التظاهرة العونية... تثبيت زعامة باسيل وحشد لا يقلب الموازين

06 سبتمبر 2015
ردّد باسيل شعارات تزيد من تعطيل الحياة السياسية(حسين بيضون)
+ الخط -

يُمكن لأنصار التيار الوطني الحر في لبنان (يطلق عليهم اسم العونيين نسبة إلى مؤسس التيار النائب ميشال عون)، الاستمرار في لعبة الأرقام في ما يتعلق بتظاهرتهم، يوم أمس الأوّل الجمعة، وخصوصاً أنّ كاميرات البثّ التلفزيوني ساعدتهم على تحقيق ذلك. لكن الأعداد ليست مهمة. المؤكد، أنّ هذا الحشد العوني تجاوز التظاهرة ما قبل الأخيرة للتيار الوطني الحرّ، لكنّه ليس حشداً يقلب موازين سياسية في البلد.
فتكتل "التغيير والإصلاح"، الذي يضمّ التيار الوطني الحرّ، يملك ثاني أكبر كتلة نيابية في البرلمان، وهو يتبنّى خطاباً طائفياً يشدّ العصب المذهبي في وجه قوى أخرى، وبالتالي فإنه من المنطق أن يحشد. ومن هذا المنطلق، يبدو أن الحشد، أوّل من أمس، ليس كبيراً في حسابات الطوائف، وخصوصاً عند الاستعانة بالصور الجويّة.

لكن هذه التظاهرة العونيّة، نجحت في تحقيق الهدف الأبرز لها، وهو تثبيت وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، رئيساً للتيار. فباسيل تولّى رئاسة التيار بالتزكية، وليس عبر انتخابات حزبية، بعدما أسكت المعارضة الحزبية عبر الاستعانة بشخص عمّه، الرئيس السابق للتيار، النائب ميشال عون. ثم اعتبرت لجنة الانتخابات، أنّ اللائحة المرشحة في مقابل لائحة باسيل، لم تستوف الشروط القانونيّة للترشّح. بهذا المعنى، نجح باسيل في نيْل الشرعية الشعبية داخل التيار. شارك معارضو باسيل في التظاهرة، مثلما شارك مؤيدوه، وإن ظهر امتعاض المعارضين واضحاً من خلال ردة فعلهم الباردة خلال كلمة باسيل.

إذاً، استطاع باسيل التحضير لاستلام رئاسة التيار بأفضل الظروف الممكنة. أقصى المعترضين، وتمّ فصل عدد من الناشطين، وهو ما أثار نقاشاً حاداً داخل التيار. لكن الدعوة إلى هذه التظاهرة، وما رافقها من تواصل مع جميع الناشطين والطلب منهم المشاركة من أجل "صورة الجنرال" (ميشال عون)، والذي يعرف بهذا اللقب منذ كان قائداً للجيش اللبناني في ثمانينيات القرن الماضي)، أعادا تصويب النقاش. كما أن مشاركة عدد لا بأس فيه من المعارضين، جاء تحت عنوان "الخلاف الداخلي شيء، وصورتنا كعونيين شيء آخر"، كما قال أحد المعارضين الذين شاركوا في التظاهرة، لـ"العربي الجديد".

بهذا الشكل، يقترب العشرون من سبتمبر/أيلول، وهو موعد استلام باسيل رئاسة التيار من عمه النائب ميشال عون رسمياً، وقد اختلف النقاش داخل التيار، وأعيد توجيه "النضال" في سياق مختلف، وهو ما يعني استلام باسيل في أفضل الظروف الممكنة.

اقرأ أيضاً لبنان: عون يحشد في الشارع وجمهوره ينبذ صهره باسيل

أما في المضمون السياسي، فإن المشهد مختلف. فيوم الجمعة، لم يُقدّم باسيل أي خطة أو مبادرة سياسيّة. التيار الوطني الحرّ، شريك في الحكومة وموجود في مجلس النواب، وهو جزء من الفريق الذي يتسبب غياب نوابه عن جلسات انتخاب رئيس للجمهوريّة بفقدان النصاب القانوني في 28 جلسة متتالية، ما يعني الفشل في انتخاب رئيس للجمهوريّة. كما أنّ التيار جزء من الفريق الوزاري الذي يرفض المشاركة في جلسات الحكومة بسبب غياب الشراكة، كما يدّعي. كما أنه جزء من الفريق الذي يرفض التشريع في ظلّ غياب رئيس الجمهورية.

بغضّ النظر عن صوابية أو عدم صوابية موقف التيار، إلّا أنّه جزء من عمليّة تعطيل الحياة السياسيّة في لبنان. وبالتالي، كان على باسيل أن يُقدّم مبادرة سياسيّة. في الأسبوع الماضي، قدّم رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، مبادرة، وهي الدعوة إلى طاولة حوار. دعوة تكرّس ضرب المؤسسات، لكنّها مبادرة سياسيّة. أما باسيل فلم يطرح أي مبادرة، بل ردّد شعارات سياسيّة لا تنتج أي حلّ. خطاب باسيل كان تعبوياً، وكأن الانتخابات على الأبواب.

وما طرحه باسيل من خريطة طريق، كان عبارة عن الدعوة إلى انتخاب الرئيس من الشعب، وإجراء انتخابات نيابيّة على أساس قانون نسبي. الجزء الأول من الطرح، يعني أنّ باسيل يُريد تغيير النظام السياسي في لبنان من برلماني إلى رئاسي، مع كل ما يعنيه هذا التغيير. وما هو معلوم، أنّ لبنان قبل اتفاق الطائف، كان ينتخب رئيسه في مجلس النواب، على الرغم من أنّ صلاحيات الرئيس، آنذاك، كانت واسعة، فكيف الحال اليوم، بعدما تقلّصت هذه الصلاحيات إلى الحدّ الأدنى. عملياً، يطرح باسيل تغييراً دستورياً وهو غير قادرٍ على إجراء انتخابات حزبية. بدا باسيل وكأنه يُريد تعقيد المشهد، لا حلّه.

أما في الشقّ المتعلّق بدعوته إلى إجراء انتخابات نيابيّة على أساس قانون نسبي، فإن باسيل لم يُحدد حجم الدائرة، ما إذا كان على أساس لبنان دائرة واحدة، أم القضاء أم المحافظة. ويبقى السؤال عمّا إذا تخلى التيار عن القانون الأرثوذكسي، أم أنه يطرح اعتماد القانون النسبي ضمن المشروع الأرثوذكسي، أي أن تكون الانتخابات داخل المذهب، لكن على أساس نسبي.

ردّد باسيل، خلال التظاهرة، شعارات تزيد من تعطيل الحياة السياسية في لبنان، بدل أن تحدث خرقاً. شعارات تؤكّد سبب خروج عشرات الآلاف، منذ أسبوع، للتظاهر ضد هذه الطبقة السياسيّة.

اقرأ أيضاً عون في الشارع اليوم: تعويل على الحلفاء ونداءات استنفار

المساهمون