صادق البرلمانيون الفرنسيون على البند الأول من مشروع التعديل الدستوري الذي ينص على دسترة حالة الطوارئ التي أُعلنت غداة اعتداءات 13 باريس، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015. وصادقت على البند غالبية من حزبَي "الاشتراكي"، و"الجمهوريون"، وأحزاب الوسط بنسبة 126 صوتاً. في حين صوّت ضده 26 نائباً من الجناح اليساري في "الاشتراكي"، و"الخُضر"، و"جبهة اليسار". كما تمت المصادقة على مجموعة من القرارات الموازية منها؛ قرار يُدستر مراقبة تطبيق البرلمان حالة الطوارئ، وآخر يحدد تمديدها في أربعة أشهر إضافية والعودة إلى البرلمان في حال قررت الحكومة تمديداً جديداً. كما تمت المصادقة على قرار يمنع حلّ البرلمان تحت حالة الطوارئ.
وتشكل المصادقة على البند الأول، خطوة أولى في طريق المصادقة على مجموع بنود مشروع التعديل الدستوري التي تدوم أسبوعاً كاملاً، على أن يتم تقديم المشروع مرة أخرى إلى مجلس الشيوخ، في منتصف مارس/ آذار المقبل. وينكبّ النواب حالياً على مناقشة البند الثاني المتعلق بسحب الجنسية من الفرنسيين المتورطين في قضايا الإرهاب، وهو البند الأكثر إثارة للجدل في أوساط الغالبية كما في المعارضة.
وفي مبادرة تعكس درجة سخونة النقاش حول البند المتعلق بسحب الجنسية في صفوف المعارضة اليمينية، قام زعيم حزب "الجمهوريون"، الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، بعقد اجتماع بالفريق النيابي في مجلس النواب، أمس الثلاثاء، وحثّ النواب اليمينيين على التصويت لصالح هذا البند. وإذا كانت غالبية نواب "الجمهوريون" يؤيدون توجيهات ساركوزي، فهناك أقلية ترفضه بشدة منها؛ شخصيات وازنة، مثل رئيس الوزراء السابق، بيار رافاران، الوزير السابق، النائب باتريك ديفيدجيان، والوزيرة السابقة ناتالي كاوشيسكو موريزي. وكان حوالى عشرين نائباً من حزب ساركوزي وقّعوا في 22 يناير/كانون الثاني الماضي، عريضة تعلن رفضهم التام التصويت لصالح بند سحب الجنسية عن المواطنين الفرنسيين مزدوجي الجنسية واعتبروه بنداً "خطيراً وعديم الفعالية".
غير أنّ أشد ما يزعج ساركوزي، هو انضمام غريمه رئيس الوزراء السابق، فرانسوا فيون، إلى صفوف المعارضين لسحب الجنسية، الأسبوع الماضي، إذ دعا في حوار أدلى به لصحيفة "جورنال دو ديمانش" البرلمانيين اليمينيين إلى التصويت ضد المشروع، علماً أنّ فيون يحظى بدعم وتأييد العشرات من البرلمانيين الجمهوريين.
ويرى فيون أنّ سحب الجنسية ليس بحاجة إلى الدسترة كونه موجوداً سلفاً في القانون الجنائي الفرنسي، مشيراً إلى أنّ عملية دسترته ستجعل من حملة الجنسية المزدوجة شريحة مشبوهة في المجتمع الفرنسي. وبدا واضحاً أن الاختلاف حول قضية سحب الجنسية يخفي في طياته المنافسة الشرسة بين الشخصيات اليمينية حول الترشح للانتخابات الرئاسية في أفق الانتخابات التمهيدية التي تُجرى داخل حزب "الجمهوريون" لتعيين مرشح يمثل الحزب في الرئاسيات المقبلة. وستكون المنافسة حامية بين ساركوزي وفيون وألان جوبي، علماً أنّ الأخير اتخذ موقفاً مشابهاً للأول وأعلن دعمه مشروع سحب الجنسية.
اقرأ أيضاً: فرنسا... وسحب الجنسية
وإذا كان اليسار الراديكالي وحزب "الخضر" رفضا بقوة الفكرة من أساسها، واعتبروها خطيرة وقاتلة لأنها تربط حملة الجنسيات المتعددة من الفرنسيين خصوصاً في صفوف المسلمين بالإرهاب، وتجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، انتقلت عدوى الرفض بسرعة إلى الحزب الاشتراكي الحاكم والحكومة نفسها، ما جعل هولاند في موقع محرج للغاية. وتحول النقاش حول بند سحب الجنسية إلى معركة شرسة بين التيار اليساري والليبرالي إلى حدّ صارت فيه وحدة الحزب موضع تهديد جدّي. وكان الفصل الأخير من هذه المعركة، استقالة وزيرة العدل، كريستيان توبيرا، من الحكومة في 27 يناير/كانون الثاني الماضي، بسبب معارضتها الشديدة والعلنية لمشروع قانون سحب الجنسية الذي اعتبرته خيانة صارخة للمبادئ الاشتراكية.
وشهدت، يوم الأحد الماضي، قاعة البرلمان مشادة عنيفة بين الوزيرة السابقة في الحكومة الاشتراكية ورئيسة الفريق النيابي لحزب "الخضر"، سيسيل دوفلو، ورئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، حين ذكر الأخير أنّ الحكومة الوحيدة التي أقرت وطبقت قانون سحب الجنسية هي حكومة فيشي (1940 ـ 1944) تحت الاحتلال النازي.
وبعد تعمق الشرخ بين المعارضين والمناصرين لمشروع قانون سحب الجنسية، وفي محاولة لسحب البساط من تحت أقدام المدافعين عن حملة الجنسية المزدوجة، بادر رئيس الوزراء، مانويل فالس، إلى الإعلان، يوم الجمعة الماضي، تحت قبة البرلمان، أن مسودة المشروع لن تتضمن إشارة إلى سحب الجنسية من الفرنسيين حملة الجنسية المزدوجة. كما أنّ النص سيشير إلى سحب الجنسية عن الجميع، أي عن كل فرنسي متورط في قضايا الإرهاب بغض النظر عن أصوله أو حصوله على جنسية أخرى، بحسب فالس.
وكان هولاند وعد، في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بتعميم سحب الجنسية عن الفرنسيين من أصول أجنبية، الذين ولدوا في فرنسا والمتهمين بالضلوع في قضايا الإرهاب، بعدما كان القانون يحصرها في الحاصلين حديثاً على الجنسية الفرنسية المولودين خارج فرنسا. وفاجأ هولاند وقتها، وذلك خلال خطابه التاريخي في قصر فرساي، كثيرين، يساراً ويميناً، كون هذه الفكرة كانت أساساً واحدة من المطالب المتطرفة لحزب "الجبهة الوطنية" اليميني بقيادة مارين لوبان.
وفي انتظار التصويت الذي يتم، مساء اليوم الأربعاء، لا أحد يضمن أن البند سيمر بسهولة نظراً إلى التشتت الهائل في المواقف وحسابات اللحظة الأخيرة التي قد تذهب باتجاه المصادقة عليه أو رفضه. وكيفما كانت النتيجة، فإنها ستزن كثيراً وبشكل حاسم في مستقبل الرئيس فرانسوا هولاند السياسي.
اقرأ أيضاً: استقالة وزيرة العدل الفرنسية... الحكومة الاشتراكية بلا يسار