في يونيو/ حزيران 2017، عيّن بوتفليقة حكومة جديدة برئاسة عبد المجيد تبون، لكنه سرعان ما عمد إلى إقالتها ورئيسها ومعه عدد من الوزراء، بينهم وزير الصناعة محجوب بدة، ووزير التجارة أحمد ساسي، وعيّن أحمد أويحيى رئيساً للحكومة الجديدة. وشهد التعيين الأول في يونيو تسليم وزارة السياحة لمسعود بن عقون لمدة لم تتجاوز 48 ساعة، إذ تمت تنحيته بعد يومين من استلام مهامه، ليعاد تعيينه في الحكومة الثانية في أغسطس/ آب لمدة ساعتين، قبل أن تتم تنحيته من القائمة مجدداً وتعيين حسان مرموري خلفاً له. لكن هذا الأخير لم يقض في منصبه أكثر من ستة أشهر، إذ تمت تنحيته من منصبه أيضاً وتعيين خلف له هو عبد القادر بن مسعود الذي كان يشغل منصب حاكم ولاية تيسمسيلت، غربي الجزائر، في التعديل الحكومي الأخير، الذي حمل عودة بدة إلى الحكومة في منصب وزير للعلاقات مع البرلمان، إضافة إلى تعيين سعيد جلاب كخامس وزير للتجارة في غضون سنة ونصف السنة، خلفاً لمحمد بن مرادي، وإقالة وزير الشباب والرياضة الهادي ولد علي، وتعيين محمد حطاب الذي كان يشغل منصب حاكم لولاية بجاية، شرقي الجزائر، خلفاً له.
لكن تسارع التعيينات والإقالات في الحكومة، إضافة إلى تداخل القرارات وسرعة إلغائها وتعديلها في كثير من القطاعات الحكومية في الجزائر، بات يستدعي عند الكثيرين الحالة "البورقيبية" في تونس أواخر فترة حكم بورقيبة، والذي دفعته حالته الصحية إلى اتخاذ قرارات سريعة وإلغائها بشكل أسرع.
وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي أحسن خلاص، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الحالة الجزائرية قد تبدو متقدّمة على الحالة البورقيبية، قياساً بالظروف الصحية نفسها التي يمرّ بها بوتفليقة ويدير بها الحكم، وتلك التي مرّ بها بورقيبة أواخر حكمه". وأشار إلى أنّ "الإقرار بتماثل الحالة البورقيبية في الجزائر، لا يعني بالضرورة إمكانية حدوث المآلات نفسها التي حدثت في تونس"، في إشارة إلى عزل الزعيم التونسي عن الحكم بانقلاب نفذه زين العابدين بن علي. ويؤكد خلاص في هذا السياق، أنّ "بنية النظام الجزائري ليست هي نفسها بنية النظام التونسي"، في إشارة إلى أنّ المخرج السياسي في الجزائر سيكون مغايراً لما انتهت إليه تونس في نوفمبر/ تشرين الثاني 1987، بعد خلع بن علي لبورقيبة من الحكم.
وفي السياق نفسه، يرى المحلل السياسي نصر الدين بن حديد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "المشهد ليس ذاته وكذلك طبيعة اللاعبين"، مشيراً إلى أنّ سرعة التغييرات الحكومية الأخيرة تؤكد أن "هناك صراعاً أكثر حدة في الجزائر، لكن أكثر انضباطاً، مقارنة بالحالة التونسية أواخر حكم بورقيبة وغداة مرضه". وبشأن المآلات، لفت بن حديد إلى أنّ "أهم اللاعبين لم يظهروا بعد في الجزائر أو هم خلف الستار، وبعيدون عن الأضواء في الوقت الحالي".
وما ليس واضحاً بالنسبة للمراقبين والمتابعين لتطورات الشأن السياسي في الجزائر، ليس فقط غموض مبررات التعديل الحكومي، بغضّ النظر عمّا إذا كانت مبررات إبعاد وزير التجارة محمد بن مرادي تتعلّق بتراكم مشاكل السوق الداخلية، خصوصاً لناحية أزمة الحليب وفشل خطة منع توريد المنتجات من الخارج، وإقالة وزير الشباب والرياضة على خلفية تدخله في الشؤون الداخلية للاتحادات، ولكن أيضاً لأنه مسّ قطاعات لم تكن ذات أولوية على صعيد الضرورة، في مقابل قطاعات وزارية كانت تستدعي تغييرات نتيجة الظروف السياسية وتصاعد التوترات الاجتماعية المرتبطة بها وعجز وزرائها عن حلّ المشكلات العالقة. إذ لم يطل التعديل وزارة التربية بالرغم من الإضراب الذي دام طويلاً من قبل النقابات المستقلة، وبالرغم من تبني الرئاسة خطاباً مغايراً لخطاب الوزيرة نورية بن غبريط تجاه النقابات وإجبارها على فتح حوار مع الأساتذة المضربين والتراجع عن طردهم، وبالرغم من فشلها في تأمين امتحانات بكالوريا 2016 من الغشّ المفضوح، ومن دعاوى إقالتها. كذلك الأمر بالنسبة لوزير الصحة، مختار حسبلاوي، الذي يشهد قطاعه غلياناً بسبب إضراب المقيمين وتسجيل العديد من الوفيات بسبب وباء الحصبة في مدن الصحراء.
من جانبه، يعتبر رئيس قسم الشؤون السياسية والأمنية في صحيفة "الخبر" الجزائرية، محمد شراق، أن التعديل الذي قام به بوتفليقة "صوري ولا يحمل أي دلالات أو مؤشرات ترتبط بالانشغالات الحقيقية للجزائريين"، ويقول في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "التوجّه صوب إحداث تغييرات في وزارات لا تمثّل قطاعات مهمة جداً، قياساً بالوضع الراهن الذي يعيشه الجزائريون، وعدم الالتفات لقطاعات عرفت وتعرف منذ فترة اضطرابات وصلت إلى حدّ المساس بالأمن القومي والسلم المدني، هي رسالة من السلطة تفيد بأنه لا يمكن للشارع أن يحكم ويفرض على السلطة خيارات معينة بإقالة وزراء، مهما بلغت درجة الاحتجاجات". وأكد شراق أنّ "رسالة بوتفليقة عبر هذا التعديل هي التأكيد على أنّ الصلاحية الحصرية بيد الرئيس وحده، وهي أيضاً رسالة للنقابات ولكل فصيل يحاول ليّ ذراع الحكومة مستقبلاً والضغط عليها لتغيير مسؤولين ووزراء".
بدوره، يرى الناشط عبد الغني بادي في التغيير الحكومي الأخير "مجرّد حركة سياسية لا تتضمّن أي تفاصيل"، مشيراً إلى أنّ تنحية وزير العلاقات مع البرلمان، الطاهر خاوة، كان من المفترض أن تتم في التعديل الحكومي السابق"، بسبب ما سمي بفضيحة كلية الحقوق وشهادة الماستر غير المستحقة التي تم إلغاؤها من قبل المحكمة الإدارية وتأييد مجلس الدولة لحكم إسقاط الشهادة الجامعية لخاوة منذ أقل من شهر فقط، وأيضاً للوزيرة السابقة للتضامن مونية مسلم".
ويلفت بادي إلى أنّ الرئاسة ربّما انتظرت حتى فصل مجلس الدولة بقرار نهائي لتنحيته. أمّا بالنسبة لوزير السياحة حسن مرموري، فيرى أنّ الأخير "تغلّبت عليه دوائر النفوذ داخل وزارة السياحة، وظهر أنه الحلقة الأضعف في التشكيلة الوزارية"، مضيفاً أنّ "الهدف من التعديل في وزارة التجارة، تمرير قوانين جديدة تخصّ المجال، عبر وجه جديد عرف عنه التحكّم في التجارة الخارجية وهو سعيد جلاب، بدلاً من محمد بن مرادي"، موضحاً أن هذه القوانين "ربّما قد تكون مناقضة تماماً لما قام به بن مرادي، وربما يقوم جلاب بإعادة ضبط مسألة الاستيراد".
وتشبيه تفاصيل المشهد الجزائري بالواقع التونسي أواخر حكم بورقيبة، لا يعني بالضرورة أن تحدث المآلات نفسها، لكن استمرار غموض الأفق السياسي والقرار الرئاسي بشأن الولاية الرئاسية الخامسة من عدمها لبوتفليقة في ربيع العام المقبل، يلقي مزيداً من الغموض على ما ستنتهي إليه الأمور والأوضاع في الجزائر، بحسب ما تشير كل هذه المعطيات مجتمعة.