيونها ولا يستطيعون التعامل معها. وبذلك فإنهم يحتاجون إلى الرعاية والاحتضان وربطهم بالحاضر ومنحهم الأمل بالتغيير مع فهم أعمق للواقع كغيرهم من الشباب.
المساهمون