وفي وقت تتسارع فيه خطوات الدولتين الجارتين، تونس والجزائر، باتجاه خلق مسار جديد للحل في مستوى اجتماعي يتبنى حواراً للمصالحة بين الأطياف القبلية والاجتماعية، لتوحيد تحركهما الدبلوماسي في ليبيا، إلا أنه لا يبدو أنه يوافق مزاج قادة طرابلس الذين فضلوا استثمار رغبة المغرب في العودة للساحة الليبية وخلق مسار تفاوضي جديد لم تبرز ملامحه بعد.
وبحسب بيان للخارجية المغربية، أمس الجمعة، فقد رحّب رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري باستضافة المملكة المغربية "جولة جديدة من الحوار"، عقب اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية ناصر بوريطة مع المشري.
ورغم استقبال المغرب وزير خارجية الحكومة المؤقتة المنبثقة عن مجلس النواب، عبد الهادي الحويج، الجمعة، لبحث "الوضع في ليبيا"، إلا أن بوريطة أكّد للمشري أن استقبال الحويج جاء بصفته مبعوثاً لرئيس مجلس نواب طبرق، وليس بصفة وزير خارجية حكومة الثني، مشدّداً على أنّ المغرب "لا يعترف سوى باتفاق الصخيرات والأجسام المنبثقة عنه"، بحسب مكتب الإعلام للمجلس الأعلى للدولة.
وتعكس تلك المسارات المغاربية، رغم عدم وضوح الحوار الذي يستضيفه المغرب مجدّداً حتى الآن، بأنها تسير في ركاب الخلافات السياسية المغاربية، خصوصاً بين المغرب والجزائر، "وبسبب أهمية جوار هذه الدول لليبيا، فإنه سيكون لتعارض رؤاها للحل في ليبيا تأثير مباشر على مخرجات القمة الأفريقية في أديس أبابا غداً"، بحسب الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق.
المسارات الجزائرية للأزمة الليبية
يوضح البرق أن الجزائر تبدو رؤيتها مشوشة إلى حد كبير، مشيراً إلى أنها تسير في اتجاهين، أولهما يحاول دفع الاتحاد الأفريقي لصنع موقف موحد من المسألة الليبية، والثاني يحاول تجاوز المسارات التي أفرزها اتفاق برلين بالاتجاه إلى القاعدة الشعبية في ليبيا وخلق مسار تفاوضي جديد، رفقة تونس يستهدف القبائل تحت عنوان المصالحة.
ويرى البرق أن المغرب، الذي سارع إلى توضيح سبب استقباله وزير خارجية حكومة مجلس النواب، يبدو راغباً في الانخراط في الشأن الليبي لأسباب أخرى تتعلق بمواقفه مع الجزائر، خصوصاً وأنها تمتلك رصيداً كبيراً في ليبيا يتمثل في رعايتها مفاوضات الصخيرات التي نال الاتفاق فيها نهاية في 2015 بين الأطراف الليبية اعترافاً دولياً لا يزال سارياً حتى الآن.
وكان المشري قد صرح بقوله إن "اتفاق الصخيرات يشكّل مرجعية قانونية لأي حل سياسي للأزمة الليبية"، بحسب بيان الخارجية المغربية.
وبينما أعلنت وزارة الخارجية في حكومة الوفاق مقاطعتها الاجتماع الوزاري لدول الجوار الليبي الذي دعت إليه الجزائر، في 23 من الشهر الماضي، بسبب توجيه الجزائر دعوة مماثلة لوزير خارجية حكومة مجلس النواب، شرق البلاد، بسبب ما قالت إنه "مخالفة لقرارات مجلس الأمن التي تحظر التعامل مع الأجسام الموازية في ليبيا"، غير أنها لم تعلق على زيارة وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، الأربعاء الماضي، إلى بنغازي ولقاء حفتر وعبد الله الثني رئيس الحكومة، ما يراه البرق إدراكاً من قبل حكومة الوفاق لتغير سياسات الجزائر بميلها الواضح إلى طرف حفتر لا يحتاج إلى تعليق، خصوصاً وأن بوقادوم لم يجر زيارة مماثلة إلى طرابلس بعد أن طرح رؤية بلاده لحل الأزمة الليبية لقادة الشرق الليبي المتمثلة في إطلاق حوار يستهدف المكونات الاجتماعية.
ويبدو أن الجزائر نجحت في تحصين مسارها الخاص بدعمه أفريقياً، فخلال اجتماع اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى في الاتحاد الأفريقي، نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، قدمت الجزائر مقترحاً لتأسيس لجنة تحضيرية أفريقية لـ"منتدى المصالحة الوطنية الشامل" بين الليبيين، مشيرةً إلى ضرورة وجود فترة انتقالية تناقش خلالها المكونات الليبية في المنتدى مشروع دستور وتحديد موعد للاستفتاء عليه قبل الوصول إلى فترة انتخابات تشريعية وبرلمانية.
وإثر انتهاء اجتماع اللجنة، قال رئيس اللجنة ورئيس جمهورية كونغو، دنيس ساسونغيسو، إن الاجتماع "انتهى إلى الاتفاق على تنظيم منتدى للمصالحة الوطنية بين الليبيين، خلال هذا العام الذي يسبق تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية حرة وذات مصداقية"، مؤكداً أن هذه التوصية ستكون محل نقاش القمة الأفريقية في أديس أبابا.
وعلى الرغم من أنه لم يتضح موقف الحكومة في طرابلس من الجهود الجزائرية، غير أنّ البرق يرى أنّ اقتراب المغرب من طرابلس مجدداً يعني انزعاجاً من الدور الجزائري، خصوصاً بعد أن أهملت الجزائر دعوتها للاجتماع الوزاري لدول الجوار الليبي في 23 يناير/ كانون المنصرم، رغم أنها دعت مالي البعيدة عن ليبيا.
ويرجح البرق أن يكون الخلاف الجزائري المغربي عاملاً سيؤثر سلباً على نتاج قمة أديس أبابا في المنظور القريب وسيكون عامل تشتيت لجهود التسوية في المنظور البعيد من خلال تعدد المسارات.